العراق يسعى لاستقطاب استثمارات بقيمة 186 مليار دولار

مسؤول عراقي لـ «الشرق الأوسط»: القطاع المصرفي يشهد تعافيا بعد إعادة هيكلته والهاجس الأمني ليس عائقا

TT

يسعى مستثمرون خليجيون وعرب لمواصلة الدخول في المشاريع داخل العراق مع القطاع الخاص أو بالشراكة مع القطاع الحكومي، دون التهيب من الوضع الأمني، بينما كشف مسؤول مالي كبير في العراق عن تحسن ملموس طرأ في القطاع المصرفي والمالي العراقي بعد الجهود الحكومية والخاصة لإعادة تأهيله.

وأكد حسين الأزري، مدير عام ورئيس مجلس إدارة المصرف العراقي للتجارة، أن الفرص الاستثمارية كبيرة جدا في العراق، وعوائدها مجزية عطفا على تهيئة المناخ الاستثماري حاليا والتسهيلات الحكومية التي تقدمها الدولة، في سبيل إعادة إعمار العراق.

وأشار الأزري إلى أن الهاجس الأمني لا يشكل عقبة كبيرة في الوقت الراهن لاستقطاب الاستثمارات في مختلف القطاعات، وذلك لتحسن الأوضاع الأمنية خلال هذه الفترة.

وتوقع الأزري تدفق الأموال والاستثمار في العراق وبشكل كبير خلال الفترة القليلة المقبلة، لكنه أوضح أن القطاع المصرفي في العراق يمر بمرحلة إعادة هيكلة للخروج من الأزمة التي مرت بها المصرفية العراقية خلال الحصار الذي فرض على العراق ما قبل حرب 2003، وأسهم في قطع علاقاتها واستثماراتها مع البنوك الخارجية بشكل رسمي، وبالتالي أثر على نموها وتطورها، وأسهم بشكل كبير في تأخر تطور النظام المصرفي في العراق.

يأتي ذلك متزامنا مع ما ذكره محللون ومستثمرون شاركوا أخيرا في مؤتمر دولي لجذب الاستثمارات للعراق، بأن البلاد لا تزال تمثل وجهة استثمارية واعدة، في ظل المعطيات والتسهيلات والضمانات التي التزمت بتوفيرها الحكومة العراقية، بهدف إعادة البناء بعد مرحلة ما بعد حرب 2003.

وقال الخبراء إن العراق يحتاج إلى البنية التحتية وإعادة تأهيل القائم منها، متوقعين عدم تحرك الاستثمار نحو الفرص المتاحة إلا بتحسن الاقتصاد المحلي وارتفاع الرساميل من عائدات النفط، مشيرين إلى أن القطاعين المصرفي والمالي يحتاجان إلى جهود واسعة لتحسين أدائهما.

وركز متحدثون في مؤتمر قمة الأعمال والاستثمار في العراق، الذي نظمته شركة «إيكونوميست» للمؤتمرات الأسبوع الماضي في البحرين، بمشاركة اقتصاديين ومسؤولين حكوميين، على جوانب الأولوية في الاستثمار في العراق، وفي مقدمتها قطاعات النفط والغاز والإسكان والبنى التحتية وقطاع الاتصالات.

وأضاف الأزري أن القطاع المصرفي بدأ الآن مرحلة التعافي والعمل على تحسين أدائه وتقديم خدمات أفضل، وما زالت الحاجة لزيادة فروع البنوك وحجم القطاع المصرفي، لتواكب تدفق الاستثمارات المتوقعة بشكل كبير في العراق خلال الفترة المقبلة.

وبين الأزري أنه توجد 7 مصارف حكومية و33 مصرفا أهليا، بعضها لديها استثمارات أجنبية، وبعضها متوقفة على الاستثمارات العراقية، مقدرا حجم رؤوس الأموال التي تديرها البنوك والمصارف العاملة في العراق بنحو 2.5 مليار دولار.

ولفت إلى أن قرار البنك المركزي لرفع رأسمال البنوك إلى 250 مليار دينار خلال الـ3 سنوات المقبلة، سيدفع هذه البنوك لزيادة رأسمالها بطرق مختلفة؛ سواء بالدمج، أو عن طريق المساهمين، على أن يزيدوا رأسمالهم وكذلك رسملة الأرباح، أو مشاركة بنوك أجنبية.

وأشار مدير عام المصرف العراقي للتجارة إلى أن دعم الحكومة للمصارف ملموس، وخاصة فيما يتعلق باعتماد التجارة الخارجية، في حين أن هناك فائضا في ميزانية الدولة وموجودات البنك المركزي تقدر بنحو 50 مليار دولار.

وفي الوقت الذي طغت فيه الهواجس الأمنية على أطروحات القمة المتعلقة بالاستثمار في العراق، فإن المسؤولين قللوا من أهمية تلك المخاطر في ظل تحسن الوضع الأمني، والبيئة الاستثمارية، والفرص الواعدة، خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية. إلا أن كثيرا من المستثمرين حاليا في العراق يؤكدون أن عوائد الاستثمار في العراق، تمثل جذبا استثماريا مهما، على الرغم من تقلب الأوضاع والظروف الأمنية، وشدد الكثير منهم على أهمية التخطيط ودراسة الفرص الاستثمارية من مختلف الجوانب، بهدف الوصول إلى استثمار آمن.

