مخاوف حول خطط للتنقيب عن النفط قبالة السواحل الكوبية

في حين ما زال الحظر في المياه الأميركية المجاورة قائما بعد كارثة تسرب بئر «بي بي»

توجه كوبا نحو السماح بالتنقيب عن النفط في مياهها الإقليمية يثير الكثير من المخاوف ليس في أميركا فقط، بل وحتى داخل كوبا نفسها (رويترز)
TT

بعد خمسة شهور من حادثة التسرب النفطي التي تورطت فيها شركة «بريتش بتروليم»، لا يزال قرار تجميد فيدرالي يحظر أعمال التنقيب عن النفط في أعماق المياه داخل المياه الإقليمية الأميركية في خليج المكسيك ساريا. وطبقا للقانون الفيدرالي، فإن أعمال التنقيب عن النفط أيضا محظورة بالقرب من سواحل فلوريدا. ومع ذلك، فإن من المقرر أن تبدأ شركة إسبانية العام المقبل في حفر آبار نفطية جديدة على بعد قرابة 50 ميلا من فلوريدا كيز، داخل المياه الإقليمية الكوبية. يذكر أن الإنتاج النفطي الحالي لكوبا ضئيل، لكن خبراء نفطيين أعربوا عن اعتقادهم بإمكانية وجود مخزونات نفطية على امتداد السواحل الشمالية للبلاد على مستوى ما يوجد لدى الدول النفطية متوسطة الإنتاج، مثل الإكوادور وكولومبيا، وهو مستوى من الاحتياطيات يكفي لتعزيز الاقتصاد الكوبي المتداعي ويقلص الاعتماد على فنزويلا لتلبية احتياجاتها من الطاقة.

ويحمل التنقيب عن النفط داخل المياه الكوبية مخاطر لكل من كوبا، وهي عبارة عن دولة جزيرة، والولايات المتحدة، حيث حذر علماء معنيون بالمحيطات من أن وقوع كارثة نفطية على غرار تلك التي تسببت فيها «بريتش بتروليم» يمكن أن تتسبب في تدفق النفط إلى داخل الشواطئ الكوبية، ثم منطقة فلوريدا كيز في غضون فترة قصيرة لا تتجاوز 3 أيام. حال بلوغ النفط منطقة غولف ستريم، وهو تيار قوي بالمحيط يمر عبر المنطقة، من الممكن أن يتدفق النفط إلى ميامي وما بعدها. والملاحظ أن الصناعة النفطية الناشئة في كوبا أقل استعدادا بكثير للتعامل مع تسرب نفطي ضخم عما كانت عليه نظيرتها الأميركية وقت حادثة التسرب النفطي المرتبطة بـ«بريتش بتروليم»، حيث تفتقر كوبا إلى أجهزة إنسان آلي قادرة على الغوص في الماء قادرة على إصلاح معدات التنقيب في أعماق البحار، وكذلك لا يوجد لديها منصات للشروع في جهود التدخل السريع في غضون فترة قصيرة من وقوع التسريب. بالإضافة إلى ذلك، فإن إمكانية تدخل شركات أميركية للمساعدة في التغلب على حادث تسريب نفطي في كوبا تواجه قدرا بالغا من التعقيد بسبب الحظر التجاري الأميركي المفروض ضد كوبا منذ 48 عاما، طبقا لما أوضحه مسؤولون معنيون بصناعة النفط.

طبقا لبنود هذا الحظر، تواجه الشركات الأميركية قيودا شديدة على القيام بنشاط تجاري في كوبا. وقد أسهمت إمكانية وقوع حادث تسريب نفطي في زيادة جرأة شركات التنقيب النفطي الأميركية، المدعومة من بعض منتقدي الحظر، في مساعيها للحصول على تصريح من الحكومة الأميركية للمشاركة في الصناعة النفطية الكوبية الناشئة.

في هذا الصدد، قال لي هنت، رئيس «الاتحاد الدولي لمقاولي التنقيب»، وهي مجموعة تجارية تحاول توسيع نطاق الاتصالات الثنائية بين البلدين لتعزيز أمن نشاطات التنقيب: «هذا الأمر لا يتعلق بالآيديولوجيا، وإنما بحوادث التسريب النفطي. يجب أن تتغير التوجهات السياسية من أجل حماية منطقة الخليج».

