هل سينفرط عقد مجموعة العشرين؟

وزير المالية الكوري الجنوبي: «حرب العملات» لا تشبه «مبارزة في فيلم كاوبوي»

TT

تزايدت الشكوك حول مستقبل مجموعة العشرين، وحتى المخاوف من «انفراط عقدها».. واحتدم الجدل والتساؤلات حول ما إذا كانت المجموعة التي تضم أكبر عشرين اقتصادا في العالم فقدت مبررات وجودها، ولعل أبرزها التنسيق بين اقتصادات الدول الأعضاء في المجموعة، التي تعتبر المملكة العربية السعودية العضو العربي الوحيد فيها، لمواجهة التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، خاصة منذ «انفجار الأزمة المالية في 2007، والتي ما زالت تبعاتها تلقي بظلالها الكثيفة على الاقتصاد العالمي، وحتى تجدد المخاوف من عودة الركود العام المقبل. وما عزز التساؤلات حول مستقبل المجموعة، التي تمثل 85% من الناتج الإجمالي المحلي، و80% من حجم التجارة العالمية، ما اعتبر تحركات فردية «ذات مصلحة وطنية خالصة» لعدد من أعضائها، ومن بين أبرز تمظهرات هذه التحركات ما اصطلح عليه بـ«حرب العملات»، التي تحاول كل دولة فيها إضعاف عملتها لإعطاء دفع لقدرة شركاتها على المنافسة.

وفي هذا السياق تتهم الولايات المتحدة بصوت عال وبلهجة حادة، والأوروبيون واليابان بلهجة أخف، الصين بعرقلة رفع سعر صرف اليوان ويخشى البعض من «حرب عملات» على الصعيد العالمي حيث تحاول كل دولة إضعاف عملتها لإعطاء دفع لقدرة شركاتها على المنافسة. وعلى الرغم من الضغوط الأميركية على هذا الصعيد وإقرار الكونغرس الأميركي هذا الشهر مشروع قانون لمعاقبة الصين حول عملتها، فإن بكين رفعت أمس معدلات الفائدة الرئيسية لديها لأول مرة منذ 3 سنوات ما أثار مفاجأة في الأسواق. وأدى هذا القرار على الفور إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، والذي كان قد شهد انخفاضا ملحوظا مؤخرا.

في تطور أخر ضمن الخطوات «الفردية» لاعضاء مجموعة العشرين كشفت البرازيل يوم الاثنين الماضي أنها سترفع قيمة الضريبة على السندات الأجنبية إلى 6%، وكانت قد رفعتها من قبل إلى 4%. ورافق إعلان رفع الضرائب إعلانا آخر مثيرا للجدل وهو عدم مشاركة وزير ماليتها غيوديو مانتيغا ورئيس البنك المركزي البرازيلي هنريكي ميريليس في اجتماع وزراء مالية دول مجموعة العشرين في نهاية الأسبوع في كوريا الجنوبية.

ودعا رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ أمس إلى ضرورة استغلال مناسبة قمة مجموعة العشرين المقبلة في كوريا الجنوبية لـ«إعطاء دفعة للتعاون المشترك لإصلاح النظام المالي العالمي وإعادة التوازن للاقتصاد العالمي». وعبر رئيس وزراء الهند، العضو في مجموعة العشرين، في تصريح لصحيفة «الفايننشيال تايمز» أمس عن «تخوفه من الوضع الاقتصادي العالمي».

وكان مارفين كينغ محافظ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) قد أشار إلى الحاجة إلى التنسيق بين أعضاء مجموعة العشرين، وحذر أول من أمس الثلاثاء أن التوتر حول قيمة العملات قد يؤدي إلى الحمائية التجارية، وقد يؤدي إلى «تكرار ما حدث في ثلاثينات القرن الماضي - بعد ركود عام 1929 - وانهيار النشاط التجاري حول العالم».

