3 مدارس فكرية بشأن إدارة الثروة.. تبرز من «ركام» خسائر الأزمة المالية

الصناعة ما زالت تواجه تحديات كبرى

مؤسسة «هاربر لايتس فايننشال غروب» تحرك فكرة إدارة مؤسسة تشمل «خدمات نمط الحياة» للعملاء الذين تبلغ استثماراتهم مليون دولار أو أكثر
TT

بعد بدء المحافظ استعادة نشاطها في أعقاب الخسائر الكبرى التي منيت بها منذ عامين، ما يزال القلق يساور الكثير من المستثمرين. أما أحدث المنتجات المطروحة، فمن المحتمل أن تثير الشكوك أكثر من الرغبة. والواضح أنه حتى الوعود بتحقيق عائدات ثابتة عاجزة عن إثارة مشاعر الثقة هي الأخرى.

خلال فترات الازدهار، بدت مسألة جني المال سهلة، لكن المستثمرين تعلموا أن خسارة المال ربما تكون أكثر سهولة.

في ظل هذا المناخ، يواجه المستشارون الاقتصاديون تحديا، ومرة أخرى يواجهون الحاجة لتطوير سبل جديدة لعرض خدماتهم. وبصورة عامة، يبدو أن هناك ثلاثة توجهات قد ظهرت بهذا الشأن: التركيز على الرعاية أو الجانب الفني أو التقاعد.

ويكشف ظهور ثلاثة توجهات مختلفة مدى صلابة صناعة إدارة الثروات - وهذه ليست المرة الأولى التي تبدل فيها الصناعة أسلوب تعريفها لنفسها.

من ناحيته، قال مارك ستيفينز، الرئيس التنفيذي لـ«إم إس سي أو»، وهي شركة تسويق تعاون شركات إدارة الثروات: «لقد قالوا: (ثقوا بنا)، لكنهم لم يكملوا باقي الجملة وهو: كي نخرجكم من الحفرة التي حفرناها من أجلكم. لماذا تمكنوا من إحياء وجودهم؟ لأن الناس أرادوا منهم ذلك. فما هو الخيار أمامك إذن؟».

ومن شأن تفهم الاختلافات بين التوجهات الثلاثة واختيار المستشار المالي المناسب مساعدة المستثمرين، على الأقل، في الحصول على قسط أوفر من النوم ليلا.

أولا: توجه التركيز على الرعاية. يقول المستشارون المنتمون لهذا المعسكر إنهم يتولون إدارة الأموال كما لو كانت تخصهم. الملاحظ أن هذا التوجه يحمل بريقا أقل من التوجهين الآخرين، ويشير أعضاء المعسكر إلى أنهم يتجاوزون قضية المسؤولية الائتمانية التي يتحملها المستشارون الاستثماريون المعتمدون.

من بين المؤسسات المعتمدة على هذا التوجه «ستيفينز إنك»، وهو مصرف خاص يديره وارين ستيفينز، وأسسه عمه عام 1933 وتولى والده لاحقا إدارته. وقد أضافت المؤسسة قسم إدارة الثروات عام 2001.

وأشار ستيفينز إلى أنه خلال السنوات الثلاث الماضية، أضاف 25 مستشارا جديدا إلى المؤسسة، ليرتفع الإجمال إلى 107، وارتفعت معهم أيضا أعداد العملاء المتوافقين مع التوجه العام للمؤسسة: وهم الأفراد الراغبون في الاستقرار مع التمتع بنمو ثابت. وقال ستيفينز: «إننا لسنا محصنين ضد احتمالية تراجع محافظ عملائنا لدرجة ما. لقد استفدنا من الاستقرار الحقيقي والملحوظ لمؤسستنا».

يذكر أن قسم إدارة الثروة بالمؤسسة يدير حاليا 7 مليارات دولار، وهو ذات المبلغ الذي كان يديره قبل فترة الركود الاقتصادي.

وكان من شأن الضآلة النسبية في أعداد المستشارين بالنظر إلى حجم الأموال التي يديرونها، خلق ثقافة تفتخر بالتفحص المستمر للوجهات التي استثمرت بها أموال العملاء.