ومن الممكن أن تتسبب أي انفراجة على صعيد الحظر المفروض على كوبا في خلق انقسام بين الشركات النفطية الأميركية الكبرى التي عمدت إلى الضغط على الكونغرس في هدوء لسنوات كي يسمح لها بالمشاركة في استغلال مخزونات النفط والغاز الطبيعي خارج السواحل الكوبية. يذكر أن ممثلين من «إكسون موبيل» و«فاليرو إنرجي» شاركوا في مؤتمر حول الطاقة داخل كوبا استضافته مكسيكو سيتي عام 2006، حيث التقوا مسؤولين كوبيين معنيين بالنفط. حاليا، تجري خدمة الصناعة النفطية الكوبية بصورة تكاد تكون حصرية من جانب شركات غير أميركية. على سبيل المثال، اتفقت «ريبسول»، شركة النفط الإسبانية، مع شركة تشغيل إيطالية على بناء منصة تنقيب ضخمة في الصين بحيث تبدأ التنقيب وحفر الكثير من الآبار الاختبارية في أعماق المياه بحلول العام المقبل. كما وقعت شركات أخرى، من النرويج والهند وماليزيا وفنزويلا وفيتنام والبرازيل، عقودا للتنقيب عن النفط. من جهته، أعلن بيل ريتشاردسون، حاكم نيو مكسيكو، وهو عضو في الحزب الديمقراطي ويزور كوبا بانتظام، أن خطط التنقيب قبالة السواحل الكوبية تشكل «خطوة محتملة» نحو التخفيف من الحظر المفروض على البلاد. وخلال رحلة لأغراض إنسانية قام بها مؤخرا إلى كوبا، التقى عدد من المقاولين الأميركيين العاملين بمجال التنقيب عن النفط، وأشار إليهم بقوله: «جميعهم جمهوريون يمكن أن ينجحوا في إقناع الكونغرس في نهاية الأمر بجعل العقوبات أكثر مرونة في هذه الناحية المرتبطة بحوادث التسريب النفطي». وأضاف: «أعتقد أنكم ستعاينون تحرك الإدارة قدما بصورة أكبر على هذا الصعيد بعد الانتخابات».

من ناحية أخرى، ورغم تلقيهم الكثير من الطلبات خلال الأسبوع الماضي، رفض المسؤولون الكوبيون إجراء أي مقابلات معهم للتعليق على هذا الأمر.

حاليا، تعد الولايات المتحدة والمكسيك وكوبا من الدول الموقعة على الكثير من البروتوكولات الدولية التي وافقوا طبقا لها على التعاون لاحتواء أي حادثة تسريب نفطي. إلا أنه عمليا، لا يوجد سوى تعاون ضئيل بين واشنطن وهافانا فيما يخص القضايا النفطية، رغم عقد مسؤولين أميركيين اجتماعات على مستوى تمثيلي ضعيف مع نظرائهم الكوبيين في أعقاب حادثة «بريتش بتروليم» النفطية.

وأعرب جورج بينون، المسؤول التنفيذي السابق في «بريتش بتروليم» و«أموكو»، عن اعتقاده بأن «المطلوب هو أن تتمتع الشركات النفطية الدولية في كوبا بقدرة كاملة على الاستفادة من التقنيات والعمالة الأميركية للحيلولة دون وقوع تسريب نفطي وإدارة جهود التصدي له حال حدوثه». وقال بينون، الذي فر من كوبا في طفولته ويتعاون مع الشركات الأميركية حاليا المعنية بالإمكانات النفطية في كوبا، إنه يتعين على الحكومتين وضع خطة تحسبا لوقوع كارثة تسريب نفطي. والملاحظ أن الكثير من شركات النفط وخدمات النفط الأميركية ترغب في المشاركة في القطاع النفطي الكوبي، حسبما أوضح بينون، الذي استطرد قائلا بأنها تحرص على عدم الإعلان عن نفسها انطلاقا من رغبتها «في حماية صورة علامتها التجارية في جنوب فلوريدا، حيث يمكن أن يقدم أبناء الجالية الكوبية المؤيدون للحظر التجاري على مقاطعة محطات الغازولين أو المنتجات الأخرى للشركات المتحمسة للتعاون مع كوبا».

