على الرغم من مواصلة تحليقه.. الذهب في حاجة لتجاوز 2000 دولار للأونصة لتحطيم رقمه القياسي

خبيرة لـ «الشرق الأوسط»: المعدن الثمين يجب ان يرتفع بـ50% أخرى عن سعره الحالي لبلوغ مستويات 1980

TT

حافظ الذهب على بريقه، وزاد نجمه بزوغا أمس، حيث قفزت الأسعار الفورية للذهب إلى مستويات قياسية جديدة مقتربة من مستوى 1350 دولارا للأوقية (الأونصة) مع مواصلة المستثمرين اللجوء إليه «كملاذ آمن» مع أجواء عدم اليقين بشأن الوضع الاقتصادي العالمي، وتراجع الدولار والتوقعات بأن يواصل مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) تخفيف سياسته النقدية، مما أثر على ثقة المستثمرين في العملات.

وعلى الرغم من الارتفاع القياسي الذي يشهده الذهب، وتسجيله مستوى تاريخيا عند 1350 دولار أي بنسبة صعود بلغت منذ بداية العام 21%، وتوقعات بأن يبلغ 1400 دولار للأوقية (الأونصة) بنهاية العام، فإن القيمة الحالية للذهب تبقى أقل من السعر الذي وصل إليه الذهب عام 1980، عندما ارتفع الذهب بنسبة 1600%، ليصل إلى 875 دولارا للأوقية (الأونصة) متأثرا بالغزو السوفياتي لأفغانستان آنذاك، وتأثيرات الثورة الإيرانية. وإذا أخذنا في الحسبان عوامل التضخم الزمني للقوة الشرائية للدولار، لوجدنا أن الذهب في حاجة إلى تجاوز 2000 دولار للأونصة بالأسعار الحالية ليكسر كل المستويات التاريخية لسعره.

وسألت «الشرق الأوسط» فانيسا روسي، كبيرة الباحثين في برنامج الاقتصاد العالمي بالمعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتهام هاوس» حول الموضوع، فأكدت أن «أسعار الذهب حاليا في حاجة فعلا إلى الارتفاع بنسبة 50% أخرى لتكون في المستويات نفسها لأسعار الذهب في 1980». لكن روسي أشارت إلى أن «أسعار الذهب في 1980 وبقدر ما ارتفعت بقوة، فقد انهارت بالقدر نفسه».

وقالت الخبيرة الاقتصادية إن «ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق ليس خارجا عن سياق الارتفاعات الكبيرة التي تعرفها أسعار السلع في الأسواق حاليا ومن بينها النفط مثلا». وفي هذا السياق، وإذا نظرنا فعلا إلى أسعار السلع، للاحظنا مثلا أنه حتى «ابنة عم» الذهب، الفقيرة، كما تسمى، أي «الفضة» بلغ سعرها أمس 22.97 دولار للأوقية مرتفعة من 22.78 دولار. وقاربت الفضة حتى أعلى مستوى في 30 عاما عند 23.06 دولار.

وارتفع سعر البلاتين إلى 1705 دولارات للأوقية من 1693.75 دولار بعدما لامس مستوى 1705.5 دولار مسجلا مستوى قياسيا جديدا في خمسة أشهر. وسجلت أسعار البلاديوم أعلى مستوى منذ يوليو (تموز) 2001 في المعاملات الأوروبية أمس مدعومة بصعود المعادن النفيسة الأخرى، خاصة الذهب وبتوقعات بأن انتعاش الطلب سيؤدي إلى شح المعروض في السوق هذا العام. وارتفع البلاديوم في السوق الفورية نحو ثلاثة في المائة إلى مستوى قياسي عند 591.50 دولار للأوقية (الأونصة). وسجل 590.50 دولار للأوقية مقارنة مع 574.60 دولار في أواخر تعاملات نيويورك أول من أمس الثلاثاء.

وسجلت أسعار سلع أخرى من القطن إلى البن ارتفاعات قياسية، حيث ارتفعت أسعار القطن مثلا بنسبة 35% منذ بداية يناير (كانون الثاني)، في حين ارتفعت أسعار البن بنسبة 25%.

