دراسة: سورية أخطأت بحماية الأراضي الزراعية على حساب المشاريع السياحية

المهندس ياسين الخولي: السياحة الشاطئية والعلاجية تشكل قاطرة النمو الاقتصادي لسورية

فلاحة سورية تحصد محصولها من القمح جنوب دمشق (رويترز )
TT

قال باحث سوري إنه من الخطأ حماية الأراضي الزراعية ومنع إقامة المشاريع السياحية عليها، داعيا إلى التوسع في المشاريع السياحية على حساب الأراضي الزراعية لتصبح واحدا في المائة بدلا من واحد في الألف الآن، لأن سورية بذلك ستصبح بلدا سياحيا بامتياز على غرار البلاد السياحية المتوسطة، معتبرا أن الفوائد التي يمكن أن تجنيها سورية من السياحة أعلى بكثير مما يمكن أن تجنيه من الزراعة.

وقال المهندس ياسين الخولي، صاحب المكتب الاستشاري للاستثمارات السياحية: «إن سورية لم تعد منافسة بالإنتاج التقليدي كالصناعة التي أصبحت تعاني في سورية، كسائر بلاد العالم، من منافسة الإنتاج الصيني الحادة لها».

كما أن الزراعة لم تعد تشغل الموقع الذي كانت تشغله في السابق. مشيرا إلى أن السياحة، وبخاصة سياحة الشواطئ والسياحة العلاجية، هي المرشحة لتكون قاطرة النمو الاقتصادي في سورية.

وأوضح في دراسة قام بها حول القطاعات الاقتصادية المؤهلة لتحقيق النجاح في سورية أنه يجري حاليا الاهتمام في سورية بقسم من السياحة عائد للسياحة الثقافية للأوروبيين والاصطياف للعرب، وبنسبة أقل بالسياحة الدينية، بينما لا تستفيد من سياحة الاستجمام على البحر إلا للسوريين خلال فترة قصيرة في الصيف، مع أن هذه السياحة تشكل أكبر حجم للسياحة في العالم والموجهة في المنطقة بشكل خاص للسياح الأوروبيين الذين يقدر عددهم على السواحل المتوسطية بمئات الملايين، وقد أصبحوا طوفانا يغرقون هذه السواحل ويغطونها بكثافة هائلة واكتظاظ شديد وازدياد مستمر، ويشكلون أكبر مصدر للقطاع الأجنبي لجميع البلاد المتوسطية التي تستقطب ما يقرب من نصف السياحة العالمية باستثناء البلدين النفطيين، ليبيا والجزائر، بالإضافة إلى سورية، وتعرف سياحة الاستجمام بأنها «أكثر أنواع السياحة أهمية وانتشارا، وتمتاز بطول فترة بقاء السائح، وهذا النوع من السياحة هو المؤشر الأبرز لتطور قطاع السياحة ولحجم العائدات السياحية في معظم الدول، وتشكل أكثر من 51% من السياحة الخارجية في العالم».

ورأى الخولي في دراسته أن «المسؤولين السوريين يحاولون تطوير هذه السياحة، ولكن العاملين في السياحة يركزون جهودهم لجذب السياح الأوروبيين للتمتع بالسياحة الثقافية المحدودة الحجم التي تعتمد على الجولات في الأماكن الأثرية للمثقفين، التي - رغم أهميتها - لا تشكل إلا جزءا بسيطا جدا من سياحة الاستجمام على شواطئ البحر، والتي لا تستفيد منها سورية على شواطئها إلا للسوريين لشهرين أو ثلاثة في السنة رغم الإمكانيات الواسعة لاستقبال السياح الأوروبيين على مدار السنة على غرار معظم المنشآت السياحية على الشواطئ المتوسطية والخليج العربي والبحر الأحمر، التي تبلغ نسبة امتلائها 70 إلى 90% على مدار السنة».

ويشير الخولي إلى أنه «يمكن استقبال السياح الأوروبيين على مدار السنة في السواحل السورية وتوفير عناية فائقة وإقامة ممتعة لهم لا تنسى ولا تتوفر في أماكن أخرى، وخصوصا الاطلاع بجولات قصيرة على آثار معظم الحضارات الإنسانية القديمة والأديان السماوية المنتشرة في أنحاء سورية، وبخاصة قرب الساحل الذي جعل خبراء السياحة العالميين يصفونه بمتحف في الهواء الطلق، بالإضافة إلى التمتع بأجواء جديدة متنوعة وبطقسها المعتدل المثالي للسياحة الذي تسطع به الشمس باعتدال 300 يوم في السنة، وبأمن مطلق، وغير ذلك الكثير».

