ازدياد نشاط مكاتب الصرافة العراقية باعتبارها الوسيلة الأضمن لنقل الأموال

مسؤول مكتب صرافة: أعمالنا خاضعة لتفتيش أجهزة الأمن

أحد مكاتب الصرافة في بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

«التنازل عن نسبة صغيرة من المال أفضل من فقدان المبلغ كله ومعه حياتك»، هذه المقولة أصبحت بمثابة قانون يرضخ له الجميع؛ سواء كانوا مواطنين عاديين أم تجارا أم صناعيين أم مسؤولين، حين ينقلون أموالهم من مكان لآخر بهدف التجارة أو إيفاء ديون وغيرها من التعاملات النقدية التي تعد من أكبر أسباب الاستهداف في العراق، وهذا ما كان سببا في استحداث آليات أو أساليب ومهن جديدة مثل شركات الصيرفة وشركات التحويل الخارجي ومكاتب الحوالات السريعة التي انتشرت في عموم مدن العراق من دون استثناء، ونجاح أعمالها وتحقيقها أرباحا كبيرة جعل منها شبكات تمتد من داخل العراق إلى خارجه.

حوادث «التسليب» على الطرق العامة أو في الأسواق تعد من المشاهد المألوفة وتحدث على مدار الساعة، لكن لا يسلط الضوء عليها إعلاميا مقارنة بحوادث الإرهاب والقتل والاغتيال والمفخخات، فتأتي هذه الجريمة في آخر قائمة اهتمام رجال الأمن والحكومة وحتى المواطنين أنفسهم الذين عادة ما يفضلون إعطاء كل ما بحوزتهم من مال أو سيارة وغيرها مقابل النجاة بحياتهم، لأنهم على يقين بأن من يأتي لسلب مالهم لا يتردد ولو للحظة في استخدام السلاح الذي يحمله.

حسين جبر العجيلي، من سكان محافظة واسط فقد أخاه الأصغر أثناء ذهابه إلى محافظة ديالى لشراء الدواجن من هناك، وقال حسين في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن «تجار المواد الغذائية عادة ما يحملون نقودهم معهم كي يتم التعامل بها أثناء الشراء والبيع، وكانت العصابات تترصد بهم لأنهم مميزون بركوبهم سيارات مخصصة للحمل، لكن عمليات السرقة تختلف في هذا البلد لأن العصابات لا تكتفي بأخذ الأموال والسيارة، وإنما تقوم بقتل الضحية كي تضيع معالم جريمتهم، بينما جهات أخرى تروج أن القتل ليس للتسليب؛ وإنما تحت بند القتل على الهوية، وكان من يقوم بهذا العمل يبرر فعلته المحرمة شرعا وقانونا بما هو أشد من الأول».

مكاتب التحويل والصيرفة ظاهرة بدأت في الانتشار بالعراق خلال الفترة القليلة الماضية، على حد تعبير جمال خلف حمزة صاحب مكتب صيرفة، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «مكاتب الصيرفة كانت موجودة قبل عام 2003 لكن بشكل محدود ومقتصر على مكاتب كانت تابعة لشركات صيرفة مثل (النبال) و(الخليج) وغيرها، وكانت أعمالها منظمة بتعليمات يصدرها البنك المركزي العراقي، ولم تكن هناك تحويلات للخارج بالحجم الذي نشهده اليوم. كل ما كانت تقوم به هو تحويل العملة من الدينار للدولار وبالعكس، أما الآن فلا يمكنكم تخيل حجم المبالغ التي تغادر العراق يوميا للخارج ولمختلف الدول العربية والأجنبية وهي أيضا لا تقترن بحجم الأموال الداخلة التي تكون عبارة عن حوالات شخصية فقط»، وأضاف حمزة أن «مكاتب الصيرفة اليوم لا تعمل بقوانين أو تعليمات، وهي بذلك تعمل بشكل عشوائي، ومن حق أي مواطن افتتاح مكتب، لكن عمله هنا سيكون محددا بمعايير تعتمد على حجم علاقاته مع مكاتب المحافظات، وأيضا حجم الثقة التي تولدت بفعل العمل بينهم»، مشيرا إلى طبيعة تعاملاتهم في ما بين مكاتب التحويل التي لا تبنى على أساس أرصدة تحول مباشرة وحسابات مصرفية ووثائق ملزمة قانونا؛ وإنما يكون على مبدأ الثقة المتبادلة في ما بينهم، و«هذه الثقة تولدت عبر زيارات متبادلة والاطلاع على حجم أعمال كل منا، ونقوم يوميا بتحويل مبالغ مثلا للبصرة أو بغداد، وخلال أسبوع نقوم بجرودات مالية، ويقومون بتحويل المبالغ أو تحول لهم من المكاتب المتبقية، وقد تصل هذه المبالغ لأرقام كبيرة جدا».