وأشار ستيفينز إلى أنه في إحدى الحالات اكتشفت المؤسسة أن حسابا بسوق المال استخدمته لسنوات أضاف أوراقا مالية إضافية فيما وراء سندات الخزانة بالغة الأمان. وأجرى ستيفينز اتصالات بعملائه وسعى للحصول على تصريح منهم بنقل هذه الأموال إلى حساب آخر بسوق المال أكثر تركيزا على سندات الخزانة.

وقال: «لقد قال لنا العديد من العملاء: إنكم تهتمون بأمر أموالنا، وهو أمر جيد للغاية»، مشيرا إلى أن أحد العملاء أقدم على إيداع 5 ملايين دولار إضافية بحسابه.

وفي توجه مختلف إزاء فكرة الرعاية، يتولى بين ماركس، رئيس ومسؤول شؤون الاستثمارات في «ماركس غروب ويلث منيدجمنت» في مينيتونكا بمينيسوتا، استثمار أموال عملائه على نحو يحمل طابعا محليا أكثر منه عالمي.

وعن ذلك، قال ماركس: «القرب يمثل عاملا مهما للمستثمرين. ويروق لهم أن يكونوا على قرب من الشخص المسؤول عن اتخاذ القرارات الاستثمارية - وهو نحن - بجانب قرب الاستثمارات الفعلية ذاتها».

وأضاف أنه في إطار هذه الاستراتيجية، يتفوق الجانب النوعي للاستثمار على التوجه الكمي. لم يكن هذا الأمر على قدر كبير من الأهمية عام 2006 عندما كانت جميع المحافظ تتحرك باتجاه الارتفاع، لكنه اكتسب أهمية الآن، وأصبح وجود اتصال بالشركات أحد العوامل المؤثرة.

وأعرب ماركس عن اعتقاده بأن «هناك شعورا وطنيا وراء استثمار المرء داخل مجتمعه المحلي. عندما يستثمر الناس بالخارج، يبدو الأمر كما لو كان نظريا - مثل القول بأن يتم الاستثمار في البرازيل أو الصين - لكنهم لا يتمتعون حينها بمستوى المعرفة التفصيلية التي يتعين حصولهم عليها».

داخل مؤسسة «هاربر لايتس فايننشال غروب»، التي تدير 250 مليون دولار من داخل منشأتها في نيو جيرسي، تتحرك فكرة إدارة مؤسسة تتبع توجه الرعاية لخطوة أبعد لتشمل «خدمات نمط الحياة» للعملاء الذين تبلغ استثماراتهم مليون دولار أو أكثر. ويتضمن ذلك المساعدة في التفاوض بشأن سعر سيارة جديدة أو ضمان الحصول على تذاكر مسرح يصعب الحصول عليها أو الحجز في أحد المطاعم.

وربما تبدو هذه الأنشطة عبئا على العمالة، خاصة بالنسبة لشركة صغيرة، لكن دوغ لوكوود، أحد الشركاء، بين أن حسن النية التي تجنيها هذه الجهود تعوض أي أعباء إضافية على العمالة، خاصة أن العملاء لا يستخدمون هذه الخدمات باستمرار.

وقال: «لم يكن بإمكاننا السيطرة سوى على جزء محدود من السوق، لذا قررنا إقرار هذا البرنامج. ويحول إلينا كبار عملائنا جميع هؤلاء الأفراد، ونحن من جانبنا نحاول إبهارهم».

وأضاف أن مؤسسته وفرت لأحد العملاء 5.000 دولار عند شرائه سيارة فاخرة، وهو أمر يعتقد أن العملاء أكثر احتمالا لأن يتحدثوا عنه خلال حفلات العشاء أكثر من حديثهم عن معدلات العائد التي يحصلون عليها.

وأكد أن «بعض كبريات شركات إدارة الثروات تقدم هذه الخدمات منذ سنوات. وقد ارتفعت نسبة تحويل عملاء إلينا بنسبة 25% على الأقل خلال عامي 2009 و2010.» ثانيا: توجه التركيز على الجانب الفني. يقول المستشارون المنتمون لهذه الفئة إن هذا التوجه يشكل سبيلا للحديث عن العائدات والتوقعات من دون الإسهاب في الحديث عن الأرقام ذاتها. ويتطلب ذلك منهم طرح أسئلة مختلفة.