وأشارت الدراسة إلى أنه نتيجة لارتفاع أسعار الوقود في العالم تحدث حاليا في بلاد أوروبا الشمالية خلال شتائهم القارس هجرة المتقاعدين المرفهين إلى السواحل المتوسطية الدافئة فيمضون فصل الشتاء، المماثل للربيع والصيف لديهم، بها بمتعة فائقة، ويمكن استقبالهم في سورية في ألوف الشاليهات التي تستوعب عشرات الألوف من الأسرة المنتشرة على الساحل السوري بعد تحسينها، التي تقارب سعتها جميع الفنادق في سورية وتشكل رأسمالا ضخما معطلا معظم الوقت، وهذه الشاليهات تستثمر خلال الصيف فقط من أصحابها، وتبقى أكثر من تسعة أشهر معرضة للتلف والسرقة، مع أنه يمكن إشغالها على مدار السنة بالسياح الأوروبيين وغيرهم فتشغل في فصل الشتاء بالمتقاعدين الأوروبيين الذين لن يتكبدوا لقاء الإقامة فيها طوال فصل الشتاء مع النقل سوى جزء مما يتكبدونه من نفقات التدفئة ببقائهم في بلدهم حين تغطي الثلوج مناطق إقامتهم بارتفاع كبير، بالإضافة إلى التوفير بنفقات المعيشة ويعيشون في جو رائع في هذا الفصل الذي كان يسمى بالفصل الميت، وكانت تغلق خلاله المنشآت السياحية في كثير من البلاد، ونتيجة إشغال هذه الشاليهات شتاء من قبل المتقاعدين الأوروبيين ستصبح معروفة للأوروبيين، وخصوصا من الشركات السياحية الأوروبية، فتعمل على إشغالها بنسبة جيدة باقي الوقت، وبذلك يطلق الساحل السوري لسياحة الاستجمام على نطاق واسع أسوة بالشواطئ المتوسطية.

وأوضحت الدراسة السورية أن جميع المشاريع السياحية في سورية لا تشغل واحدا في الألف من الأراضي الزراعية المتوفرة فيها التي تبلغ مساحتها ما لا يقل عن عشرة ملايين هكتار، وسيكون من مصلحة سورية إذا شغلت السياحة عشرة أضعاف المساحة التي تشغلها حاليا لتبلغ واحدا في المائة من الأراضي الزراعية، فإنها ستصبح بلدا سياحيا بامتياز على غرار البلاد السياحية المتوسطية الرائجة التي أصبحت بلادا راقية جدا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا مثل قبرص وتركيا وتونس، ودخل الفرد فيها أضعاف سورية بعد أن كانت متفوقة عليها. وأصبح دخل السياحة في تونس يعادل 20% من دخلها القومي، ويبلغ أضعاف دخلها من الزراعة البالغ 7% من دخلها القومي.

وفندت الدراسة اعتراضات البعض على تطوير السياحة بأن البلد تفتقر إلى المياه الكافية لاستقبال ملايين السياح، معتبرة هذا الادعاء مغالطة كبيرة، لأن الزراعة تستهلك نحو ستة وثمانين في المائة من المياه المستخدمة في سورية، بهدر كبير جدا، دون الأخذ بعين الاعتبار ما يذهب منها للبحر، ويعتبر ما تصدره سورية من الإنتاج الزراعي، وبخاصة القطن الخام، تصديرا للمياه بأبخس الأسعار، حيث يحتاج إنتاج كيلوغرام واحد من القطن لنحو متر مكعب من المياه بالسقاية التقليدية، الذي يكفي لاستقبال سائح في الفنادق الفخمة خمسة أيام يقدر الوارد منها نحو أكثر من ألف دولار أي مئات أضعاف مردود ما ينتجه من القطن، لذلك يكفي ضمان الأمن الغذائي بالزراعة، ولا ضرورة لإنفاق عشرات المليارات لدعم فائض زراعي من جميع الأنواع يذهب قسم هام منه إلى دعم الإنتاج الزراعي المهرب.

أما القطاع الاقتصادي الثاني الهام غير المستثمر في سورية، الذي تحدثت عنه الدراسة، فهو السياحة الطبية العلاجية، التي أصبحت تشكل أهم قطاع اقتصادي متنام في العالم يستنفد قسما ضخما جدا من إمكانيات البلاد الغربية الغنية الهرمة، التي تتضخم لديها هذه النفقات بسرعة هائلة نظرا لهرم السكان المتسارع النمو، ولقلة المواليد وتدني نسبة الشباب العاملين بينهم، ولارتفاع نسبة المسنين المتقاعدين الذين يعيشون في رفاهية.

