تخفيض العملات التنافسي في الثلاثينات ما زال مرفوضا في التاريخ

TT

عادت ذكرى «تخفيض العملات التنافسي» الذي اعتمده عدد من الدول في ثلاثينات القرن الماضي في محاولة للخروج من الأزمة الاقتصادية! إلى أذهان وزراء مالية مجموعة العشرين الذين اجتمعوا أمس لتفادي تكرار هذا السيناريو. فعمليات تخفيض العملات التي تقررت بشكل أحادي الجانب على خلفية تنامي النزعة القومية! ما زالت مرفوضة من قبل المؤرخين وخبراء الاقتصاد الذين يرون أنها أسهمت في إغراق العالم في الركود الكبير. وانهيار بورصة وول ستريت في 1929 كان مؤشرا لنهاية سنوات فورة الازدهار الاقتصادي. وأدى ذلك إلى تراجع التسليف وتدهور النشاط وإغلاق المصانع وارتفاع معدل البطالة بشكل كبير. وعاش العالم آنذاك في ظل نظام التغطية بالذهب الذي يفرض آليات تسعير ثابتة بين العملة والمعدن الثمين وبالتالي بين جميع العملات التي تدخل في إطار هذا النظام. واختارت الولايات المتحدة!م ركز الأزمة وأول اقتصاد عالمي! الإبقاء على التغطية الذهبية لعملتها. لكن كثيرا من الدول الأخرى ذهبت في اتجاه معاكس بدءا باستراليا. ففي حين ذاب احتياطيها مثلما يذوب الثلج تحت وهج الشمس ولم تعد منتجاتها الزراعية وموادها الأولية تباع! أجرت تخفيضا لعملتها الوطنية في 1930 حتى وإن لم تعلن رسميا عن ذلك إلا في يناير (كانون الثاني) 1931 ففقدت 30% من قيمتها إزاء الجنيه الاسترليني. وتبعت نيوزيلندا الطريق نفسه في 1930 مما أدى إلى حرب عملات مع الدنمارك منافسها الكبير في إنتاج الزبدة. ودفعت أوروبا إلى اقتفاء هذا الأثر بعد الأزمة المالية بسبب إفلاس المصرف النمساوي الأول كريديتانستالت في مايو(أيار) 1931. والشرارة الكبرى تمثلت بخفض عملة أول مصدر عالمي والوسط المالي العالمي! المملكة المتحدة حيث تعرض الجنيه الاسترليني المرتفع بشكل كبير لتخفيض قيمته بنسبة تفوق 20% في 21 سبتمبر (أيلول) 1931.وهذا ما أدى في الأشهر التالية إلى خفض مماثل للعملات لدى نحو 25 شريكا تجاريا لحقوا بها خوفا من الانهيار الاقتصادي مثل النمسا وكندا والنرويج والسويد في الشهر نفسه أو اليابان في ديسمبر (كانون الأول). وبين الدول القليلة التي رفضت تخفيض عملاتها تسببت فرنسا والولايات المتحدة بضرر كبير على شركائها! الأولى من خلال تراكم الذهب بشكل زاد من تفاقم الانكماش الاقتصادي العالمي! والثانية من خلال إطلاقها في يونيو (حزيران) 1930 موجة عالمية من السياسة الحمائية. ولم يهدأ هذا السباق لخفض العملات إلا مع تحول موقف الولايات المتحدة في 1933 التي علقت تغطية عملتها من الذهب. وفي العام التالي قرر فرنكلين روزفلت خفض قيمة الدولار بأكثر من 40% لدعم سياسة الإنعاش ما ساعد الاقتصاد العالمي على الانطلاق مجددا.