اقتصاد ريفي

علي المزيد

TT

سعدت كثيرا حينما علمت أن محافظة المجمعة، عاصمة إقليم سدير التي تقع شمال العاصمة السعودية، على بعد نحو 180 كيلومترا منها، نظمت ملتقى لرجال الأعمال منتصف الأسبوع الماضي، يهدف لعرض الفرص الاستثمارية عليهم، وإمكانية استثمار رجال الأعمال في منطقة سدير. وأسباب فرحتي متعددة، أولها أن عواصمنا العربية مكتظة بالسكان، مما يخلق مشكلات كثيرة لست بصدد ذكرها، فتكفي زيارتك للقاهرة والرياض وعمان وكازابلانكا العاصمة التجارية للمغرب لترى الفرق بينها وبين الريف العربي، فستجد الزحام والتلوث والكهرباء والماء والفرص الوظيفية والإنترنت وجل مقومات الحياة في العواصم والمدن. وستجد في الريف العربي الهدوء والسكينة وانعدام الفرص الوظيفية، أي أنه طارد للسكان لانعدام الفرص الوظيفية فيه، كما أن تنمية الريف لها فوائد اقتصادية ضخمة، وأيضا اجتماعية، وأيضا سياسية، فالتوزع السكاني لا يخلق فراغا في الأرض، مما يجعل خمس سكان دولة عربية يعيشون في عاصمة. وكلما صغرت المدينة قلت الجريمة بها نسبيا، لأن الناس يعرف بعضهم بعضا، ويستحون من الخطأ الذي يوصمون به، وقد يصبح لقبا، عكس المدن المكتظة التي يختلط فيها الناس فلا تستطيع تفريقهم. ومن ذلك أن الريف يمكن أن يكون مرتعا خصبا لبدايات تجارية للشباب، وذلك لعزوف كبار التجار أحيانا عن الاستثمار في الريف لضعف المردود الربحي، ولأنه يستنزف الوقت، لكنه مناسب للشباب لقلة تكاليف المشروع، وأهمها رخص الإيجارات في الريف، وكثير من المستثمرين كانت بداياتهم ريفية. ولست بصدد تعداد مزايا خلق الفرص الوظيفية وإبقاء الناس في مناطقهم بدلا من الهجرة للمدن المكتظة أصلا، لأن تنمية الريف أصبحت مطلب كل الحكومات العربية، والحكومة السعودية منها، وقد خصصت السعودية 200 مليار دولار لتنمية الريف خلال عشر سنوات، وقد افتتحت جامعات وكليات في الريف السعودي، ومنها جامعة في المجمعة، وبصدد إنشاء صناعية في سدير، أي أن هناك توافقا بين ما تقوم به المحافظة وخطط الدولة. ومع سروري بهذا الملتقى فإن لي عليه بعض الملاحظات، أولاها أن تغطيته الإعلامية محدودة، وقد لا يعرف به بعض الراغبين في معرفة الفرص الاستثمارية في سدير، وقد يقال إن النتائج الفعلية أهم من النتائج الإعلامية، وهذا صحيح، لكن لتحقيق نتائج فعلية يجب أن تكون هناك تغطية إعلامية ليصل ذلك للراغبين في المشاركة، ممن غفل المنظمون عن توجيه الدعوة لهم ولو سهوا، أو لعدم معرفة أن لهم رغبة في الاستثمار في المنطقة، وقد يكون لديهم حماس أكثر من بعض المدعوين الحاضرين للمجاملة. اقتصر توجيه الدعوات على من كانت أصولهم من المنطقة، ونحن نستقطب استثمارا أجنبيا، فلماذا لا نسوق سدير لجميع أبناء الوطن؟! فقد يخلق ذلك حافزا مضاعفا لدى المنتمين للمنطقة، وما يهم هو تنمية المنطقة وخلق فرص وظيفية، بغض النظر عن المقدم. كنت أتمنى أن توجه الدعوات للجان شباب الأعمال في الغرف التجارية في السعودية لتسويق الريف بينهم، لأنهم الأكثر حماسا ونشاطا من غيرهم، ولأنهم يسعون لتحقيق أهدافهم، وقد يكون غيرهم أقل حماسا لتحقق أهدافه أو لرضاه عما أنجز. ودمتم..

* كاتب اقتصادي