محافظ «النقد السعودي» لـ«الشرق الأوسط»: لا وجود لحرب عملات.. والتوازن هو المطلب لإنعاش الاقتصاد العالمي

قال ان التعافي من الأزمة المالية يحتاج إلى وقت

يرى محافظ ساما محمد الجاسر أن الوضع لا يزال يسير في عمليات تصحيح القطاعات المالية
TT

أرجع الدكتور محمد الجاسر، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي - «البنك المركزي» - تحقق النتائج الإيجابية في اقتصاد المملكة العربية السعودية إلى الوفاء بالوعود التي أطلقتها السعودية خلال الفترة الماضية، سواء على مستوى اقتصادها أو على مستوى الاقتصاد العالمي، وهو ما جعل مستوى التحفيز فيها على أعلى مستوى. وقال الجاسر الذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» على هامش اجتماعات الدول الأعضاء بالبنك الدولي، الذي اختتم أعماله في العاصمة الأميركية واشنطن أمس، إن الحديث في الوقت الحالي يتمحور بوضع توازنات بين اقتصادات الدول، خاصة في ميزان المدفوعات وتراكم الاحتياطات بشكل ضخم والتنافسية على الصادرات والواردات، وهذا الأمر هو ما يركز عليه خلال الفترة الحالية.

واستبعد الجاسر أن يكون هناك حروب عملات في الوقت الحاضر، وأضاف: «الجميع يعرف أن القدرة التنافسية لا تعتمد فقط على العملة ومستواها وإنما تعتمد على العمالة وإنتاجها، ووجود الموارد وغيرها من العوامل التي تحكم التنافسية».

وتابع: «وأعتقد أنه لن يكون هناك على الأقل في المدى المنظور الذي نعيشه الآن وجود حروب عملات أو ما شابه ذلك، وأعتقد أن هناك مبالغة»، مشيرا إلى أن التحفيز يعتمد من دولة إلى دولة، وأن هناك بعض الدول وجدت صعوبة أكبر فيما يتعلق بالتحفيز، مرجعا ذلك إلى حجم اقتصادات تلك الدول أو بسبب نوع الاختلالات الموجودة في الاقتصاد.

وأوضح محافظ «مؤسسة النقد العربي السعودي» أنه في حال وجد اختلال هائل في القطاع المالي فلا يمكن أن يعالج بسرعة، وهو الأمر الذي ينعكس أيضا على موضوع الثقة، والموثوقية من قبل المستهلكين، مما يدفعهم إلى التخفيف في الاستهلاك، وبالتالي سيضعف النمو، وهو ما قد يكون أيضا بسبب فقدان الثقة. واعتقد الجاسر أن الوضع لا يزال يسير في عمليات تصحيح القطاعات المالية، التي تسير بشكل جيد ولكنه ليس ممتازا، مؤكدا أن تلك العملية ليست بالسهلة، ولكن تسير حسب المخطط وهي عادة ما تحتاج إلى الوقت، مستشهدا بأن الأزمة المالية احتاجت إلى وقت حتى تحدث، وهو الأمر نفسه الذي تحتاج إليه للمعالجة منها. من جانب آخر، دعا وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية، صندوق النقد الدولي للإشراف بشكل أكبر على الاقتصاد العالمي والإبقاء على المتابعة عن قرب للعملات وسياسات الدول الغنية لتفادي أزمة مالية أخرى. وجاءت دعوات الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي، وعددها 187 دولة، إلى تحرك عاجل لدعم دور الصندوق في الإشراف على سياسات الاقتصاد الكلي التي ربما تشكل تهديدا للاستقرار.

وأدى نمط غير متوازن لنمو اقتصادات العالم إلى انتهاج سياسات وطنية متباينة أذكت توترات عالمية مع هبوط الدولار الأميركي وصعود عملات الأسواق الصاعدة، بحسب ما جاء في وكالة «رويترز»، التي أشارت إلى أن التغيرات الحادة في العملات أبرزت الدعوات إلى إعادة موازنة التجارة وغذت القلق من أن الأسواق الصاعدة ربما تواجه خطر فقاعات الأصول. من جهته، قال روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي، إن حملة مؤسسته لجمع الأموال لمساعدة البلدان الأشد فقرا في العالم ستتطلب قوة دفع مستمرة، نظرا إلى تخفيضات الميزانية في الدول المانحة الغنية، مشيرا إلى أن عدم توفير الدول المانحة موارد كافية للبنك من أجل دعم الفقراء من شأنه أن «يدمر» الجهود المبذولة لمعالجة مشكلة الفقر العالمي.

