القروض المنخفضة الكلفة لم تفلح في تحفيز الاقتصاد الأميركي

الشركات الأميركية تحتفظ بـ 1.6 تريليون دولار من دون استثمار

زادت شركة «مايكروسوفت» مدخراتها بـ4.75 مليار دولار في الشهر الماضي (أ.ب)
TT

في الوقت الذي يرفض فيه مسؤولو القروض داخل المصارف منح القروض لعدد كبير من الأسر والشركات الصغيرة، تقوم مؤسسات كبرى باقتراض مبالغ ضخمة لا لشيء يذكر، سوى أنه يمكنها القيام بذلك.

وتجمع بعض شركات، مثل «مايكروسوفت»، مليارات الدولارات من خلال إصدار سندات بمعدلات فائدة منخفضة جدا، ولكن القليل منها يقوم بإنفاق المال من أجل خلق وظائف جديدة أو شراء معدات أو بناء مصانع جديدة. وبدلا من ذلك، تقوم هذه الشركات بتكديس الأموال في انتظار أن يتحسن الاقتصاد.

ويطرح هذا التطور وضعا نعجز فيه عند تحديد المسببات والنتائج، حيث تحافظ المؤسسات على نهج الادخار، وتنتظر حتى يتحسن الاقتصاد – ولكن من غير المحتمل أن يتحسن الاقتصاد إذا بقيت المؤسسات تدخر.

ويظهر هذا الوضع القيود التي تحد من قدرة واضعي السياسيات داخل واشنطن على تحفيز الاقتصاد. لقد أبقى الاحتياطي الفيدرالي (المصرف المركزي داخل الولايات المتحدة) على أسعار الفائدة الرسمية قريبة من الصفر على مدار نحو عامين، وهو ما ساعد الشركات على بيع سنداتها بعوائد أعلى قليلا - أقل حتى من واحد في المائة. ولكن لا تقوم معظم الشركات بما كانت السياسات النقدية تأمله: الاستثمار وخلق الوظائف.

وفي الواقع، لقد أضرت معدلات الفائدة المنخفضة التي فرضها الاحتياطي الفيدرالي بالكثير من الأميركيين، ولا سيما المتقاعدين الذين تراجعت دخولهم من مدخرات بدرجة كبيرة. وتبدو شركات كبرى مثل «جونسون آند جونسون» و«بيبسي كو» و«آي بي إم» بين أبرز المنتفعين.

ويقول دانا سابورتا، وهو اقتصادي لدى «كريديت سويس» في نيويورك: «إنهم يحققون مكاسب لأنفسهم من خلال الاقتراض وإبقاء هذا المال، ولكن لم يعد هذا بالنفع على الاقتصاد حتى الآن».

وقد زادت شركات أميركية من ادخار المال منذ الانهيار المالي عام 2008. ولكن ساعدت فورة أخيرة في الاكتتاب على سندات تحظى بثقة كبيرة - ومن بينها صفقة قيمتها 4.75 مليار دولار خلال الشهر الماضي من جانب شركة «مايكروسوفت»، وهي من أغنى الشركات في العالم - على وضع المزيد من المال داخل خزائنها.

ولدى شركات حاليا إجمالي 1.6 تريليون دولار نقدا، وهو رقم يساوي أو يزيد قليلا على 6 في المائة من أصولها الإجمالية. وخلال الربع الأول من العام الحالي، كان يمثل 6.2 في المائة من الأصول، وهو أعلى مستوى منذ 1964، عندما بلغت النسبة 6.4 في المائة. والسؤال الذي يطرح نفسه: متى سيبدأون إنفاق هذا المال - ولا سيما من خلال استعمال موظفين؟ ورغم ذلك يعد هذا السؤال جزءا مما أصبح السؤال الأهم المرتبط بهذا التعافي الطويل الذي غاب عنه السعي خلق وظائف: متى ستشعر الشركات داخل أميركا بالثقة الكافية التي تدفعها لاستخدام المال في نشاطاتها وبناء مصانع والسعي إلى خلق فرص عمل لنحو 14.9 مليون عاطل داخل الولايات المتحدة؟

وتبقي الشركات على المال الوقائي الذي لديها، حيث تخشى من انزلاق الاقتصاد مرة أخرى إلى حالة ركود. وستبقى الشركات الأميركية قوية ومستعدة للعمل بقوة عندما يقرر المسؤولون التنفيذيون أن الوقت حان للتوسع داخل الشركات.