وأوضح الأزري أنه لا توجد أي ودائع خليجية، بل توجد بنوك خليجية (إماراتية وبحرينية وكويتية)، مضيفا إلى أن عقود المشاريع الكبيرة التي وقعت مؤخرا من شأنها أن تضخ ودائع في البنوك، ومع ذلك فإننا بحاجة إلى مصارف كبيرة تواكب عدد المشاريع، في حين أن المستثمرين يحتاجون لتمويل خارجي وداخلي وعلى هذه المصارف أن تلعب دورا مهما في هذا الجانب، بعد رفع رؤوس أموالها.

وأشار إلى أن البنوك العراقية مطالبة بالمسارعة في تحسن أدائها من خلال التطوير وتقديم الخدمات لعملائها، باعتبار بعض البنوك ما زالت إجراءاتها بدائية، مضيفا أن المصرف العراقي للتجارة استحدث النظام المصرفي الشامل، مما ساعد على فتح فروع جديدة، وربط فروعنا بنظام آلي متطور، واستحدث قسما خاصا بالاستثمار لدراسة المشاريع والقطاعات المتعددة.

وزاد بأنهم قطعوا خطوات متقدمة لفتح فروع للمصرف في الخارج لاستقطاب استثمارات جديدة، وفي نفس الوقت عملنا على تحسين خدمة العملاء، سواء في استحداث نظام الرواتب ومكائن الصرف الآلي، وكذلك فيما يتعلق بالتجزئة والبطاقات الائتمانية لتعزيز ثقة المستثمرين الأجانب بالقطاع المصرفي العراقي.

إلى ذلك يرى مستثمر سعودي أن الاستثمار في العراق واعد، وعوائده كبيرة، والفرص الاستثمارية كثيرة ومتعددة، في دولة كبيرة يبلغ عدد سكانها نحو 30 مليون نسمة.

وأبان عبد الله العجاجي، مدير تنفيذي لشركة «ميرشانت بريدج» الاستثمارية، التي تستثمر في عدة مجالات، أن العراق أكبر الأسواق بالنسبة لهم، حيث تستثمر شركته نحو 1.5 مليار دولار، وبدأت أعمالها في عام 2005 من خلال الاستثمار في بنك المنصور الذي يعد واحدا من أكبر البنوك العراقية، مشيرا إلى أن قطاع المصارف واعد في ظل التوقعات بتدفق رؤوس أموال كبيرة في مشاريع ضخمة في العراق خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى إيعاز البنك المركزي برفع رؤوس أموال البنوك إلى 100 مليار دولار تقريبا. وبنك المنصور يقدر رأسماله حاليا بنحو 70 مليار دينار عراقي، وسنزيد رأسماله إلى أكثر من الحد الأدنى الذي وضعه البنك المركزي.

وأوضح عمر البرزنجي، الرئيس التنفيذي لشركة «تكنولوجي بارتنر» أن المخاوف الأمنية لم تكن عائقا، ولكن الأهم هو الدراسة والتخطيط قبل الاستثمار، خاصة فيما يتعلق بالعقود الحكومية، وكيفية الدفع والضريبة غير المدروسة، أما فيما يتعلق ببيع المنتجات، فإن السوق العراقية مفتوحة وقوة الشراء قوية جدا.

وقد شهد المؤتمر في جلساته، الأسبوع الماضي، في البحرين، توزيع النتائج الرئيسية للتقرير الرسمي الصادر عن وحدة «إيكونوميست للمعلومات»، حول تصورات شركات الاستثمار الدولية، مستندين إلى برنامج بحث مكتبي، واستطلاع آراء 367 من المديرين التنفيذيين، و13 حوارا متعمقا مع عدد من تنفيذيي الأعمال والدبلوماسيين وخبراء الاستثمار. ويوضح هذا البحث أنه «على خلفية التحولات السياسية والاقتصادية الصعبة، يفتح العراق أبوابه ثانية للشركات الأجنبية عموما»، كما يشير تقرير وحدة «إيكونوميست للمعلومات» إلى أن تدفق عائدات النفط وتوقعات الزيادات الكبيرة أتاحت للحكومة اعتماد ميزانيات توسعية، والإعلان عن خطط استثمارية طموحة، تعادل نحو 186 مليار دولار أميركي على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وقد تم توقيع أحد عشر عقد خدمات تقنية منذ العام الماضي، من شأنها أن تجعل شركات النفط الدولية تسهم في زيادة الإنتاج الحالي من النفط.

وتوقعت وحدة «إيكونوميست للمعلومات» أن إنتاج العراق من النفط يمكن أن يتضاعف إلى أكثر من 6 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2016. وفيما عدا قطاع المحروقات، يُتاح الكثير من الفرص للشركات الراغبة بالدخول إلى السوق العراقية.

وقد خلصت الدراسة إلى آراء متفاوتة للمستثمرين حول العراق، فقد اعتبر 49 في المائة ممن شملهم الاستطلاع أن «استمرار العنف يؤكد على أن مزاولة الأعمال في العراق ستظل خطرة جدا لبعض الوقت».