تجدد المخاوف حول الوضع المالي في أوروبا بعد خطة إنقاذ البنوك الآيرلندية

تشمل 3 مصارف وقيمتها تقارب 68 مليار دولار

مصرف «أنغلو آيرش» أصبح رمزا من رموز المصارف التي تشارك بقوة في سوق الرهن العقاري خلال العقد الحالي (رويترز)
TT

أثارت الحكومة الآيرلندية المخاوف من جديد حول الوضع المالي في أوروبا، أول من أمس، بإعلانها خطة إنقاذ ضخمة لعدد من المصارف الكبرى بتكلفة تماثل الإيرادات الضريبية المتوقعة خلال العام والنصف المقبلين.

ويخشى بعض المحللين الاقتصاديين أن هذه الخطة الطارئة التي اتخذتها دبلن لدعم المصارف التي تعثرت بسبب الكم الضخم من القروض العقارية المعدومة قد تثير أزمة مالية داخل آيرلندا مما قد يجعلها مصدرا للاضطرابات جديدة في الأسواق العالمية.

وقد اهتزت الأسواق العالمية في وقت سابق من هذا العام عندما تعاملت الحكومة اليونانية بعدم جدية مع تعثر مستثمري القطاع الخاص في سداد قروضهم، مما تطلب خطة إنقاذ طارئة من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، وقد ساعدت هذه الخطة على استعادة بعض الثقة في الوضع المالي للدول الأوروبية.

وقد رفع إعلان الحكومة الآيرلندية اتخاذ إجراءات جديدة لضخ أموال في القطاع المالي المتعثر التكلفة الإجمالية لخطط إنقاذ مصارف البلاد إلى ما يقرب من 68 مليار دولار. وقالت الحكومة إنها لكي تتمكن من تنفيذ الخطة سيتعين عليها إجراء تخفيضات إضافية وفرض ضرائب جديدة في الوقت الذي يمر فيه الاقتصاد الآيرلندي بحالة من الإنهاك الشديد نتيجة حالة الركود. وقد اتخذت دبلن في السابق إجراءات تقشفية واسعة النطاق، حيث خفضت رواتب موظفي الدولة وقلصت الدعم المقدم إلى شرائح كثيرة من بينها المكفوفون.

وتقدم آيرلندا المثال الأكثر تطرفا للمخاطر التي تواجهها البلدان المتقدمة وهي تحاول تعزيز الانتعاش وتخفيض الدين العام الذي وصل إلى مستويات تاريخية. وتقوم الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة بجهود كبيرة لتقليص العجز الحكومي، ولكن صندوق النقد الدولي أشار الخميس إلى أن تلك الجهود قد تقوض النمو الاقتصادي إلى درجة أكبر بكثير مما كان يعتقد البعض.

وقال صندوق النقد الدولي إنه مع قيام الكثير من البلدان بتقليص النفقات في نفس الوقت فإن التأثير الكلي من المرجح أن يكون انخفاض معدلات النمو وارتفاعا حادا في معدلات البطالة وهي أمور قد تستمر لسنوات قبل أن نلمس فوائد تراجع الدين العام.

وفي الوقت نفسه، فإن عددا من البلدان بما في ذلك آيرلندا تواجه خيارات صعبة كانت السبب في وقوع الكثير من الإضرابات وأعمال عنف في مناطق أخرى في أوروبا والتأثير على نتائج الانتخابات.

ولدى آيرلندا، على عكس اليونان، أموال وليست في حاجة إلى اقتراض الأموال من الأسواق حتى يونيو (حزيران) 2011 لتمويل العمليات الأساسية. وهذا الأمر قد أجل الأزمة في آيرلندا لأشهر، وهو أحد الأسباب وراء عدم وجود حالة من الذعر في الأسواق الآيرلندية بعد الإعلان عن خطة الإنقاذ يوم الخميس. لكن الشكوك تتزايد بالفعل في أوساط المستثمرين حول ما إذا كانت آيرلندا ستتمكن من إعادة تجميع المال الذي ستنفقه عندما تعود إلى السوق. وقال مسؤولون الآيرلندي إنهم لن يعودوا إلى الأسواق قبل يناير (كانون الثاني).

