السعودية تتصدر مجموعة الـ20 من حيث فائض أرصدة الحساب الجاري

أعضاؤها اتفقوا على ضرورة تقليص العجز التجاري

TT

توصّل ممثلو الاقتصادات الكبرى في العالم خلال اجتماعهم داخل كوريا الجنوبية إلى اتفاق في وقت مبكر من يوم أمس، بشأن الحاجة إلى تقليل العجز التجاري لدى الدول، ويأتي ذلك في إطار تسوية سعت لها الولايات المتحدة من أجل تهدئة توترات مرتبطة بسعر الصرف هددت بإثارة اضطراب وسط انتعاشة عالمية غير متوازنة.

ودعت إدارة أوباما يوم الجمعة القوى الاقتصادية الأخرى في مجموعة العشرين إلى الموافقة على الحد من العجز والفوائض المستمرة، التي يمكن أن تسهم في أزمة مالية أخرى.

ودعمت كوريا الجنوبية المقترح الأميركي، الذي تضمن حدا رقميا. وسرعان ما حصل المقترح على دعم من بريطانيا وكندا وأستراليا، ولكنه واجه معارضة من جانب ألمانيا ومواقف متباينة من اليابان، وكلاهما من الدول البارزة في مجال الصادرات.

ولم تشارك الصين، التي تهدد معركتها بشأن العملة مع الولايات المتحدة بإعاقة التعاون الاقتصادي الدولي، في النقاش بصورة رسمية.

وبعد جلسة مفاوضات ماراثونية امتدت إلى ساعات قبل فجر السبت، وافق ممثلو مجموعة العشرين على مستهدف «تقليل العجز المبالغ فيه»، من دون وضع حد معين، ودعوا صندوق النقد الدولي إلى دراسة أسباب «العجز الكبير المستمر».

وستدعو مسودة البيان، التي سيتم التصديق عليها في وقت متأخر من يوم أمس، الدول إلى التراجع عن «خفض قيم العملات الخاصة بهم لأغراض تنافسية»، بحسب ما ذكره مسؤولون.

وتظهر المفاوضات المطولة، التي تكون في الأغلب فوضوية، الصعوبة المتنامية لضمان التعاون بين مجموعة العشرين، الذين سيلتقي زعماؤهم، ومن بينهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، الشهر المقبل، في عاصمة كوريا الجنوبية سيول. ولكن قد يمثل الاتفاق لحظة مهمة في منع نشوب حرب عملات حذرت منها البرازيل، وهي دولة عضو في مجموعة العشرين، ولكنها غابت عن اجتماعات نهاية الأسبوع.

وعرض وزير الخزانة، تيموثي غايتنر مقترح الإدارة، أول من أمس (الجمعة)، في مستهل اجتماع ليومين، جمع بين وزراء مالية مجموعة العشرين، ومحافظي المصارف المركزية في جيونجو بكوريا الجنوبية. ودعا مسؤولون أميركيون الاقتصادات الصناعية الأكبر إلى جعل أرصدة الحساب الحالية، سواء كان بها فائض أم عجز، أقل من 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2015. وسيكون هذا المستهدف، الذي يفصلنا عنه خمسة أعوام، متماشيا مع توقعات الصين.

ويمثل رصيد الحساب الحالي صافي التجارة في السلع والخدمات داخل الدولة، بالإضافة إلى صافي الأرباح (مثل الفائدة وأرباح الأسهم) وصافي التحويلات (مثل المساعدات الأجنبية وتحويلات العمال). ويوجد عجز في رصيد الحساب الحالي الخاص بالولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، ويأتي ذلك في مقابل فائض لدى الصين وألمانيا واليابان.

ولدى أربع دول فائض في أرصدة الحسابات الحالية يتجاوز 4 في المائة، وهي السعودية (6.7 في المائة)، وألمانيا (6.1 في المائة)، والصين (4.7 في المائة)، وروسيا (4.7 في المائة). ولكن وفقا للمقترح الأميركي، فإن دولا مثل روسيا والسعودية وهما «مصدران مهمان للمواد الخام»، سوف تعفى من الحد المقدر بـ4 في المائة، وعليه فإن الضغوط ستكون على الصين وألمانيا.

ولدى دولتين من مجموعة العشرين عجز في أرصدة الحساب الحالي أكبر من 4 في المائة، وهما تركيا (5.2 في المائة) وجنوب أفريقيا (4.3 في المائة). وتليهما الولايات المتحدة (3.2) في المائة.

ويسعى المقترح في جوهره إلى تعزيز فكرة واسعة، ولكنها مبهمة فيما يتعلق بـ«نمو متوازن ومستدام وقوي»، وافقت عليها الدول الأعضاء في مجموعة العشرين في سبتمبر (أيلول) 2009 خلال اجتماعها في بيتسبورغ.

وكتب غايتنر في خطاب يوضح الخطوط العريضة للمقترح أن الدول التي لديها عجز يجب عليها زيادة مدخراتها الوطنية، من خلال تحقيق استقرار في مديونيتها العامة على المدى المتوسط وزيادة الصادرات، في حين يجب على الدول ذات الفائض «تبني سياسات هيكلية ومالية وسياسات مرتبطة بسعر الصرف»، من أجل رفع مستوى الطلب الداخلي، وأضاف: «على ضوء اعتماد أرصدة الحسابات الحالية على سياساتنا، بالإضافة إلى السياسات التي تتبعها دول مجموعة العشرين الأخرى، فإن هذه الالتزامات تتطلب جهدا تعاونيا».