وحول مستقبل مجموعة العشرين والتحديات التي تواجهها أكد لـ«الشرق الأوسط» البروفسور إيريك ج. بان، الخبير الاقتصادي المقيم في الولايات المتحدة الباحث في برنامج الاقتصاد العالمي بالمعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتهام هاوس» بلندن، أن «التوافق هو الذي يحكم المجموعة، وأن المجموعة تتحرك أفضل في مواجهة الأزمات المستعجلة». ويرى أنه على الرغم من المخاوف الاقتصادية العالمية الحالية، فإن الأمور ليست بالسوء الذي كانت عليه قبل عامين مثلا، حيث خرجت المجموعة «بقرارات قوية في قمة لندن، وبقرارات أقل قوة في قمة بيتسبرغ بالولايات المتحدة»، ويتوقع البروفسور بأن «لا تتمخض قمة كوريا الجنوبية المقبلة إلا على بيان صحافي مرصوف بكلمات براقة ليس إلا».

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنه من الواضح أن كل طرف له مقاربته الخاصة، مثلما هو واضح في تحرك الولايات المتحدة وبريطانيا والصين مثلا.

ويجتمع وزراء مالية دول مجموعة العشرين في نهاية الأسبوع في كوريا الجنوبية لتقييم حالة الاقتصاد العالمي ودراسة إصلاحات صندوق النقد الدولي والنظام المالي في ظل «حرب العملات» القائمة التي ستلقي بثقلها على النقاشات. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية تريد كوريا الجنوبية خلال هذا الاجتماع التمهيدي لقمة زعماء الدول الأعضاء في مجموعة العشرين في 11 و12 نوفمبر (تشرين الثاني) في سيول الاستفادة من توليها رئاسة مجموعة العشرين قبل تسليمها لفرنسا! لإطلاق «مبادرة كورية لترك بصماتها». وفي حين ينهض العالم بصعوبة من الأزمة المالية لعامي 2008 و2009! تريد سيول وضع آلية لحماية النظام المالي العالمي والأسواق الناشئة من الأزمات الناجمة عن التقلبات المفاجئة في تدفق رؤوس الأموال. وسيقيم الوزراء الذين سيجتمعون في جيونغجو (جنوب شرق) حالة الاقتصاد العالمي وسيبحثون في إصلاح صندوق النقد الدولي لتعزيز موقع الدول الناشئة وإصلاح النظام المالي. وتريد كوريا الجنوبية أيضا أن تضع التنمية لأول مرة على رأس جدول أعمال مجموعة العشرين. لكن حيزا كبيرا سيخصص لـ«حرب العملات» خلال الاجتماع الذي يعقد في هذه المدينة الساحلية الصغيرة. ويعتبر هذا الموضوع مصدر قلق كبير. وقال وزير المالية الكوري الجنوبي يون جونغ هيون إن مسألة «حرب العملات» لا تشبه «مبارزة في فيلم ويسترن». ونقلت وكالة أنباء «يونهاب» عن أحد المنظمين طالبا عدم كشف اسمه «ستؤكد كوريا الجنوبية أن حرب العملات توازي تدميرا متبادلا للاقتصاد وستدفع لصالح التسوية». وتتهم الولايات المتحدة الصين بعرقلة رفع سعر صرف اليوان ويخشى البعض من «حرب عملات» على الصعيد العالمي حيث تحاول كل دولة إضعاف عملتها لإعطاء دفع لقدرة شركاتها على المنافسة. من جهتها حذرت الصين من أن سعر صرف اليوان «يجب ألا يدفع ثمن المشكلات الداخلية الأميركية». ورفعت الصين أمس معدلات الفائدة الرئيسية لديها لأول مرة منذ 3 سنوات ما أثار مفاجأة في الأسواق. وأدى هذا القرار على الفور إلى ارتفاع سعر صرف الدولار. لكن رفع معدلات الفائدة قد يجذب إلى الصين رؤوس أموال تبحث عن استثمارات مربحة ما يعقد جهود بكين الرامية إلى تفادي ارتفاع سعر صرف اليوان أمام الدولار الأميركي. واعتبر المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس أن النهوض الاقتصادي العالمي مهدد إذا لم تحافظ الاقتصادات الرئيسية في العالم على «روح التعاون» وذلك بعد اجتماع مع مسؤولين في البنوك المركزية في شنغهاي. وقال يون ديك ريونغ الباحث في المعهد الكوري للسياسة الاقتصادية العالمية إن التوصل إلى اتفاق نهائي في جيونغجو سيكون «أمرا صعبا». وأضاف «إلا أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق لمنع اتخاذ تدابير قد تسمم الوضع وذلك حتى القمة المقبلة لمجموعة العشرين المقررة في 2011 في فرنسا». وفيما يتعلق بإصلاح المصارف أحرزت لجنة بال للإشراف على المصارف «تقدما ممتازا» حسب ما أعلن رئيسها الهولندي نوت فيلنك في ختام اجتماع في سيول. وقال فيلنك إن الهيئات الدولية المنظمة للأسواق ستنتظر منتصف 2011 قبل فرض قواعد جديدة «للمؤسسات المالية المركبة» التي قد يؤدي إفلاسها إلى تعريض كل النظام المالي للخطر. وتنص المعايير المصرفية الجديدة المعروفة باسم بال 3 التي ستطبق اعتبارا من 2013! على زيادة أموال المصارف بحلول الأول من يناير (كانون الثاني) 2015. من جهة أخرى ذكرت وثائق داخلية أعدت لقمة الاتحاد الأوروبي التي من المقرر أن تعقد يومي 28 و29 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري أن زعماء الاتحاد سيوجهون إنذارا للدول الأعضاء من ذوي الاقتصادات الناشئة بمجموعة العشرين مثل الصين ضد التلاعب في عملاتها.

