السعودية تتوقع نمو الطلب على الطاقة بنسبة 40% خلال 20 عاما

وزير النفط السعودي يتوقع أن تهيمن القارة الصفراء على النمو العالمي في الطاقة

المهندس علي النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، أثناء إلقاء كلمته في سنغافورة أمس (أ.ف.ب)
TT

توقعت السعودية - أكبر منتج للنفط في العالم - أمس نمو الطلب على الطاقة بنسبة 40 في المائة خلال العشرين عاما المقبلة، وذلك عطفا على عدة عوامل أهمها نمو الاقتصادات الآسيوية الصاعدة، وتحقيق مزيد من البشر لمستويات معيشية أفضل.

وقال المهندس علي النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، إنه يقف وراء هذا الطلب الجديد تطلعات العالم النامي، وذلك للحصول على المزيد من الطاقة، والنمو الكبير في عدد سكان العالم بمقدار ملياري نسمة خلال السنوات العشرين القادمة، مشيرا إلى أن قارة آسيا تستأثر بنسبة 60 في المائة من النمو العالمي في الطلب على الطاقة بحلول عام 2030.

وأشار النعيمي الذي كان يتحدث خلال قمة أسبوع الطاقة السنغافوري الدولي لعام 2010، إلى أن المحرك الرئيسي في هذا المشهد هو التحول الهيكلي للطاقة، حيث تتجه معظم معدلات النمو الاقتصادي إلى قارة آسيا، وقال: «لسنا في حاجة إلى أن ننظر إلى أبعد من سنغافورة، باعتبارها واحدة من أكثر الاقتصادات نموا في العالم، ودلالة عالمية على بزوغ فجر القرن الآسيوي».

وتابع: «بروز سنغافورة كمركز مالي عالمي رئيسي وتميزها في قطاعي الدواء والإلكترونيات الحيويين وتعافيها السريع من الأزمة المالية العالمية، هو خير دليل على تزايد النفوذ الآسيوي»، مشيرا إلى أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي الجديد يؤكد الحاجة إلى سياسة للطاقة الذكية، لافتا إلى أن التوجيهات الحكومية والمصلحة العامة في أنحاء العالم، تسعى للتوفيق بين استهلاك الطاقة واستدامتها. وأكد الوزير النعيمي أن ذلك النهج المزدوج يعد منطقيا، حيث إن العثور على مزيد من الطاقة واستخدامها أفضل استخدام ممكن، هما في حقيقة الأمر وجهان لعملة واحدة. وكان لي هسين لونغ، رئيس الوزراء السنغافوري، قد دشن أمس أعمال قمة الطاقة السنغافورية بحضور كبير الوزراء لشؤون الطاقة السنغافوري، وعدد من وزراء النفط والطاقة والصناعة في آسيا، والمدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، وتستمر أعمال القمة لمدة 4 أيام. وأكد الوزير النعيمي في كلمته ضمن قمة أسبوع الطاقة في سنغافورة أنه يوجد الكثير من الإيجابيات فيما يتعلق بالطاقة الذكية، حيث قال: «فبعيدا عن الحكمة الكامنة في سياسة الموازنة بين استهلاك الطاقة والمحافظة عليها، تدعم الطاقة الذكية هذا التزاوج الطبيعي بين المعدات والبرمجيات للخروج بشبكة مثالية للطاقة إلى جانب العدادات، وأجهزة القياس الدقيقة والمبتكرة، والأجهزة الأخرى، التي تساعد في استخدام أكثر كفاءة للطاقة، فضلا عن إسهامات مصادر الطاقة المتجددة»، وزاد: «إنه مع ذلك فهناك كلمة تحذير مستحقة نخفف بها من مغالاتنا بشأن جاهزية مصادر الطاقة الجديدة للاستخدام اليوم».