وبشأن طبيعة التعامل مع الزبائن، قال جمال إن «هناك جهة تراقب عملنا وهي الأمن الوطني، حيث يقوم أشخاص من هذه الجهة بزيارتنا بشكل دوري للاطلاع على التحويلات الخارجية والداخلية وحجم المبالغ والأشخاص الذين نتعامل معهم، وإذا كانت هناك شائبة بحق شخص يقومون هم بعملهم، ونحن نطالب الزبون بهويته التعريفية وأيضا لمن يحول المبلغ بالخارج وسبب التحويل وأرقام الجوال، كما لا نقبل تحويل مبلغ يزيد على 40 ألف دولار مهما كانت الأسباب كي لا نصطدم بموضوع غسل الأموال أو تمويل جماعات الإرهاب وغيرها من الأمور التي يعاقب عليها القانون. ومبلغ الأربعين ألفا مسموح به للعمل»، مؤكدا أن «التحويل داخليا أو خارجيا يتم إما عبر الهاتف الجوال أو الإنترنت، فبمجرد اتصال صاحب شركة من أي بلد أو أي محافظة ليقول لنا أعطوا لفلان هذا المبلغ ننفذ الأمر ونسلم الشخص بعد التأكد من هويته وعنوانه»، وبين أن «التعامل مع الدول الأوروبية يكون صعبا جدا، ولهذا تكون هناك حلقة وصل عبر الأردن، فمصارف الأردن لديها حسابات في بنوك أوروبا ولهذا نستعين بالتحويل لأوروبا عبرها. أما دول أفريقيا والخليج وأميركا فتكون عبر مصارف أو شركات الإمارات التي تتعامل مع البنك الأميركي الذي يملك فروعا في كل أنحاء العالم»، مشيرا إلى أن «أغلب شركات التحويل والمكاتب تتمنى أن يقوم البنك المركزي العراقي بإصدار تعليمات تنظم أعمالها، فعملهم الآن من دون أي محددات؛ فقط رقابة الأمن الوطني، وهذا النوع من الرقابة لا يمكن أن يحد من العمليات غير القانونية كالتمويل وغسل الأموال، فمن السهل جدا إصدار هويات مزورة، وقد يلجأ الشخص لتحويل مبالغ صغيرة من كل مكتب وبأسماء مختلفة وهنا يضيع الأمر، ولا يمكن ملاحقته»، مؤكدا أن «أغلب أصحاب المكاتب الصغيرة ليس لديهم أي خبرة بقوانين غسل الأموال وغيرها، وقلة خبرتهم قد يمكن أشخاص من استغلالهم، فقد يهرب مسؤول أمواله للخارج لكنه لا يخرجها باسمه بل بأسماء مقربين منه».

من جهة أخرى، أوضح مصدر في أحد المصارف الأهلية رفض الكشف عن اسمه، أن عمليات إخراج أموال المسؤولين تتم عبر صفقات، وعادة ما يحول المال باسم تاجر كبير لديه تعاملات مع أوروبا أو آسيا أو الأردن والخليج مثلا، للإيفاء بتسديد مبالغ صفقة صناعية أو تجارية. وهنا تقوم شركات بإخراج مبلغ كبير له لكن بعد وصوله لبنك معين يعاد لحساب المسؤول أو شخص مقرب منه، لكن تذهب منها نسب كبيرة يتقاضها أصحاب الشركة، وأيضا من تخرج باسمه، وحتى المصرف في ذلك البلد».

وبالعودة لجمال، فقد بين أن مقدار الأموال الخارجة من العراق عبر الحوالات ضخمة جدا وهي لا تقارن بالتي تدخل والسبب في ذلك يعود إلى أن السوق العراقية أصبحت من الأسواق المستقبلة للبضائع وغير المصدرة، وكل شيء؛ بدءا من الخضراوات، للسيارات، للأجهزة، لأبسط الصناعات البدائية.. تستورد من الصين وإيران وتركيا. وهنا يجب خروج الأموال لسداد نفقات هذه السلع. مصدر في البنك المركزي العراقي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «البنك سبق أن أعد دراسة لقانون ينظم عمل شركات التحويل والصيرفة، وفعلا جميع تعاملاتهم تخضع لإشراف البنك المركزي على اعتبار أن البنك هو المصدر الرئيسي للعملة الصعبة من خلال المزاد اليومي المخصص لبيع الدولار، حيث تصل مبالغ البيع يوميا إلى ما يزيد على 125 مليون دولار، ويحق للمصارف الأهلية الشراء وأيضا الشركات المالية الكبرى».