تباين في وجهتي نظر البنك الدولي وصندوق النقد حيال تدفق أموال المضاربة

اقتصاديون سعوديون يطالبون بضرورة ضبط عوامل التحفيز العالمية على المدى البعيد

TT

قال رئيس البنك الدولي إنه يتعين على الاقتصادات الناشئة أن تدرس اتخاذ خطوات لاحتواء التدفقات المالية، التي قد تتسبب في صعود العملات وفقاعات الأصول، لكن صندوق النقد الدولي وصف هذه الخطوات بأنها «غير مرغوب فيها».

ويأتي الاختلاف في وجهات النظر بشأن قيود رأس المال في ظل تنامي التوتر بين الاقتصادات الناشئة والمتقدمة بشأن أسعار الصرف، التي من المتوقع أن تكون موضوعا ساخنا في اجتماع مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى وصندوق النقد الدولي، الذي يبدأ اليوم (الجمعة).

ويساور القلق القادة الغربيين من أن جهود الاقتصادات الناشئة لإضعاف عملاتها قد تقوض الانتعاش الاقتصادي الهش. ويقول مسؤولون من الأسواق النامية، وفقا لتقرير أعدته «رويترز»، إن أسعار الفائدة المتدنية جدا في البلدان الغنية تدعم التدفقات النقدية الضخمة إلى أسواقها، مما يرفع عملاتها ويسبب تضخما في أسعار الأسهم والعقارات وأصول أخرى.

وذكر روبرت زوليك رئيس البنك الدولي في تصريحات صحافية أنه ينبغي أن تدرس الدول الناشئة إجراءات متنوعة لضبط التدفقات النقدية قصيرة الأجل، لكن نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي ناويوكي شينوهارا قال إن من الطبيعي والمستحب أن تنتقل الأموال إلى الاقتصادات ذات النمو القوي، وإنه ينبغي ألا يحاول صناع السياسة كبح هذه التدفقات أو اللجوء إلى التدخل للدفاع عن أهداف محددة للعملة.

وقال شينوهارا «عندما تكون هناك تحركات متقلبة من آن لآخر في السوق لا يمكن استبعاد التدخل، لكن من غير المرغوب مطلقا أن تتدخل دولة باستمرار لإبقاء العملات عند مستوى معين».

وحذر شينوهارا، الذي كان قائدا لسياسة العملة في اليابان قبل توليه منصبه في صندوق النقد، من أن طوكيو تواجه معركة خاسرة إذا حاولت السباحة ضد التيار وإضعاف الين في الوقت الذي ينتظر فيه أن تبقى السياسة النقدية في الولايات المتحدة وأوروبا ميسرة.

وقال شينوهارا «ليس هذا شيئا يمكن أن تسيطر عليه اليابان. إذا حاولت اليابان تعديل هذا فإنها ستثير اضطراب الأسواق»، مضيفا أنه ينبغي أن تركز طوكيو بدلا من ذلك على الإصلاحات الهيكلية والتيسير النقدي للتغلب على الانكماش. لكن زوليك كان حريصا على عدم الحكم على نوايا اليابان والدول الأخرى التي تدخلت في الأسواق لإضعاف عملاتها.

وقال زوليك على موقعه الإلكتروني الناطق بالإنجليزية «لا أؤيدهم ولا أنتقدهم».

وباعت اليابان الين في سوق العملة الشهر الماضي للمرة الأولى في 6 سنوات. وعاودت العملة الصعود مسجلة أعلى مستوى في 15 عاما أمام الدولار أول من أمس (الأربعاء). وجدد رئيس الوزراء الياباني ناوتو كان التأكيد على أنه لا يمكن تجاهل حركة العملة، وأن الحكومة ستتصرف بحزم حسبما يقتضي الأمر.

وتتعاظم نذر «حرب العملة» في الوقت الذي تريد فيه الدول الصناعية الكبرى إبقاء أسعار صرف عملاتها ضعيفة لمساعدة شركات التصدير الوطنية التي تواجه صعوبات، بينما تأخذ أو تخطط الاقتصادات الناشئة مثل البرازيل وكوريا الجنوبية لخطوات لتحجيم التدفقات الرأسمالية.

