كعكة العراق من سوق الصرافة ذهبت إلى الشركات غير النظامية

السوق غير النظامية منافس شرس للشركات الرسمية

TT

تعاني شركات الصرافة وتحويل الأموال في سورية من وجود منافسة قوية من قبل السوق السوداء مع إعلان بعض أصحاب هذه الشركات عن استحواذ السوق غير النظامية على نسبة تتراوح من 40 إلى 60 في المائة من حركة سوق الصرافة السورية خاصة مع توفر إمكانية العمل دون رقابة.

فالسوق السوداء، على سبيل المثال، أخذت حصة الأسد من كعكة التحويل إلى العراق الذي كان الوجهة الأساسية للتحويل على مدى السنوات الماضية مع وجود أكثر من مليون و200 ألف عراقي يعيشون في سورية، الأمر الذي أدى إلى انتشار عشرات مكاتب التحويل والصرافة غير المرخصة وخاصة في العاصمة دمشق. ورغم محاصرتها بين الحين والآخر من قبل الجهات الوصائية التي كانت تعمد إلى إغلاقها فإنها ظلت نشطة وتقوم بجزء مهم من أعمال التحويل والصيرفة.

بالمقابل تواجه شركات ومكاتب الصيرفة المرخصة منافسة حامية من المصارف التي سمح لها بممارسة أكثر من 70 في المائة من عمل شركات الصرافة ولو سمح للبنوك أن تعطي حاجة السوق من القطع الأجنبي للبيع والشراء لكانت كثير من شركات الصرافة المحلية اضطرت للإغلاق خاصة أنه بحسب شركات الصرافة نفسها فإنها لم تستطع الاستحواذ سوى على 20 في المائة من سوق الصرافة والتحويل وهذه نسبة ضعيفة وقد لا تبدو قابلة للنمو كما يجب مع وجود السوق السوداء والمصارف كمنافسين قويين ومسيطرين.

ومن هنا تطالب شركات الصرافة العاملة في السوق حاليا بضرورة محاربة السوق السوداء وإغلاق المكاتب غير النظامية والتشدد في منعها من العمل نظرا لأنها تلعب دورا سلبيا في تهريب العملات العربية والغربية التي لا يمكن شراؤها من البنك المركزي والبنوك الأخرى وبيعها للخارج.. كما تطالب هذه الشركات بإعادة النظر بشروط ترخيصها خاصة لجهة رأس المال المرتفع الذي يفرضه قانون شركات الصرافة على افتتاح كل فرع ويحدده بخمسين مليون ليرة.

وتعد التحويلات الواردة من الخارج أهم مصادر القطع الأجنبي لشركات الصرافة بشكل عام متضمنة تحويلات المستثمرين والمغتربين، أيضا السياحة بدورها وبخاصة الدينية تعتبر مصدرا للقطع الأجنبي، وكذلك العراقيون الذين لجأوا إلى دمشق إثر احتلال العراق 2003، أما العوامل المؤثرة في سعر الصرف فهي الاستقرار وعدم التذبذب ويحدد المصرف المركزي سعر صرف العملات الأجنبية لليرة السورية نسبة 15 قرشا ارتفاعا أو هبوطا بالسعر، وتتنافس شركات الصرافة وفق هذا الهامش المحدود أو الضيق وتسدد شركات الصرافة ضريبة دخل سنوية تشكل 25 في المائة من الدخل الصافي.

ويتركز نشاط شركات الصرافة السورية مع دول الخليج بشكل رئيسي، وعمليا فإن أغلب أصحاب شركات الصرافة حافظوا على قنواتهم مع الخليج سواء لتمويل صفقات تجارية أو لتحويل أموال من المغتربين السوريين إلى ذويهم.

وعلمت «الشرق الأوسط» في هذا السياق أن تحويلات السوريين حققت تراجعا هذا العام بلغ 20 في المائة مقابل تراجعها 15 في المائة عام 2009 وذلك نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية التي أثرت على دخول وأجور الكثير من السوريين بل وأجبر الكثير منهم على العودة.

ويقدر أصحاب شركات صرافة حجم تحويلات المغتربين حتى نهاية أغسطس (آب) الماضي بـ 500 مليون دولار، إلا أنه مع وجود قنوات أخرى للتحويل غير الرسمية فإنه يتوقع أن التحويلات تجاوزت المليار ونصف المليار دولار متراجعة بشكل واضح عن عام 2009 وعام 2008 مع ملاحظة أن الأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة يمكن أن ترفعها إلى أكثر من ذلك بكثير.

وتشكل تحويلات المغتربين وفقا لمصادر رسمية أقل من 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لسورية وهو رقم متواضع بالنظر إلى عدد المغتربين السوريين في الخارج الذي بلغ، حسب إحصاءات وزارة المغتربين، نحو 15 مليون نسمة، على اعتبار أن مساهمة تحويلات المغتربين بـ 2 في المائة تأتي قياسا لتصريحات الحكومة التي تقول إن تحويلات المغتربين تجاوزت 2.5 مليار دولار عام 2009.

ويذكر هنا أن السياحة الدينية ترفد الأسواق السورية بمبالغ تصل إلى 10 إلى 15 مليون دولار يوميا، و360 إلى 460 مليون دولار سنويا من أوراق النقد «البنكنوت» في السوق السورية، بينما تقدر الاحتياطات الرسمية من القطع الأجنبي بـ 17.5 مليار دولار وفقا للمصرف المركزي.

ويمكن هنا الاستناد إلى الصاغة لقياس تراجع تحويلات المغتربين، إذ تؤكد جمعية الصاغة في سورية أن إقبال المغتربين السوريين على شراء الذهب تراجع بمعدل وصل إلى أكثر من 80 في المائة خلال السنوات الأخيرة، إذ كان الذهب يعتمد في موسمه خلال الصيف على المغتربين لشراء هدايا لذويهم ولأصدقائهم إلا أن هذا لم يعد ملموسا ابتداءً من عام 2008 وحتى الآن.

ومع تراجع تحويلات المغتربين بشكل واضح فإن ما يقلق في الأمر هو تراجع التحويلات الخارجية للمستثمرين وخاصة العرب منهم الذين لجأ الكثير منهم وبفعل الأزمة إلى وقف مشاريعه في سورية وسحب أمواله من السوق وخاصة سوق العقارات بسبب نقص السيولة والقوانين السورية التي تمنع تمليك العقارات لغير السوريين.

وبدت مؤشراته واضحة في عمل شركات الصرافة السورية التي تحدث أصحاب بعضها عن ملاحظتهم نشاطا واضحا لحركة تحويل من سورية باتجاه الخليج.

أخيرا فإن شركات الصرافة المرخصة ترد حدوث تجاوزات في سوق الصرافة واستمرارية السوق السوداء إلى قانون القطع الأجنبي الصادر في عام 1953 الذي يحتاج للتحديث بدوره، وخاصة مع حصر البنك المركزي المبيع للقطع الأجنبي بالاستيراد وهذا يمنع شريحة من المجتمع التي لا تتعامل بالاستيراد من تحويل أموالها.. علما بأن القانون سمح مؤخرا بتحويل مبالغ حتى عشرة آلاف دولار.