وبعد ارتفاعها بصورة حادة بعد منتصف عام 2008، تراجعت نسبة المال النقدي في مقابل الأصول لدى الشركات بدرجة طفيفة للمرة الأولى خلال الربع الثاني من العام الحالي.

وعلى الرغم من أن الاستثمار داخل المصانع لا يزال ضعيفا، فقد أنفقت شركات بعض المال على الاستثمار في برامج ومعدات جديدة. وزاد هذا الإنفاق بمعدل سنوي يبلغ أكثر من 20 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي. ولكن، يقول علماء اقتصاد إن هذا الاستثمار لا يزال أقل من ذروة الاستثمار قبل الأزمة المالية. وعلاوة على ذلك، ربما تأتي الكثير من أجهزة الكومبيوتر والآلات الجديدة لتحل محل آلات أقدم أرجأت شركات عملية التخلص منها خلال فترة الركود. وتسعى الشركات للتخلص من الأشياء التي بها مشكلات، ولا يظهر سوى مقدار ضئيل من التوسع.

ويقول مايكل غابن، وهو اقتصادي داخل «باركليز كابيتال»: «في الواقع، ربما يستخدمون هذا الاستثمار الجديد كي يكونوا أكثر كفاءة ولتقليل الوظائف. إن الإشارات المختلطة في الوقت الحالي تدفع الشركات إلى البقاء والانتظار».

ويقول غابن إن هذه الإشارات تتضمن اتجاه سوق الإسكان ونتائج انتخابات التجديد النصفي ووضعية الاقتصاد مع انتهاء التحفيز المالي وأي تغييرات في سياسات الضرائب. ويقول إنهم يتخذون قرارا بالانتظار حتى النصف الأول من العام المقبل. وربما يكون للائتمان المتاح بفائدة قليلة أثر آخر غير مقصود من جانب واضعي السياسات الراغبين في تقليل معدل البطالة البالغ 9.6 في المائة. وتستخدم الكثير من الشركات، التي تقوم باقتراض مليارات داخل أسواق السندات، المال من أجل الحفاظ على توازن نفسها ماليا بدلا من خلق وظائف جديدة. وقد قالت «مايكروسوفت» إنها كانت تستخدم بعضا من المال من أجل شراء أسهم من جديد، فيما نجد شركات أخرى منشغلة باقتراض على المدى الطويل، كما أن بعض القروض الجديدة تمول زيادة في عمليات الدمج والاستحواذ.

وربما يؤدي ذلك كله إلى إثراء حملة الأسهم داخل الشركات وتقليل تكاليف الشركة على المدى الطويل، ولكنه لا يؤدي بالضرورة إلى خلق المزيد من الوظائف ولا تمثل استثمارات كبرى من أجل تحقيق نمو يمكن أن يؤدي إلى انتعاشة اقتصادية كبيرة بالنسبة للجميع.

ويقول ديفيد روزنبرغ، الاقتصادي البارز لدى «غلوسكن شيف آند أسوشيتس» في تورينتو: «لا يزالون يحتفظون بمقدار أكبر من الأموال نقدا»، ويقول ريتشارد لين، الذي يحلل «مايكروسوفت» لدى «موديز»، إنه بالنسبة إلى اكتتاب السندات داخل «مايكروسوفت» فإنه ربما كان من العوامل التي دفعت إلى ذلك الرغبة في تجنب فاتورة ضرائب كبيرة. وإذا كانت «مايكروسوفت» تريد أموالا نقدا بالفعل، كان يمكنها سحب بعض عملياتها في الخارج ولكن «اقتراض أموال جديدة في أسواق الديون أرخص في الوقت الحالي من إحضار أموالها من الخارج».

