عندما تغيب المعلومة

سعود الأحمد

TT

لا شك أن القرار الاقتصادي يعتمد كثيرا على المعلومة، وأن كبار المسؤولين هم مصدر هذه المعلومة. وبالتالي، إذا امتنع هؤلاء عن الظهور الإعلامي أو توقفوا عن التصريحات الصحافية أو سمحوا فقط بالتصريح في المواضيع غير المهمة فإن القرار الاقتصادي يصاب بنوع من الشلل.

فمن غير المقبول أن تغيب عن المجتمع ورجال الأعمال أخبار وحقائق وتفاصيل أحداث وتوجهات اقتصادية ومالية مهمة، التي كان من المفترض أن تصل لوسائل الإعلام، لكي توظف على نطاق واسع لتؤثر في قرارات خطط التنمية وتضبط سرعة البناء والتنمية الاقتصادية. ولا تسأل عما يسببه غياب المعلومة من تجميد وتغييب مبدأ الشفافية! وما تسببه من فتح المجال للشائعات والتنبؤات والاجتهادات الإعلامية غير المبنية على حقائق ثابتة. وانظر إلى تأثيرات كل ذلك على الاقتصاد.

ولعل من أسباب استمرار وتفشي المشكلة أنه لا يوجد نظام أو سلطة تجبر المسؤول (سواء في القطاع العام أو الخاص) على التجاوب مع الإعلام والإعلاميين.. فالأمور كلها تسير بالاجتهادات. فالمسؤول له أن يجيب (وألا يجيب) عن أسئلة الصحافيين، أو يجيب عن بعضها بعد أن يحذف ما يشاء مما لا يروق له، أو يتأخر في الرد إلا ما يشاء، ويعدل على الأسئلة، أو يضيف عليها ما يشاء. وبالمقابل، المحرر الصحافي يبقى ينتظر الرد بفارغ الصبر.. على أمل أن يأتيه رد المسؤول (أي رد)، المهم أن يملأ الصفحات بمقابلة لشخصية مهمة.. وإن ضعف المحتوى! بل إن للمسؤول (إذا رغب) أن يتوقف أثناء المؤتمر الصحافي إذا انزعج من أي سؤال وينسحب من المؤتمر! وهناك فترات يواجه فيها محررو الصحف وبقية مختلف وسائل الإعلام الأخرى شحا في الحصول على التصريحات من كبار المسؤولين، بحجة أن الوقت غير مناسب. كالأشهر التي تسبق فترة الترشيحات لدورات الانتخابات للمجالس النيابية والبرلمانية وأعضاء المجالس البلدية وأصحاب المعالي الوزراء. حيث تغيب اللقاءات والتصريحات. ويحصل نوع من تجنب حضور المناسبات التي يستوجب فيها الظهور الإعلامي أو الإجابة عن أسئلة الصحافيين! ولو دققنا وتمعنا في معظم ما يبث وينشر بوسائل الإعلام خلال هذه الفترة من أخبار لوجدناها إما أخبار عن أحداث وإما تقارير عبارة عن تسريبات، هدفها الأخير إبراز لمنجزات وتبييض لصفحات وتلميع لأسماء! وتذكرني هذه الممارسات بما هي عليه إعلانات وأخبار الحملات الانتخابية. لأن الظهور الذي يكون هدفه إبراز المنجزات لا يختلف كثيرا عن ظهور مرشحي الحملات الانتخابية، والفرق هنا فيما يضبطها من محددات وأعراف.

مثل هذه السلوكيات، تؤكد تمسك المسؤولين بالمناصب وبغضهم للمبدأ الإداري المعروف بـ«بتدوير المناصب». بل لعل أصحاب الكراسي الفخمة يميلون (في هذه الفترة) إلى استبدال كراسيهم الدوارة بكنبات من الوزن الثقيل لتكون أكثر ثباتا. ويا حبذا لو كانت أقل ارتفاعا لكي تساعد على قلة الظهور! وما أثقلها على نفس المسؤول، أن يأتي آخر يجلس على كرسيه وخصوصا لو كان هذا الشخص ممن يتوق إلى إبراز عيوبه! فيجدها فرصة ليضخم أخطاءه ويغطي كل محاسنه ومجهوداته ونجاحاته! وهذا يحصل في أرقى المجتمعات.

ختاما.. خلال هذه الفترة سيكون هناك الكثير من المناسبات المهمة التي سيحضرها عدد من المسؤولين المهمين. تابعوها وسيتأكد لكم ما أقول.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]