رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي لـ«الشرق الأوسط»: على العرب أن يعززوا تجارتهم البينية إذا أرادوا أن يصبحوا لاعبا مؤثرا في العالم

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في قلب الحدث «فاعلا ومفعولا به» مع تجدد المخاوف الاقتصادية العالمية

من اليسار كلاوس شواب وشيام بهارتي وديفيد روبنستين وكارلوس غصن ولبنى العليان خلال المنتدى الاقتصادي العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مراكش أمس (إ.ب.أ)
TT

أكد البروفسور كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي، لـ«الشرق الأوسط»، أنه بإمكان العالم العربي أن يصبح لاعبا مؤثرا في الاقتصاد العالمي بنفس وزن الدول الصاعدة بقوة أو ما يصطلح عليها اختصارا دول «بريك» ((BRIC أي نسبة للحرف الأول من كل دولة (البرازيل، روسيا، الهند، الصين). لكن شواب أكد أنه «لتحقيق ذلك، على الدول العربية أن تطور التعاون والتبادل الاقتصادي فيما بينها»، والذي يبقى في اعتقاده «منخفضا جدا».

كان البروفسور شواب يتحدث لـ«الشرق الوسط» على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي انطلق أمس ويمتد 3 أيام، في مدينة مراكش المغربية.

وشدد البروفسور، الذي افتتح المنتدى، على أنه وعلى الرغم من أهمية القضايا الاقتصادية المطروقة في منتدى مراكش، فإنها ليست في منأى عن القضايا السياسية التي تشغل المنطقة وقضايا المجتمع المدني الملحة والمهمة.

يأتي المنتدى، الذي ينعقد تحت شعار «المرونة والرخاء»، في وقت تلقي المخاوف الاقتصادية العالمية بظلالها وتعود مرة أخرى حتى «سحب الركود الاقتصادي» لتلبد سماء الكثير من الاقتصادات الكبيرة والمتقدمة (الولايات المتحدة وكثير من الاقتصادات الأوروبية)، مما ينذر بعواصف اقتصادية قد تعصف بالانتعاش الاقتصادي العالمي، وتضر بالاقتصاد العالمي، الذي كان قد بدأ ينفض عنه غبار التباطؤ، كما أن المنتدى ينعقد قبل قمة مجموعة العشرين المقبلة في سيول بكوريا الجنوبية، التي ما زالت «حرب العملات العالمية» تفرض نفسها على أجندتها، والتي وإن يبدو أنها في الأساس بين أكبر اقتصادين في العالم (الولايات المتحدة والصين) فإن تبعاتها و«الشظايا» المتطايرة منها قد تكون مؤلمة جدا على الاقتصاد العالمي ككل وعلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضا، وقد فرض هذا الموضوع نفسه على منتدى مراكش وحظي بنقاش مستفيض، كما نوقشت تأثيرات التحركات المالية في أنحاء العالم وأبرزها: آسيا والولايات المتحدة، التي تتوجه إلى تسيير نقدي جديد بضخ أموال جديدة في الاقتصاد الأميركي، على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وإذا كانت القضايا والانشغالات الاقتصادية تسيطر على المنتدى، فإن القضايا السياسية والتحديات الاجتماعية التي تواجهها المنطقة سيكون لها نصيب من النقاش، فالمنطقة تبقى «دائما» في قلب الحدث العالمي، ومن هذا الجانب فإن الصراع العربي - الإسرائيلي سيكون محور النقاش، كما أن علاقات الولايات المتحدة والعالم الإسلامي كانت محور نقاش وتقييم، وكان خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، الموجه إلى العالم الإسلامي من العاصمة المصرية القاهرة، بعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة، وما اعتبر حينها لغة خطاب أميركية جديدة تجاه العالمي الإسلامي، مرجعا للنقاش. وإلى جانب قضايا الحاضر التي تشغل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن التاريخ ودروسه وإسقاطاته، ونماذجه المشرفة، التي أسهم فيها أبناء المنطقة، سيكون أيضا محطة نقاش تفكير باستحضار العصر الذهبي للحكم الإسلامي في الأندلس، والنموذج المشرف، الذي يقدمه للتعايش الديني والازدهار المعرفي.

وليس من المبالغة القول إنه في وقت تعاني الاقتصادات الغربية القوية (خاصة أميركا وغالبية الدول الأوروبية) من تأثيرات الأزمة المالية العالمية، التي «تفجرت» في 2007، التباطؤ الاقتصادي وحتى تجدد المخاوف من عودتها إلى الركود، الذي قد تكون له تبعات خطيرة على الانتعاش الاقتصادي العالمي، فإن الوضع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يبدو أفضل؛ حيث لم تتأثر دول المنطقة كثيرا بالأزمة المالية العالمية، وحتى توقعات النمو لاقتصادات المنطقة تبدو مشرقة؛ فقد ذكر تقرير صندوق النقد الدولي أن النمو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2010 سيكون نحو 4.1%، مقارنة بـ2% العام الماضي.

