المستثمرون الأجانب يضخون 7.1 مليار دولار في الأسهم الهندية خلال سبتمبر

مصائب أميركا وأوروبا عند الهند فوائد

جانب من تعاملات الأسهم الهندية في بورصة مومباي (رويترز)
TT

عندما وصلت الأزمة المالية في وول ستريت إلى ذروتها، قبل عامين، تعرضت سوق الأسهم الهندية لهزة كبيرة نتيجة لسحب المستثمرين ما يقرب من خمسة مليارات دولار خارج البلاد.

بيد أن الصورة تبدو مختلفة اليوم إلى حد بعيد. ففي سبتمبر (أيلول) ضخ المستثمرون الأجانب 7.1 مليار دولار في الأسهم والسندات - وهو رقم قياسي بالنسبة للاستثمارات الأجنبية في سوق الأوراق المالية الهندي خلال شهر واحد. ويبدو أن مؤشرات البورصات الرئيسة مهيأة للارتفاع إلى الأرقام القياسية التي كانت عليها في بداية عام 2008، عندما أكد الكثير من المحللين أن سرعة النمو في بعض الدول النامية أعلى منها في الدول المتقدمة.

يبدو أن هذا السيناريو على وشك التكرار مرة أخرى خاصة هنا في الهند، فربما تظل الولايات المتحدة وكثير من الدول الأوروبية واليابان متأثرة بهذا الركود الاقتصادي لبعض الوقت، لكن الكثير من الاقتصاديين وصناع السياسة في الهند يرون أن المشكلة في الاقتصادات المتقدمة يمكن أن تصب في صالح الدول النامية مثل الهند، حيث تطمح صناديق التحوط الغربية والمصارف والمستثمرون لفرص نمو.

ومع معدل نمو اقتصادي يقارب 9 في المائة، وأسواق أسهم أكثر انفتاحا أمام المستثمرين الأجانب منها في الصين، تحولت الهند إلى مقصد وخيار للمستثمرين الماليين، فخلال الشهور التسعة الأولى من العام، استثمر الأجانب 28.5 مليار دولار في الأسهم والسندات الهندية - أكثر من ضعف ما استثمروه قبل 2009. وقد ارتفع مؤشر سنسكس، المكافئ الهندي لمؤشر داو جونز الصناعي الأميركي بنسبة 22 في المائة خلال الشهور الاثني عشرة الأخيرة و114 في المائة منذ أواخر عام 2008. وأغلق هذا المؤشر يوم الأربعاء بارتفاع بلغ 2.4 في المائة ليصل إلى 20،687.88، أي أقل بنقطة واحدة عن الرقم القياسي الذي سجله في عام 2008.

إلى ذلك ارتفعت قيمة الروبية الهندية بنسبة 4 في المائة في مقابل الدولار حتى الآن هذا العام.

ويقول مانيش سياني، المحلل المالي والمضارب في شركة «إيسترن أدفيزور»، مفسرا السر وراء زيادة صندوق التحوط الذي تملكه شركته ومقرها نيويورك لاستثماراته في الهند والأسواق الناشئة الأخرى العام الماضي: «باقي دول العام متعطشة للنمو، والهند لا تزال تحظى بمعدل ناتج محلي إجمالي مرتفع نسبيا».

كانت قوة السوق هبة للشركات الهندية، والحكومة الهندية التي باعت أنصبتها في الشركات المملوكة للدولة. وستبدأ يوم الاثنين في بيع 10 في المائة من حصتها في فيلم كول أنديا، أضخم شركة لاستخراج الفحم في العالم، في اكتتاب عام أولي، ومن المتوقع أن تصل حصيلة البيع إلى 3.4 مليار دولار. هناك أيضا الكثير من المتشككين، بطبيعة الحال، والذين يقولون إن سوق الأسهم الهندية قد تشهد تراجعا، حيث أظهر المستثمرون الهنود الذين تضرروا جراء انهيار البورصة في عام 2008، وأظهروا قلقا أكبر من المستثمرين.

لكن المستثمرين الأجانب انتقلوا إلى الأسواق الناشئة، ربما للاستفادة من الهوة المتسعة بين معدلات الفائدة القريبة من الصفر في الولايات المتحدة واليابان ومعدلات مرتفعة في كل من الهند والبرازيل ومناطق أخرى من العالم. حيث ارتفع معدل الفائدة التي وضعها مصرف الاحتياطي الفيدرالي الهند من 1.25 في المائة إلى 6 في المائة. ومع ارتفاع الفارق بين المعدلات يمكن للمضاربين صنع الكثير من المال عبر الاقتراض بسعر أقل بالدولار والين واستثمار تلك الأموال في أسهم وسندات أكثر ربحية في الدول النامية.

ويقدر اتحاد الشركات المالية، «إنستتيوشن أوف إنترناشيونال فينانس»، حجم الأموال التي تلقتها الأسواق الناشئة عبر تدفقات رأس المال الخاص هذا العام بنحو 825 مليار دولار، مقارنة بـ851 مليار دولار عام 2009.

من ناحية أخرى يبدي بعض المحللين الماليين وصناع السياسة قلقا بالغا إزاء تدفق النقد من الدول المتقدمة إلى الدول النامية.