وقال كونستانتين غورديف، أستاذ المالية في كلية ترينيتي في دبلن: «كنت أعتقد أنه من غير المرجح أن تحتاج آيرلندا إلى خطة إنقاذ، ولكن بعد رؤية هذه الأرقام، أعتقد شخصيا أن الأرقام أسوأ مما أعلنته الحكومة الآن».

وقد أصبحت آيرلندا، التي تواجه الآن عجزا في الميزانية يعادل 32% من إجمالي الناتج المحلي، مثالا لكيف يمكن للبلدان التي أنفقت أكثر مما تملك – مثل الولايات المتحدة وبريطانيا - التعامل مع العجز الهائل في الميزانية.

وقد تزايدت بالفعل المعارضة السياسية للتخفيضات السابقة بالميزانية. وكانت هذه التخفيضات مسؤولة جزئيا عن وأد انتعاش الاقتصاد الآيرلندي في مهده، بعد تراجع الاقتصاد بنسبة 5% في الربع الثاني. وقد أثارت الإجراءات التقشفية حملة جديدة من قبل أحزاب المعارضة للإطاحة برئيس الوزراء بريان كوين وائتلافه الحكومي الحاكم، وهي الحملة التي يقول المحللون إنها تكتسب زخما مع كشف الحكومة عن تخفيضات أكبر.

وتواجه الحكومة أيضا تصاعدا في الغضب الشعبي بسبب تكلفة إنقاذ المصارف التي سيتحملها دافعو الضرائب الآيرلنديون.

وقال كوين للصحافيين في دبلن: «نعم، بالطبع الناس غاضبون ولهم الحق في ذلك، لكن ما يتعين علينا القيام به هو التعامل مع الوضع الذي يواجهنا. إن لم نتعامل معه... ستكون هناك تكاليف باهظة، تكاليف أكبر على بلدنا».

وقال مسؤولون آيرلنديون، يوم الخميس، إن إنقاذ مصرف «أنغلو آيرش بنك» وحده قد يتكلف 46 مليار دولار، لكنهم فاجأوا المراقبين بالإعلان عن ضخ مليارات لإنقاذ مصرفين آخرين، بما في ذلك مصرف «أليد آيرش بنك» الذي سوف تمتلك الحكومة فيه حصة تقدر بـ85%.

ومصرف «أنغلو آيرش بنك» الذي لم يكن نشطا في مجال تمويل الرهن العقاري أصبح رمزا من رموز المصارف التي تشارك بقوة في سوق الرهن العقاري خلال العقد الحالي، وخاصة مع صفقة العقارات التي تقع على شواطئ البحر الآيرلندي جنوب دبلن. وهناك، ساعد على تمويل شراء مصنع مهجور للزجاج بقيمة ما يقرب من نصف مليار دولار، متوقعا ارتفاعا جديدا للأسعار. واليوم، يحيط سياج أسود بموقع البناء الذي لم يمس، والذي يقول المحللون إن قيمته الآن تبلغ نحو 50 مليون دولار في أحسن الأحوال.

ويوم الخميس، توقعت الحكومة - كما حدث من قبل - أن الأموال التي سيتم ضخها سوف تكون الأخيرة. وقال آلان ديوك، الذي عينته الحكومة رئيسا لمصرف «أنغلو آيرش بنك» هذا العام، في مقابلة معه إنه يؤيد توقعات الحكومة الحالية الخاصة بالخسارة.

ولكنه اعترف بأن سوق العقارات في آيرلندا – المرتبطة بوضع المصارف - لا تزال في حالة ركود، ولا تزال أسعار العقارات التجارية تنخفض بعد انخفاضها بنسبة 60% عن أسعار الذروة التي كانت في منتصف العقد الحالي.

ساهم في هذا التقرير هوارد شنايدر من واشنطن.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»