وتواجه الدول المانحة الغنية ضغوطا لخفض الإنفاق في إطار محاولاتها للتعافي من آثار الأزمة المالية العالمية، ويتوجه البنك الدولي إلى الاستفادة من الدول المانحة في الأسواق الناشئة التي تشمل الصين والبرازيل.

وقال زوليك خلال مؤتمر صحافي في نهاية اجتماع مع الدول الأعضاء بالبنك الدولي: «في وقت نشهد فيه خفضا في الميزانيات سنبذل قصارى جهدنا لبناء تحالف عالمي لمشاركة عبء سد فجوة توفير الأموال». ويجري البنك الدولي حاليا مفاوضات مع الدول المانحة للمساهمة في تخصيص موارد جديدة لهيئة التنمية الدولية التي توفر المنح وقروض التنمية منخفضة الفائدة لـ79 دولة من الدول الأشد فقرا في العالم.

وأوضح زوليك أن الجهود «القوية» لجمع الأموال من شأنها أن تساعد على حماية 200 مليون طفل إضافي، وأن تمد نطاق توفير خدمات الرعاية الصحية إلى 30 مليون شخص إضافي، وأن تساعد على مد طرق يبلغ إجمالي طولها 80 ألف كيلومتر، وأن تدرب وتوظف ما يزيد على مليوني مدرس جديد. وأضاف: «التحدي الماثل أمامنا هو أنه في وقت نشهد فيه ضغوطا في الميزانية نحتاج إلى أن نتضامن لتشكيل التحالف، وأن نظهر أن الجميع يشارك، وأننا نمضي قدما نحو تحقيق ذلك، لكن الأمر سيتطلب دفعات متواصلة».

ودفعت الأزمة المالية العالمية - التي اندلعت بعد وقت قصير من ظهور أزمة الغذاء - البنك الدولي إلى التعهد بتوفير مبالغ قياسية بلغت 140 مليار دولار منذ 2008 لمساعدة الدول الفقيرة.

وبينما تعافت البلدان النامية بصورة سريعة نسبيا من الأزمة، لا تزال تواجه تحديات هائلة لتحفيز اقتصاداتها وجذب الاستثمارات.

من ناحية أخرى، قال دومينيك ستراوس، العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي، في رد على سؤال عما إذا كان ينبغي على الدول المانحة فرض ضرائب على المعاملات المالية للمساعدة على توفير الأموال للدول الفقيرة، إن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى توافق الحكومات على مثل تلك الخطوة، الأمر الذي من شأنه أن يؤخر توفير الأموال اللازمة للفقراء، بحسب ما جاء في «رويترز».

وتقدر مؤسسات التنمية أن فرض ضرائب بنسبة 0.005 في المائة على الأقل على صفقات العملات العالمية قد يجمع ما لا يقل عن 30 مليار دولار في حال تطبيقها على الدولار والين واليورو والجنيه الإسترليني.

من جانبه، شدد يوسف بطرس غالي، رئيس اللجنة الاستشارية للدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي، أول من أمس، على التزام اللجنة بمواصلة العمل على إيجاد نمو قوي ومتوازن لضمان الاستمرار، مشيرا إلى أن الأولويات تتمثل في معالجة أوجه الهشاشة المتبقية في القطاع المالي، وضمان تحقيق نمو قوي في القطاع الخاص وخلق وظائف جديدة.

وأكد غالي خلال مؤتمر عقد على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، على ضرورة أن يظل مبدأ «رفض الحمائية» بكل أشكالها، عنصرا أساسيا في الإجراءات المنسقة لمواجهة الأزمة، لافتا إلى وجود حاجة ملحة إلى بذل المزيد من الجهود الجديدة بغية التوصل إلى ختام ناجح لجولة مفاوضات الدوحة.