فتدفق الأموال من الدول المتقدمة يقوض جهود المسؤولين في واشنطن والاتحاد الأوروبي وطوكيو لإنعاش اقتصاداتهم عبر ضخ المال في الاقتصاد بمعدلات فائدة منخفضة. وفي الدول النامية تهدد هذه الأموال برفع قيمة العملات، مما يجعل صادراتهم أقل تنافسية ويضخم الفقاعات في أسواق الأسهم والعقارات.

ويرى بعض المحللين الماليين أنهم يخشون من أن يؤدي هذا التفاؤل الكبير بشأن الدول النامية في إرسال الأسهم هنا إلى أرقام قياسية ربما لا تكون مبررة، حتى في ضوء معدلات النمو المرتفعة للدولة، التي يتوقع البعض أن تكون بطيئة إلى حد ما في الشهور القادمة. أكثر من ذلك، يعتقد هؤلاء الأفراد أن المستثمرين تجاهلوا الدروس التي خرجوا بها من الأزمة المالية السابقة، والتي لم تلق بظلالها على العالم المتقدم بمفرده. ويقول إيسوار براساد، أستاذ الاقتصاد في جامعة كورنيل: «هناك مخاطر متزايدة باحتمالية حدوث فقاعة في سوق الأسهم إذا واصل رأس المال تدفقه إلى الهند. وربما نكون في مرحلة الازدهار في دورة الازدهار والكساد بكل المخاطر التي تنطوي عليها».

ويعبر براساد، الذي قدم استشارات للحكومة الهندية بشأن بعض القضايا الاقتصادية، عن قلقه من إمكانية لجوء المستثمرين الأجانب إلى سحب أموالهم بصورة مفاجئة، كما فعلوا في عام 2008، إذا تباطأ الاقتصاد الهندي أو اهتزت الأسواق العالمية نتيجة لأزمة أخرى. وربما يؤدي هذا التضاد الخطير إلى تراجع واضح للنمو الاقتصادي في الهند عبر حرمان البلاد من رأس المال. ففي عام 2008 على سبيل المثال، انخفضت نسبة النمو في الهند من 9.2 إلى 6.7 في المائة، نتيجة لسحب المستثمرين الأجانب مليارات الدولارات من بورصات الأسهم والسندات الهندية وتباطؤ الاستثمارات الأجنبية الجديدة. وقد ألحق هذا التباطؤ أضرارا بشركات تطوير العقارات وخطوط الطيران والشركات الأخرى ذات متطلبات رأس المال الضخمة.

لعل أحد أكبر عوامل القلق اليوم هي أن غالبية الأموال الأجنبية المتدفقة إلى الهند تذهب إلى أسواق الأسهم بدلا من المشروعات الجديدة والشركات الناشئة. وعلى الرغم من أن تدفق الأموال إلى سوق الأسهم تضاعف عن ذي قبل فإن نسبة الأجانب الذي يوجهون أموالهم إلى الهند انخفضت بأكثر 24 في المائة في الشهور السبعة الأولى من العام، لتصل إلى 12.5 مليار دولار مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق.

وعلى عكس السندات والأسهم في البورصة التي يمكن بيعها بسهولة عندما يشعر المضارب في لندن أو نيويورك بالقلق، فإن الاستثمارات المباشرة في المصانع والمتاجر والشركات أصعب في البيع وعادة ما تظل لفترة طويلة، بحسب رأي الاقتصاديين. بيد أن بعض المسؤولين والمصرفيين والاقتصاديين الهنود يقولون إنهم لا يبدون قلقا كبيرا بشأن تكرار ما وقع عام 2008. ويبدو أن تفاؤلهم مبني على الاعتقاد بأن المستثمرين لن يجدوا فرصا أفضل للاستثمار في أماكن أخرى من العالم.

ويرى هؤلاء أن الهند بدأت مرحلة جديدة من النمو المرتفع نتيجة لأعداد الشباب والطلب على المزيد من الخدمات والبضائع. كما بدأت الحكومة في التحرك ببطء نحو تحسين البنية التحتية وتحرير الرقابة على الاقتصاد. إضافة إلى ذلك فالمؤسسات المالية أكثر تعافيا منها في الدول الغربية، حيث لا تزال المصارف تمتلك العديد من القروض السيئة في حساباتها. وقال نيرجا سواروب، الذي يرأس عمليات «ستاندرد تشارترد» في الهند وجنوب آسيا: «إذا نظرت إلى فرصة الهند، سترى أن غالبية الفرص تصب في صالحها. في الوقت الذي تلوح فيه العديد من المخاطر الحقيقية».

على الرغم من هذا التفاؤل فإن الكثير من الهنود أصبحوا أكثر حذرا بشأن سوق الأسهم. فالمستثمرون المستقلون، على سبيل المثال، لم يتدافعوا على الاكتتاب العام الأولي مثل شركة «إس إكيه إس ميكرو فينانس»، التي تقدم التمويل للسيدات الفقيرات، والتي كانت تحظى بشهرة بين المستثمرين. في المقابل، سعى الهنود من أبناء الطبقة الوسطى إلى شراء الاكتتاب العام في شركات مثل «رلاينس باور»، شركة الكهرباء التي لم تختبر نسبيا.

*خدمة «نيويورك تايمز»