ونقلت صحيفة «فاينانشيال تايمز» عن دومينيك ستراوس كان، المدير العام لصندوق النقد الدولي، قوله إن استخدام أسعار الصرف كسلاح سياسي لتقويض الاقتصادات الأخرى ودعم شركات التصدير الوطنية «سيمثل خطرا بالغا جدا على الانتعاش العالمي».

وقال وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر إنه بدلا من ذلك ينبغي أن تدع الدول ذات الفائض التجاري الكبير عملاتها ترتفع للحيلولة دون اندلاع جولة منافسة في خفض أسعار الصرف.

وقوبلت هذه الدعوات برفض متكرر من الصين التي يتهمها الغرب بإبقاء اليوان ضعيفا عن عمد لدعم ماكينتها التصديرية والمستهدف الرئيسي من هذه التوصية.

ودعا رئيس الوزراء الصيني وين جياباو الاتحاد الأوروبي أول من أمس (الأربعاء) إلى الكف عن تشديد الضغوط على بكين لرفع قيمة اليوان قائلا إن التغيير السريع في سعر الصرف قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية في الصين تحدث أثرا كارثيا على الاقتصاد العالمي.

وفي السعودية، يجمع عدد من الاقتصاديين على أن أكثر العوامل المقلقة فيما يتعلق بالقرارات الاقتصادية المنبثقة عن اجتماعات البنك الدولي، التي تنطلق اليوم في العاصمة الأميركية واشنطن، هي عوامل التحفيز، خاصة في ظل الضغوط التي يعيشها الاقتصاد العالمي.

ودعا خبراء اقتصاديون إلى ضرورة وضع ضوابط لبرامج التحفيز العالمية، في الوقت الذي لم تتمكن فيه عدد من البرامج المتخذة خلال الفترة الماضية في تحفيز الاقتصاد الدولي بالشكل المطلوب، وحتى إن كان هناك انتعاش خلال فترة معينة إلا أنه لم يكن قريبا من الانتعاش الكامل الذي وصفوه بالبعيد.

وتنطلق اليوم (الجمعة) الاجتماعات السنوية للعام الحالي 2010، لمجموعة مجلس محافظي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في العاصمة الأميركية واشنطن، وتستمر حتى الأحد المقبل. وسيناقش الاجتماع التوقعات المستقبلية للاقتصاد العالمي، في الوقت الذي بات أكثر أهمية في أعقاب المخاطر الأخيرة التي أصبحت تحدث بالاقتصاد العالمي، وستقوم اللجنة النقدية والمالية الدولية بتقديم النصح والمشورة لمجلس محافظي صندوق النقد الدولي.

وقال الدكتور صالح السحيباني، مدير إدارة البحوث بشركة «الراجحي» المالية، إنه أصبح لزاما على المجتمعين الخروج بإجراءات لدعم الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي سيبحث الاجتماع التطورات التي تشهدها الأسواق المالية حاليا، وخاصة التطورات ذات المخاطر المؤثرة على النظام بكامله، لافتا إلى أن لجنة التنمية في البنك الدولي ستقدم المشورة لمجلس المحافظين في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حول القضايا الهامة المتعلقة بالتنمية، والموارد المالية المطلوبة لزيادة التنمية الاقتصادية، وخفض الفقر في الدول النامية، مؤكدا أن ذلك بات أكثر أهمية أيضا، نظرا لتأثير الركود الاقتصادي الأخير على توفير الموارد المالية.

من جهته، بين الدكتور يارمو كويتيلين، كبير الاقتصاديين في شركة «الأهلي» المالية، أن الجهود المبذولة لمعالجة القضايا الاقتصادية بإجراءات تحفيز دورية حققت نجاحا جزئيا وغير كاف، كما أنها خلقت إشكالات جديدة بفضل تذبذب أسعار الأصول وارتفاع الشكوك حول مدى الاستقرار المالي للكثير من دول الغرب.

وأضاف كويتيلين «أن الإشكال الرئيسي في الوقت الحالي يتمثل في أن الأسباب البنيوية وراء الأزمة المتمثلة في الإفراط في الدين، واختلال موازين القوى الاقتصادية، والوساطة المالية غير الفاعلة، وضعف سوق الأصول خاصة العقارات السكنية ما زالت مستمرة، ولا يبدو أن المستقبل المنظور يحمل صورة واضحة وتحسنا ملموسا فيما يتعلق بأي منها».