ويقود هذه الارتفاعات في أحيان كثيرة مستثمرون محترفون يعرفون من «أين تؤكل الكتف» في الأسواق. وذكر بنك «جي بي مورغان» في تقرير له مؤخرا أن «سلعا مثل الذهب تمثل تحوطا جيدا أمام ارتفاع التضخم، كما أن عائداتها جيدة وتخفف نسب المخاطرة في السوق».

وأرجعت الخبيرة الاقتصادية ارتفاع الذهب إلى أجواء عدم اليقين وعدم الثقة في مستقبل الانتعاش الاقتصادي العالمي وحتى المخاوف من عودة الركود إلى الاقتصاد العالمي، خاصة إلى الاقتصادات الغربية بحلول العام المقبل. وحول رؤيتها لهذه المخاوف، أكدت روسي أنه على الرغم من أن كثيرا من المحللين يرجحون عودة الركود، فإنها شخصيا تعتقد أن نسبة العودة إلى الركود بالنسبة لها تتراوح بين 20 إلى 30%. وترى أن الأوضاع ليست، ربما، بذلك السوء، وأن تدخل البنوك المركزية مثل مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) مثلما تدخل البنك الياباني أول من أمس بمزيد من ضخ السيولة في الاقتصاد عبر إجراءات التيسير النقدي، سيدعم الاقتصاد. غير أن الخبير الاقتصادي جوزيف ستيغليتز الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد قال أول من أمس إن السياسات النقدية الشديدة التيسير التي يتبعها مجلس الاحتياطي الاتحادي (المركزي الأميركي) والبنك المركزي الأوروبي تدفع العالم نحو «الفوضى» بدلا من أن تساعد الانتعاش الاقتصادي العالمي.

واعتبر ستيغليتز أن «فيض السيولة» من مجلس الاحتياطي و«المركزي الأوروبي» يجلب عدم الاستقرار إلى أسواق الصرف الأجنبي العالمية، وصرح أن «المفارقة أن مجلس الاحتياطي الاتحادي يوجد كل هذه السيولة على أمل أن تعيد النشاط إلى الاقتصاد الأميركي.. إنها لا تفعل شيئا للاقتصاد الأميركي، بل تتسبب في فوضى في باقي العالم. إنها سياسة غريبة جدا تلك التي ينتهجونها». وطلبنا من الخبيرة روسي رأيها وردها على انتقادات جوزيف ستيغليتز، فأشارت إلى أن المخاوف التي تحرك مقاربة الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل هي المخاوف التضخمية، غير أنها أشارت إلى أن «التضخم مثلا في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ليس بذلك السوء، وحتى في بريطانيا، فعلى الرغم من ارتفاع معدلات التضخم، فإنها بالمقاييس التاريخية البريطانية ليست سيئة.. وبالتالي فإن الوضع لا يدعو إلى الفزع».

وترى فانيسا روسي أن «الأوضاع الاقتصادية ربما تتحسن بشكل أفضل في العام المقبل، وقد يؤثر ذلك على أسعار الذهب نزولا».

وساعد عدم اليقين بشأن الاقتصاد وضعف الدولار في ارتفاع الذهب 8 في المائة مقارنة مع مستواه قبل شهر و23 في المائة حتى الآن هذا العام. ويتوقع متعاملون ومحللون أن تظل قوة الدفع قائمة بعدما عزز الخفض المفاجئ لأسعار الفائدة من جانب بنك اليابان المركزي التكهنات بمزيد من إجراءات التيسير الكمي من جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي. وظل الدولار قرب أدنى مستوياته في شهور مقابل اليورو، مما دعم الذهب أيضا نظرا لأن ضعف الدولار يجعل الذهب أرخص بالنسبة لحائزي العملات الأخرى. وجرى تداول الذهب في التعاملات الفورية عند 1349.80 دولار للأوقية (الأونصة) مقارنة مع 1338.70 دولار في أواخر تعاملات نيويورك أول من أمس الثلاثاء.

ونقلت «رويترز» عن متعامل مقيم في أوروبا قوله: «الثقة في أسواق الصرف والعملات عموما تتلاشى. والآن وفي ظل ضعف الدولار، فإن هذا يشكل دعما قويا للذهب شأنه في ذلك شأن عمليات الشراء كملاذ آمن التي تحركها الاستثمارات بشكل أساسي».