وكانت التوترات بشأن سياسات العملة قد تصاعدت في سبتمبر (أيلول) الماضي حيث تبادلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والصين الاتهامات بشأن تحديد سعر صرف «غير عادل». وحذر وزير المالية البرازيلي من نشوب «حرب عملات».

وجاء في مسودة إعلان لقمة الاتحاد الأوروبي والتي قالت وكالة الأنباء الألمانية إنها حصلت على نسخة منها أن الاتحاد الأوروبي يشدد على الحاجة إلى تفادي الانخراط في خطوات بشأن سعر الصرف تهدف إلى الحصول على مزايا تنافسية على المدى القصير.

وتحدد المسودة مطالب الاتحاد الأوروبي لقمة مجموعة العشرين التي تعقد في سيول يومي 11 و12 نوفمبر المقبل.

ويتهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منذ زمن طويل الصين بالإبقاء على اليوان عند مستوى منخفض لزيادة الصادرات وتقليص الواردات.

ويناقش المشرعون الأميركيون قانونا يسمح بفرض تعريفة عقابية على الدول التي تخفض قيمة عملاتها. وتقول الصين إن التشريع المقرر يرقى إلى انتهاج سياسة حمائية.

وفي سبتمبر الماضي واجهت اليابان ارتفاع قيمة الين بالتدخل لخفض قيمة عملتها للمرة الأولى منذ 6 سنوات.

وجاء في مسودة بيان الاتحاد الأوروبي «ما زال هناك عدد من المخاطر التي تتطلب اهتماما دائما على الصعيد الدولي من بين ذلك استدامة الديون السيادية (وهو دين على حكومة دولة من دول العالم مقوم بعملة غير عملتها المحلية) وعدم استكمال الإصلاح المالي وارتفاع معدل البطالة وعدم استقرار أسعار السلع العالمية وتجدد ظهور اختلالات في الاقتصاد الكلي».

وأضافت المسودة أن «قضية إعادة التوازن في النمو العالمي تتطلب أيضا اهتماما خاصا».