من ناحيته، قال ميتش كوكس، رئيس شؤون الاستثمارات العالمية والأبحاث لدى «باركليز ويلث»: «إن التساؤل الأول الذي ينبغي طرحه على العملاء هو «ما حجم الاستعداد المالي والذهني للخسارة؟» وخلال حديثه عن الخسائر المحتملة، قال كوكس إن شركته تتحدث إلى العملاء عن الفرص عبر تسع فئات من الأصول بمختلف أرجاء العالم.

ويتمثل السبب وراء ذلك في أن الانتقال إلى النقد والسندات ربما يسمح للمستثمرين بنيل نوم هادئ بالليل، لكنه ربما يدفع بهم إلى ما وراء معدل التضخم. وفي تناقض مباشر مع تركيز ماركس على الاستثمار المحلي، قال كوكس: «علينا التفكير في الاقتصاد العالمي كبساط هوائي. إذا دفعته باتجاه الأسفل في أحد الجوانب، هناك احتمال أن تلقى تأثيرا إيجابيا في مكان آخر».

وأضاف أن التوصل إلى المزيج الصائب من الاستثمارات يعتمد على التركيب النفسي للشخص المعني، لكن يبقى هناك عنصر ثابت بين الجميع: «إنهم يرغبون في عائدات لا تحمل مفاجآت ومستدامة». ويتمثل عنصر مميز آخر بشأن التوجه الفني في تأكيده على تكاليف ورسوم أقل، الأمر الذي تجري ترجمته إلى عائدات أعلى.

الملاحظ أن المستثمرين في الصناديق المرتبطة بمؤشرات يشيرون منذ عقود إلى مسألة أن التكاليف المرتفعة تلتهم العائدات. من جانبها، أكدت مؤسسة «هاي تاور أدفيزرز» بشيكاغو أنها ابتكرت توجها جديدا.

بدأت هذه المؤسسة عملها منذ عامين بدعم من مجموعة يقودها فيليب جيه. بورسيل، الرئيس التنفيذي السابق لـ«مورغان ستانلي»، وقد جمعت «هاي تاور» 165 مليونا تستغلها لتحقيق هدفين: بناء قاعدة تتعلق بالتقنية والبنية التحتية تهدف لخفض التكاليف على أي شيء، بما في ذلك السندات والرسوم المدفوعة لشركات وصاية تمثل طرفا ثالثا، والاستعانة بفرق عمل ممتازة من شركات أخرى.

وقال إليوت إس. ويسبلوث، الرئيس التنفيذي لـ«هاي تاور»: «يكمن الاختلاف الجوهري في أننا قمنا بتحويل مهمة المستشارين الماليين من كونهم نقطة الالتقاء الأخيرة في مجال التصنيع والتوزيع إلى كونهم مشترين لمنتجات وول ستريت، ويدفع هذا وول ستريت للتنافس على الأعمال».

وتدير المؤسسة حاليا 16 مليار دولار. فيما وراء أرقام الأداء، تشدد المؤسسة أمام العملاء على أنها تتمتع بحرية أكبر وبإمكانها تقليل تكاليفهم - وهو أمر يقوله جميع المستشارين الاستثماريين المعتمدين لعملائهم بطبيعة الحال.

لكن «هاي تاور» تتحرك خطوة أبعد من ذلك، فمثلا، عندما ترغب في شراء سند بالنيابة عن عميل ما، تجتذب «هاي تاور» عروضا مما يصل إلى 50 شركة كي تضمن الحصول على أفضل سعر. وينطبق القول ذاته على الأوصياء الذين بحوزتهم بالفعل الأموال التي يديرها المستشارون التابعون للمؤسسة.

ومن جانبه، قال ويسبلوث: «يكفي أن العميل يدفع أموالا أقل، ويساعد تقليص التكاليف في تحسين الأداء».