وفي هذا الجانب يعود الدكتور السحيباني ليشير إلى أن المحفزات المالية والنقدية في الولايات المتحدة الأميركية يبدو أنها بدأت في الاضمحلال، إضافة إلى ذلك، أجبر العجز المالي المرتفع بشكل حاد في أوروبا حكومات دول هذه القارة على خفض الإنفاق حتى وإن كان الانتعاش الكامل لا يزال بعيدا.

وتابع «رغم أن أجندة الاجتماع تشتمل بشكل عام على جميع القضايا الاقتصادية الهامة التي يواجهها الاقتصاد العالمي حاليا، فإننا نرغب منهم أن يتوصلوا إلى توصيات قوية تتعلق بالسياسات لدعم الانتعاش الاقتصادي العالمي».

إلى ذلك، قال فضل البوعينين، وهو خبير اقتصادي ومصرفي سعودي، إن الاقتصاد العالمي بحاجة إلى إجراءات جديدة تتمثل في دعم الاقتصادات الناشئة، في الوقت الذي أثبتت فيه بعض الاقتصادات قوتها في الثبات أمام تداعيات الأزمة المالية العالمية، وهو الأمر الذي يجب أن يلتفت إليه البنك الدولي، ويعمل على تفعيل تلك الممارسات والاستفادة منها كما يحدث في الصين والسعودية.

وبالعودة إلى السحيباني مرة أخرى، فقد أشار إلى أن البيانات الاقتصادية التي صدرت مؤخرا أثارت بعض المخاوف حول الانتعاش الاقتصادي، وبخاصة في الاقتصادات المتقدمة، موضحا أنه الرغم من ذلك، فإن الاقتصادات الناشئة الرئيسية كالاقتصاد الصيني والهندي واقتصاد المملكة العربية السعودية برزت كنقاط مشرقة في الاقتصاد العالمي.

وزاد «استنادا إلى ذلك، فإن أي تغيير كبير في اتجاه الانخفاض في التوقعات المستقبلية للاقتصادات المتقدمة، سوف يكون له نتائجه غير المباشرة على الأسواق الناشئة أيضا».

وهنا دعا كويتيلين كبير الاقتصاديين في شركة «الأهلي» المالية المسؤولين والمجتمعين في اجتماع البنك الدولي السنوي إلى ضرورة أن يفعل المجتمعون ما بوسعهم لتجنب حرب عملات، فما من طرف سيربح تلك الحرب، إضافة إلى سياسات إفقار الجار، التي لن تكون الحل للخروج من الأزمة العالمية.

كما أشار إلى ضرورة تطوير خارطة طريق لخلق المزيد من المرونة للعملات التي تتداول بسعر منخفض، إضافة إلى محاولة مناقشة السبل الكفيلة بخفض الاختلالات الكبيرة التي تشهدها أسواق العملات الرئيسية.

وتابع كويتيلين «يمكن التحلي بالثقة من خلال التحليل المنفتح للمشكلات، والوصول إلى إجماع حول عدد من المبادئ الرئيسية لاحتواء التقلبات الحالية، حيث إنه من غير المتوقع الوصول إلى حلول فورية على المدى القريب. أما الوقوف مكتوفي الأيدي فإنه لن يعود بالنفع على أي من الأطراف».

وأكد كبير الاقتصاديين في شركة «الأهلي» المالية، ضرورة البحث عن بعض التوافق فيما يتعلق بضوابط برامج التحفيز العالمية، خاصة أن سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأميركي أثبت ضعفه في ظل الضغوط الناتجة عن خطط الإصلاح المالي في أوروبا والتسهيلات النوعية في أميركا.

ولفت إلى أنه كان من المفترض إيجاد توافق في الرؤى الدولية - على الأقل بين الدول الغربية - حول حاجة العالم لإجراءات التحفيز، والتعويل الكبير على الأسواق الناشئة ليس هو الإجابة التي نبحث عنها، وقد يؤدي إلى تكون فقاعات وغيرها من أشكال اختلال التوازن الاقتصادي في تلك الأسواق النشطة.