من ناحية أخرى، هناك مؤشرات توحي بأن إدارة أوباما مدركة لأهمية قضايا السلامة، مثلا، في أعقاب حادثة «بريتش بتروليم» بفترة قصيرة، أعلن «مكتب السيطرة على الأصول الأجنبية»، الوكالة المعنية بتنظيم الحظر، أنه سيوفر تصاريح للشركات الأميركية الخدمية لتوفير خدمات في مجالي الوقاية من الحوادث النفطية ودعم جهود احتوائها حال وقوعها. وصرح تشارلز لوما أوفرستريت، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، بأن التصاريح سيجري منحها على «أساس كل طلب على حدة»، لكنه رفض التعليق على المعايير التي سيجري اتباعها في هذا الأمر. وقال بينون إنه - على ما يبدو - بإمكان أي شركة أميركية التقدم بطلب للحصول على تصريح فقط بعد وقوع حادث. وأضاف: «إننا نناضل من أجل الحصول على مزيد من التوضيح».

جدير بالذكر أن شركة «كلين كاريبيان آند أميركان»، وهي مؤسسة تعاونية تضم تحت مظلتها الكثير من الشركات النفطية، حصلت على تصاريح لإرسال مستشارين فنيين والكيماويات المشتتة لبقع النفط ومعدات احتواء التسريب النفطي ومعدات نزع طبقات النفط من فوق المسطحات المائية إلى كوبا منذ عام 2003. إلا أنه ليس بإمكان هذه المؤسسة تقديم خدماتها سوى للشركتين العضوين بها، «ريبسول» و«بتروبراس»، وليس الحكومة الكوبية.

المعروف أن العقوبات الاقتصادية ضد كوبا سارية منذ عام 1960، رغم أن الحظر جرى التخفيف من حدته لاحقا بحيث سمح ببيع سلع زراعية وأدوية، وسفر الأميركيين من أصول كوبية إلى كوبا.

وأشار هنت، رئيس «الاتحاد الدولي لمقاولي التنقيب»، إلى أن الاتحاد بعث بوفد إلى كوبا في أواخر أغسطس (آب)، وعقد محادثات مع مسؤولين حكوميين و«كوبيت»، شركة النفط الوطنية الكوبية. وأضاف أن مسؤولين كوبيين، بينهم توماس بينيتيز هيرنانديز، نائب وزير شؤون الصناعات الأساسية، طلبوا منه نقل رسالة إلى الولايات المتحدة. وقال عن ذلك: «أخبرني عدد من كبار المسؤولين أنهم سيمضون قدما في برنامج للتنقيب عن النفط في أعماق المياه، وأنهم سيستغلون أي مصدر غير أميركي موثوق به يتوافر أمامهم للحصول على التقنية والمعلومات، لكنهم يفضلون العمل مباشرة مع الولايات المتحدة في ما يخص الأمور المرتبطة بممارسات التنقيب الآمنة». يذكر أن بينيتيز تولى الأسبوع الماضي منصب القائم بأعمال الوزير في أعقاب فصل وزير شؤون الصناعات الأساسية، وهو المسؤول بذلك عن الوكالة المشرفة على صناعة النفط، لأسباب لم تتضح بعد.

وقال دونالد فان نيووينهويس، مدير البرامج البترولية في جامعة هوستون، إنه حال وقوع حادث في المياه الكوبية، بإمكان «ريبسول» أو أي شركة أخرى تعبئة معدات من تلك الموجودة في بحر الشمال أو البرازيل أو اليابان أو الصين. إلا أنه استطرد مؤكدا أن «التأخر لمدة أسبوع واحد قد يأتي بنتائج كارثية»، وأنه سيكون من الأفضل لهافانا وواشنطن والشركات النفطية الكبرى التنسيق مع بعضها بعضا مقدما.

في المقابل، يحذر خصوم النظام الكوبي من أن مساعدة الكوبيين في صناعتهم النفطية قد يعزز وضع النظام الكوبي. وبدلا من جعل عمليات التنقيب أكثر أمنا، يرغب البعض في وقف هذه الأعمال تماما. من بين هؤلاء السيناتور الديمقراطي بيل نيلسون، من فلوريدا، الذي يحث الرئيس أوباما على إلغاء اتفاق حدودي وقع عام 1977 يمنح هافانا ولاية قضائية على المنطقة الممتدة حتى 45 ميلا من فلوريدا. وقال: «أنا واثق من أنكم توافقونني الرأي على أنه لا يمكن أن نسمح لكوبا بتهديد النشاط التجاري والبيئة الثمينة في فلوريدا»، وذلك في خطاب بعث به إلى الرئيس بعد فترة قصيرة من وقوع حادث «بريتش بتروليم».

* خدمة «نيويورك تايمز»