وقال وزير الاقتصاد الألماني راينر برودرله للصحافيين إنه يمكن النظر إلى المقترح على أنه عودة إلى «التفكير في الاقتصاد المخطط».

ولم يستبعد وزير المالية الياباني يوشيهيكو نودا فكرة غايتنر لكنه أيضا لم يؤيدها، حيث صرح للصحافيين قائلا: «قد تحدث مشكلة إذا حددنا مستهدفا رقميا.. لكن يمكن النظر إلى هذا الرقم باعتباره مرجعا».

حتى وإن وافقت الدول على نسبة الـ4 في المائة المستهدفة، فإنها لن تكون إجبارية وملزمة، حيث تعمل مجموعة العشرين من خلال مصالح مشتركة وضغط متبادل، وليس للاتفاقيات التي تتوصل إليها قوة القانون.

وعوضا عن ذلك، دعم الاتفاق المبدئي دعوات من جانب الولايات المتحدة إلى صندوق النقد الدولي، ليضطلع بدور أكبر في تقييم مدى وفاء دول مجموعة العشرين بالتزاماتهم. ويعد الصندوق مسؤولا عن مراقبة سياسات الدول المالية والنقدية، ودفعهم نحو عدم التلاعب بأسعار الصرف. وعلى الرغم من أن الصندوق لا يستطيع أن يجبر أعضاءه على اتخاذ إجراءات معينة، يكون لنتائجه الاقتصادية مردود كبير.

وأعطى مقترح إدارة أوباما دفعة لاجتماع لم تكن توقعات الكثير من المسؤولين والخبراء بشأنه كبيرة.

وعبر وزير المالية البريطاني، جورج أوسبورن، الذي أعلن عن خفض كبير في الميزانية مطلع الأسبوع الحالي، عن اهتمام بعرض غايتنر ودعمه له، بحسب ما أفاد به متحدث رسمي.

ووصف وزير الخزانة الأسترالي واين سوان العرض بأنه «بنّاء»، ويبدو أن وزير المالية الكندي جيمس فلاهيرتي، استحسن الفكرة، حيث أوضح قائلا: «نحن نوافق عليها، لأنها تتوافق مع النمو القوي المستمر المتوازن الذي نحتاج إلى تحقيقه». وأضاف قائلا: «لا أحد يريد أن يدخل في مواجهة، ولا أحد يريد الرحيل من هنا دون الوصول إلى اتفاق بشأن خطة عمل».

وقال فلاهيرتي، الذي ترأس اجتماعا منفصلا لدول مجموعة السبعة، مساء أول من أمس (الجمعة) في جيونجو، إنه التقى بنظيره الصيني، شيه شو رن، لمناقشة أمر العملة.

وصرح فلاهيرتي قائلا: «أعتقد أن هناك رغبة في السماح بمزيد من المرونة بمرور الوقت»، مضيفا: «أعتقد أن هناك اعترافا بضرورة مناقشة قضية العملة».

وقال غايتنر في خطابه إن على دول مجموعة العشرين الابتعاد عن «سياسات سعر الصرف التي تهدف إلى الحصول على ميزة تنافسية؛ إما من خلال إضعاف عملتها، أو منع ارتفاع عملة تم التقليل من قيمتها».

وقد اقترح أيضا أن يقوم صندوق النقد الدولي بعمل تقييم نصف سنوي لمدى تقدم «دول مجموعة العشرين» في سعيها لتحقيق الأهداف المتفق عليها بشأن الاستدامة الخارجية، وثبات سعر الصرف لتلك الدول، وحساب رأس المال، وسياساتها الهيكلية والمالية الخاصة بتحقيق تلك الأهداف».

وقد أشاد المسؤول السابق بصندوق النقد الدولي، الذي يعمل حاليا في مؤسسة «أميركان إنتربرايز» في واشنطن، ديزموند لاكمان، برسالة غايتنر، قائلا: «عرض بنّاء ومبتكر يوسع نطاق المناقشة، بعيدا عن التركيز فقط على قضية العملة، لتشمل مجموعة من السياسات اللازمة لتحقيق التوازن.. لكن إن لم تستطع ضم الألمان والصينيين، فلن يحدث تقدم كبير».

وأضاف قائلا: «إنهم يريدون من الولايات المتحدة أن تخفض عجز ميزانيتها، لكنهم لا يريدون تخفيض الفوائض لديهم».

وكانت كوريا الجنوبية تتطلع إلى سير المحادثات بشكل جيد بصفتها الدولة المضيفة، وقال رئيس كوريا الجنوبية، لي ميونغ باك، مازحا إن هناك حافزا إضافيا يحض مسؤولي البنك المركزي على التعاون، وأوضح قائلا: «إن لم تتوصلوا إلى اتفاق، فربما لا نوفر لكم حافلات أو قطارات أو طائرات لتقلكم عند مغادرتكم».

* خدمة «نيويورك تايمز»