ودعا كويتيلين إلى ضرورة مناقشة سبل تحفيز البنوك الناجحة على الإقراض، ومبادئ السياسة المالية، التي يفترض أن يكون هناك خطة أساسية حول المبادئ الرئيسية للاستقرار المالي، وخطة أخرى للوصول بالاقتصادات إلى وضع أكثر استقرارا. وشدد على ضرورة محاربة مخاطر العزل وسياسات الحماية، التي لن تسهم إلا بمفاقمة الأزمة، والبحث عن حلول محددة، فذلك من شأنه عدم مفاقمة مشكلة البطالة على المدى الطويل في الكثير من الدول الغربية.

وأكد كويتيلين أهمية العمل على توضيح السياسات الأساسية بشكل أكبر، والمزيد من التنسيق في شأن إجراءات وضوابط الحزم التحفيزية، فتباين السياسات يؤدي إلى خلق مزيد من التقلب في السوق.

وأشار إلى أنه وحتى في ظل ضرورة وجود إجراءات التحفيز الحكومي، يتوجب بذل كل الجهود للنهوض بالقطاع الخاص، وتشجيع البنوك على الإقراض، وكذلك خلق المزيد من فرص العمل، مؤكدا أنه قد يكون هناك مخاوف من الدول المعروفة بتدخلاتها ليس فقط من رفع حساسيتها المالية، بل أيضا من حشد نشاطات القطاع الخاص. وعلينا هنا تصور التدخل الحكومي الجزئي وتقديم الضمانات مقابل التدخلات المباشرة.

ويوافق على ذلك الخبير الاقتصادي البوعينين الذي يشير إلى أن البنك الدولي يجب أن يدعم عمليات التنمية، وأن يعيد النظر في بعض من سياسات التحفيز الأخيرة، إلى سياسات أكثر فعالية على المدى البعيد، وهو ما سيسهم في مواصلة عملية الانتعاش، وإيقاف تداعيات الأزمات المالية المتتالية، وبحث السبل إلى تحفيز القطاعات المالية خلال الفترة المقبلة.

وعما يحتاجه الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة، أشار الدكتور صالح السحيباني، مدير إدارة البحوث بشركة «الراجحي» المالية إلى أن الاقتصادات المتقدمة لا تزال في حاجة لإجراءات تتمثل في الدعم المالي والنقدي، بحسب ما توقع في وقت سابق.

وقال السحيباني «من حسن الحظ، فإن السلطات المسؤولة في هذه الاقتصادات قد بدأت العمل في هذا الاتجاه، فقد خفض بنك اليابان سعر الفائدة إلى صفر تقريبا، وهناك بعض الأصوات في أميركا، تنادي الآن باتخاذ مزيد من المرونة في السياسات النقدية، وفي نفس السياق، فقد تعهد البنك المركزي الأوروبي أيضا بالاستمرار في تسهيلات السيولة والإجراءات الأخرى التي تم اتخاذها على أثر الأزمة الاقتصادية».

في الوقت الذي رسم فيه الدكتور كويتيلين كبير الاقتصاديين في شركة «الأهلي» المالية المعوقات التي تواجه الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة في المشكلات البنيوية، التي باتت متفاقمة ولها جذور عميقة، والحلول قصيرة المدى التي لن تكون مجدية، وهذا سوف يترجم إلى تعافٍ باهت ومؤقت.

وأضاف «المخاطر السياسية من تقلب أسعار الأصول تتنامى كلما تدخلت الحكومات لرفع نسب الناتج الإجمالي وأسواق الأصول من خلال إجراءات التحفيز، هي أيضا من المعوقات، وهذه المخاطر من شأنها تحويل التركيز على التحديات البنيوية، وتضخيم حالة التذبذب العالمية في حال تم اتخاذ خطوات مثل هذه على مستوى كل دولة فقط».

وأكد أن الأسواق الناشئة شهدت أداء متميزا، واستطاعت تجاوز بعض التحديات التي واجهتها، حيث بات المستثمرون الغربيون يستغلون جميع الفرص الاستثمارية التي تسنح لهم، أما السياسيون، فقد باتوا أكثر رضا، وأن الكثير منهم يتعاملون الآن مع أسعار الفائدة الحقيقية السالبة، التي تقلق الأسواق وتقود الأصول نحو تكوين فقاعات جديدة.

ولفت كويتيلين إلى أن ذلك يخلق مخاطر على المدى البعيد بتكوين فقاعات في الأسواق الناشئة، قد تسهم في المقابل بفاعلية في تقلب السوق الدولية.