ويوضح كاتب الدراسة أن سورية مؤهلة للنجاح في هذا القطاع أكثر من أي بلد آخر في العالم بالنسبة لحجمها لتوفر أطباء سوريين مقيمين، وخصوصا مغتربين اختصاصين على مستوى عال هم صفوة الطبقة المتعلمة في البلد، لعدم القبول بكليات الطب في الجامعات السورية الرسمية، إلا الحاصلين على أعلى الدرجات في شهادة الثانوية السورية، ويذهب معظمهم بعد تخرجهم للاختصاص بجامعات معروفة في الخارج دون تكلف أي أعباء لأنهم يجمعون بين العمل والدراسة ومعظمهم يبقون هناك ويتقاضون رواتب وأجورا عالية جدا، ويشكلون حاليا أكبر نسبة أطباء بين الجاليات العربية بالنسبة لحجم سورية في أميركا، ويبلغ عددهم فيها أكثر من 4000 طبيب أخصائي، وهذا العدد يلي عدد الأطباء الهنود الأكثر في أميركا، ويأتي عدد الأطباء السوريين الاختصاصيين في فرنسا بعد الفرنسيين مباشرة، وعددهم كبير جدا في ألمانيا والنمسا وكثير من البلاد الأوروبية والخليج العربي، ويتمتعون بمراكز عالية وسمعة جيدة، وكثير جدا يتوقون إلى العودة لخدمة وطنهم، وخصوصا الذين لديهم أولاد، وبشكل خاص بنات في سن المراهقة ويخشون من الانسلاخ عن وطنهم وضياعهم في الاغتراب، وهم مستعدون للعمل بجزء من الراتب الذي يتقاضونه في اغترابهم إذا تم تأمين الظروف اللائقة المهنية والمعيشية لهم، لأن وضعهم المادي أصبح جيدا ويعوضهم استثمار مدخراتهم عن تدني دخولهم في سورية إذا حدث. بينما تتكبد دبي في مدينتها الطبية أجورا للأطباء الأجانب تبلغ عدة أضعافها في سورية. وربما بعد الأزمة المالية العالمية، التي أحدثت زلزالا ماليا في أميركا وأوروبا وضاعفت البطالة لديها، قد تزيل بريقها وتدفع بالكثيرين إلى العودة إلى بلدهم التي هي في أمس الحاجة إليهم.

ورأت الدراسة أن جل ما يحتاجه هذا القطاع منحه جزءا بسيطا من الدعم الذي يلاقيه قطاعا الصناعة والزراعة، الذي يكلف الدولة عشرات المليارات سنويا ويرهق الميزانية السورية، فهو يمكن أن يدر أضعاف ما يدره كل منهما، وربما عشرات الأضعاف، ويوظف أعدادا هائلة من المواطنين بأجور مجزية. وإنشاء مدينة طبية يجب أن يتم على غرار المدن الصناعية والمناطق الحرة على مساحة بضع مئات من الهكتارات من الأراضي الشاسعة المملوكة أو المستملكة من الدولة، وبخاصة الواقعة جنوب غربي دمشق التي تبلغ آلاف الهكتارات، وتمتد على السفوح الغربية من الجبال الجرداء والمعرضة للتعديات المتواصلة بالسكن العشوائي وتنظيمها بشكل حديث وراق جدا، يؤمن لها المرافق والخدمات المتطورة وتعرض لتملك المستثمرين في هذا القطاع بشروط سهلة، وللإسراع في تنفيذ المدينة وحسن تنفيذها يجب أن توكل إلى شركة مشتركة كبيرة مع الدولة التي تسهم فيها بقيمة الأرض، ولتعميم الفائدة منها لأكبر قطاعات البلد تسهم فيها مؤسسات رسمية خدمية، ونقابات مهنية، وصناديق تقاعد، ومستثمرون سوريون مقيمون ومغتربون، وعرب، وأجانب، وخصوصا الأطباء منهم، بالتعاون مع مؤسسات طبية أوروبية أبدت رغبتها في الإسهام بإنشاء مستشفيات في سورية مع أطباء سوريين مغتربين، واستعدادها لجلب مرضى من أوروبا للعلاج فيها بعد إنشائها، كما تستقطب مرضى من مختلف الجنسيات بمن فيهم السوريون الذين ينفقون مبالغ ضخمة في الخارج على علاجهم قدر فيها نصف دخل مدينة الحسين الطبية بمبلغ 300 مليون دولار ويجب لنجاح هذه المدينة معاملتها كمنطقة حرة غير خاضعة لروتين جهاز الدولة الخانق الذي حرم البلد عددا من هذه المنشآت، وتمتعها بكامل الصلاحيات، وخصوصا ترخيص البناء أسوة بالمناطق الحرة والمناطق الصناعية، فهي صناعة المستقبل، ومردودها يبلغ عدة أضعاف الصناعات الاستهلاكية المتعثرة.