وقد كان اكتتاب «مايكروسوفت» الثاني لها، بعد أول اكتتاب العام الماضي. ويشمل الاكتتاب الثاني دين لمدة ثلاثة أعوام بمعدل فائدة 0.875، وهو من بين أقل المعدلات بالنسبة لهذا النوع من الاقتراض.

وحسب ما يفيد مزود البيانات المالية (ديلوجيك)، فقد اقترضت الشركات الأميركية 488 مليار دولار من أسواق السندات الاستثمارية وذات العائد الكبير حتى الآن خلال العام الحالي، وهذا أكبر بنسبة 7 في المائة بالمقارنة مع ما اقترضته الشركات خلال عام 2009 كله، كما أنها في طريقها إلى أن يبلغ 589 مليار دولار اقترضت خلال فترة الازدهار الاقتصادي عام 2007، التي كانت أعلى الإحصاءات المسجلة.

ولا تزال الشركات الأصغر لديها مشكلات في الاقتراض، كما أن معظم التمويل الجديد محصور على الشركات الأكبر. وتأتي هذه الزيادة في الاقتراض في مقابل ما تقوم به العائلات داخل أميركا، حيث تستمر في تقليل الديون وتخفيض الاستهلاك. وربما بسبب عدم التأكد من الانتعاشة، مثل الشركات التي تكدس الأموال نقدا، يقوم الأميركيون بادخار أكثر مما قاموا به خلال أعوام، ويخشى بعض الاقتصاديين من أن اقتصاد المستهلكين يمكن أن يعوق النمو.

وقالت شركة «دوبونت»، وهي من بين أكبر المؤسسات التي اقترضت مؤخرا، إنها كانت تستخدم الائتمان المنخفض الفائدة للإبقاء على الاقتراض لفترة أطول. وقالت في بيان: «تعطي بيئة الفائدة المخفضة الحالية لـ(دوبونت) فرصة عظيمة لإعادة تمويل ديوننا على المدى الطويل بمعدلات أقل».

وقد أصبحت الظروف جيدة جدا لدرجة أن بعض الشركات تقترض أموالا لن يكون عليها إعادتها حتى العقد المقبل. وفي أغسطس (آب)، اقترضت شركة خطوط السكة الحديدية «نورفولك ساوثرن كوربريشين» 250 مليون دولار في شكل سندات عمر 100 عام بمعدل فائدة سنوي تبلغ قيمته 5.95 في المائة.

ويقول روبن تشابمان، وهو متحدث رسمي للشركة «الاقتراض النفعي وسيلة جيدة لتشخيص هذا الوضع». وقال إن الشركة ترى «انتعاشة بطيئة مطردة» في مرور القطارات، ولكن تعيين أي موظفين كان ليحلوا محل عمال فقدوا خلال الاستنزاف.

وتقوم شركات أخرى بالاقتراض من أجل عمليات استحواذ مالي. واقترضت «بيبسي كو» مؤخرا من أجل المساعدة على الاستحواذ على مصنعي زجاجات. واقترضت «هرتز» 300 مليون دولار من أجل عرضها شراء شركة «دولر ثريفتي» لتأجير السيارات.

ويقول علماء اقتصاد إنه مفهوم السبب الذي يجعل الشركات تنتهز الفرصة للاقتراض بمعدلات فائدة منخفضة وشراء أسهم، لكن غاي لوباس، وهو واضع استراتيجيات الدخل الثابت لدى «جاني مونتغومري سكوت» في شيكاغو يقول «هذا ليس مفيدا بدرجة أكبر نظرا للظروف الاقتصادية».

* خدمة «نيويورك تايمز»