ومن المرتقب، بحسب الصندوق الدولي، أن يصل النمو في المنطقة إلى نسبة 5.1% عام 2011، بينما تخشى أميركا والكثير من الدول الأوروبية المثقلة بالديون، والتي تعاني عجزا كبيرا في ميزانياتها، مما جعلها تلجأ إلى خطط تقشف وشد أحزمة مؤلمة، «الانزلاق» مجددا إلى الركود، أو في أفضل الحالات، تحقيق معدلات نمو، تجعلها خارج دائرة الركود «تقنيا»، أي بمعدل قد يفوق بالكاد الصفر (0.1% فما فوق)، ولكن ليست كافية لتنشيط الحركية الاقتصادية وخلق فرص عمل.

وفي ظل هذه المعادلة الاقتصادية العالمية، أصبحت اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رقما مهما فيها، ومحركا مؤثرا لدعم الانتعاش الاقتصادي العالمي، تتطلع إليه الاقتصادات الغربية المثقلة بالديون السيادية، التي تأمل أن يسهم الوضع المالي المتين الذي تتمتع به الكثير من دول المنطقة، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، في تعزيز ودعم الانتعاش الاقتصادي العالمي عبر استثمار الوفرة المالية التي تتمتع بها دول الخليج، والتي تسيطر صناديق الثروة السيادية فيها على 50% من مجموع قيمة صناديق الثروة السيادية في العالم.

ولكن إذا كانت الأرقام والتوقعات توحي بوضع مشرق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإن نظرة إلى الصورة الأكبر للمنطقة تظهر أن المنطقة تواجه تحديات كبيرة، والتي فرضت نفسها على أعمال منتدى المنطقة العالمي في مراكش، ومن بين أبرز هذه التحديات البطالة، مثلما أشارت إليها لبنى العليان، الرئيسة المشاركة للمنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2010، والرئيسة التنفيذية لمجموعة «العليان» السعودية، التي قالت في افتتاح المنتدى أمس: إن المنطقة بحاجة إلى نحو 20 مليون فرصة عمل جديدة، بحلول 2015. ودعمها في هذا الإطار كارلوس غصن (لبناني الأصل) الرئيس المشارك للمنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2010، والرئيس التنفيذي لتحالف «رينو - نيسان» لصناعة السيارات، الذي شدد على ضرورة التكامل الاقتصادي للدول الغنية والفقيرة في المنطقة بما يخدم الجميع.

ومن التحديات الأخرى التي تواجه المنطقة والتي فرضت نفسها في نقاشات منتدى مراكش: التعليم ونقص المهارات الحاد الذي تعانيه المنطقة، والذي يؤثر على أداء اقتصادات المنطقة ونموها، وقد تم التطرق إلى هذا الموضوع، كما نوقشت أيضا قضية الضرورة الملحة لتمكين المرأة من لعب دورها وأن تكون لها كلمة في صناعة الرأي والقرار في المنطقة.

وإذا كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتل «تشبيها» موقع الفاعل في الاقتصاد العالمي بفعل صادراتها من النفط خاصة، فإنها معرضة أيضا لأن تكون «مفعولا به» في ظل عولمة الاقتصاد، وهذا ما أشار إليه صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير عن منطقة الشرق الأوسط، تقرير الصندوق؛ حيث جاء فيه أن «الآفاق الاقتصادية للمنطقة مرتبطة بالتطورات الاقتصادية في العالم، وبالدرجة الأولى بتأثير هذه التطورات على أسعار النفط». وتوقع أن أي ارتفاع في أسعار النفط سيكون «متواضعا»؛ إذ إن «الطلب على النفط في الأسواق الناشئة سيقابله ركود في الطلب في الاقتصادات المتقدمة».

أرقام:

* صندوق النقد الدولي يتوقع أن يصل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2010 إلى نحو 4.1 في المائة، مقارنة بـ2 في المائة العام الماضي. ومن المرتقب أن يصل النمو في المنطقة إلى نسبة 5.1 في المائة عام 2011.

* المملكة السعودية تتصدر مجموعة العشرين من حيث فائض أرصدة الحسابات الحالية، حيث لدى أربع دول فقط من المجموعة فائض في أرصدة الحسابات الحالية يتجاوز 4 في المائة، وهي السعودية (6.7 في المائة)، وألمانيا (6.1 في المائة)، والصين (4.7 في المائة)، وروسيا (4.7 في المائة).

* صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي تستحوذ على 50% من قيمة مجموع صناديق التحوط في العالم.

* تحسين إدارة الطاقة وتقليل تبذيرها بنسبة تتراوح بين 20 إلى 50% قد يعزز الناتج الإجمالي المحلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 1%.

* 13% نسبة الطاقة المهدورة في عملية نقلها بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

* أقل من 0.3% نسبة الكهرباء المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

* أقوالهم - «منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحاجة ماسة أيضا إلى تطوير رأس المال البشري، وتكوين قادة المستقبل في هذه المنطقة مهم جدا. إن تطوير قادة المستقبل هو حجر الزاوية».

بريان دوبيرو، الرئيس المشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2010.

- «النسبة العالية من الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميزة للمنطقة، وإتاحة الفرصة للمرأة أن تكون أكثر نشاطا في سوق العمل أمر ينبغي أن ينظر إليه باعتباره ميزة تنافسية في المنطقة».

كارلوس غصن، الرئيس المشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي (ش.أ.ش.أ)، ورئيس «رينو - نيسان».

- «الدول الغنية ليس لديها سيولة مالية. أليست مفارقة؟».

فلورنس عيد، خبيرة اقتصادية، رئيسة «أرابيا مونيتور».