ثالثا: توجه التركيز على التقاعد. يعلم هذا التوجه العملاء بشأن محافظهم ويحاول إقناعهم بالتفكير على نحو بعيد الأمد. ويعني ذلك محاولة تجاهل التقلبات قصيرة الأمد التي تتعرض لها محافظهم.

الواضح أن الشركات بحاجة لأن ينسى العملاء الخسائر التي منوا بها على مدار السنوات الثلاث الماضية، والتفكير بدلا من ذلك في عقود قادمة، مثلما أوضح ستيفينز من «إم إس سي أو». ويمكن لهذا التوجه أن ينجح إلا إذا كان العميل قد خطط للتقاعد العام التالي.

وتتمثل وجهة النظر الأكثر سخاء في أن على الأفراد التفكير على المدى الطويل دائما، وأن اهتمامهم بالتقلبات التي تشهدها السوق على المدى القصير لن يخدمهم.

في هذا الصدد، ذكر ليل لاموث، رئيس شؤون إدارة الثروات في «ميريل لنتش غلوبال ويلث منيدجمنت» أنه «كان لنا حضور لافت على الصعيد العام عبر ندوات تثقيفية عقدناها، تعلقت جميعها بصورة ما بالتقاعد أو حماية الدخل».

العام الماضي، «كانت هناك حاجة واضحة تتزايد»، حسبما ذكر ليل. أضافت «ميريل لنتش» 15.000 حساب بكل منها أكثر من 250.000 دولار حتى الآن خلال عام 2010. وقالت كلير هوانغ، رئيسة شؤون التسويق المرتبطة بإدارة الثروات والاستثمارات في «بنك أوف أميركا»، إن الحملات التي نظمها المصرف هدفت للتأكيد على أهداف التقاعد وتوجيه الناس بعيدا عن حجم الأموال التي بحوزتهم.

وقالت: «الناس الذين يتحدثون عن الأرقام تفوتهم نقطة مهمة، وهي أن الناس يرغبون في الحصول على مساعدة تعتمد على احتياجاتهم. إنهم يرغبون في خطوات صغيرة، وبمرور الوقت سيصلون للرقم المرغوب».

من جهته، يتبع ديفيد بي. أرمسترونغ، مدير إداري لدى «مونيمنت ويلث منيدجمنت»، خارج واشنطن، توجها مشابها على مستوى أصغر، حيث يدعو لفكرة «التخطيط الشخصي للمعاش»، ويطلب من عملائه النظر إلى التقاعد كأي احتمال آخر.

وقال: «إذا رغبت في العيش اعتمادا على 150.000 دولار سنويا عندما تتقاعد، فإن هذا احتمال. إن ما نفعله هو مجرد حساب صافي القيمة الحالية - ماذا يجب أن تبلغ قيمة أصل ما اليوم حتى يصل إلى القيمة التي يرغبونها في المستقبل؟».

ربما يبقى التقاعد الهدف المنشود، لكن بالنسبة للكثيرين، تبدل الجدول الزمني للتقاعد، مما تسبب في تغيير عملية التخطيط، حسبما ذكرت ريني براون، مديرة شؤون الثروات والسمسرة والتقاعد في «ويلز فارغو».

وقالت: «إنهم أقل اهتماما بمسألة التقاعد ويعتقدون أنهم لن يصلوا لهذا الأمر سوى لاحقا، ويتركز اهتمامهم الآن على ما إذا كانت الأموال ستصمد حتى الوصول للتقاعد؟».

من الضروري تذكر أن المدارس الفكرية الثلاث غير مقسمة على أساس مستويات الثروة، وإنما تبعا للخصال الشخصية. إن الشخص الذي يملك 30 مليون دولار قد يسعد بأن يمضي فترة التقاعد في صيد السمك ولعب الغولف، بينما الشخص الذي يملك 5 ملايين دولار يفضل اللجوء للمؤسسات التي تتبع توجه الرعاية.

وأهم سؤال ينبغي أن تطرحه لدى اختيارك مستشارك المالي: لأي أنماط المستثمرين؟

*خدمة «نيويورك تايمز»