وأشار إلى إن الحماس المبكر بشأن مزايا المصادر المتجددة يضع الجميع أمام خطر اعتبار الطاقة الذكية مرادفا للطاقة «الجديدة»، وأضاف الوزير السعودي: «بهذه النظرة، يكون مفهوم الطاقة الذكية قد همش تحديدا دور الوقود (الأحفوري) باعتباره طاقة قديمة»، لافتا إلى أن الواقع قيام بعض الحكومات من باب السياسة، بالتركيز على الطاقة النظيفة كوسيلة لتحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة والابتعاد عن الوقود الأحفوري. ووصف النعيمي أن مثل هذه النظرة الضيقة تقود إلى حلبة سباق غير متكافئة الفرص تشهد نوعا من المحاباة للطاقة البديلة من جانب السياسات والموارد الاستثمارية، الأمر الذي يعوق بالتالي قدرة الوقود الأحفوري على المنافسة والإسهام في سوق الطاقة، بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى مخاطر لا لزوم لها تتمثل في أن هذه المصادر الأحدث قد لا تكون كافية بما يسمح باسترداد الموارد الاستثمارية الضخمة من حيث الوقت والمال. وأوضح أنه يتعين أن يقوم الوقود الأحفوري بسد الفجوة إلى أن تتمكن الطاقة النظيفة من إثبات نفسها بصورة مستمرة والتغلب على العقبات الخاصة بالتكلفة والبنية التحتية، وزاد: «بعبارة أبسط، فإن العمل بطريقة «إما - وإما» سوف تجعلنا عاجزين في النهاية عن تحقيق أهدافنا في مجال الطاقة».

وسجلت أسعار الخام الأميركي ارتفاعا بنسبة 0.5 في المائة عند سعر 81.82 دولار، وذلك بحسب ما ذكرته وكالة «رويترز» العالمية.

وتابع النعيمي في حديثه بقمة سنغافورة: «هدفنا هو توفير البترول الذي يحرك آليات العالم الاقتصادية والاجتماعية والاستفادة من التقنية والابتكار لجعل استخدام البترول أكثر نظافة، مع تطوير مصادر الطاقة المتجددة حتى تتمكن من الإسهام بشكل مفيد في مزيج الطاقة، وبناء على ذلك، دعونا ننظر إلى البترول من خلال عدسة الطاقة الذكية».

وقال: «من حيث الاعتبارات الأساسية المتعلقة بالكفاية والموثوقية، سوف يعتمد العالم على الوقود الأحفوري على مدى السنوات الخمسين المقبلة. فهذه الزيادة الهائلة البالغة 40 في المائة في الطلب العالمي على الطاقة خلال السنوات العشرين القادمة، والمدفوعة في جزء منها بزيادة السكان بنحو ملياري نسمة خلال تلك الفترة، سوف يتم تلبية 85 في المائة منها عن طريق الوقود الأحفوري في المقام الأول، وترى السعودية من جانبها أن أساسيات العرض والطلب فيما يتعلق بالطاقة الذكية متوافرة بشكل جيد في الطاقة الأحفورية». والسعودية تعتبر أكبر منتج للبترول في العالم باحتياطيات مؤكدة تبلغ 264 مليار برميل، وبمستوياتها الإنتاجية الحالية، تؤكد على أنها يمكن أن تستمر في إمداد البترول لمدة 80 سنة أخرى، حتى ولو لم تعثر على برميل إضافي واحد خلال تلك الفترة، بحسب ما ذكره النعيمي، وقال: «مع أننا نعثر على المزيد من هذه البراميل».

وأضاف الوزير السعودي: «الواقع أنه رغم إنتاج 62 مليار برميل من النفط بين عام 1990 و2009، لم تتناقص احتياطياتنا، فمن خلال الاكتشافات الجديدة والمحسنة، استطعنا إضافة كميات من البترول تعادل إنتاجنا السنوي منه، وهذا ما نفعله منذ عشرين عاما».

وتابع: «بالنظر إلى زيادة الطلب العالمي، من المتوقع أن تكون هناك حاجة إلى نحو 26 تريليون دولار من الاستثمارات في مجال الطاقة، وتقوم شركات بترولية ذات الموارد المالية، على غرار (أرامكو) السعودية، بإنفاق المال لتوفير المزيد من الإمدادات».

وأكد أنه «في العام الماضي أنجزت (أرامكو) السعودية أضخم برنامج استثماري في تاريخها بتكلفة تجاوزت 100 مليار دولار، شملت مشاريع كبرى في مجال البترول والغاز وسوائل الغاز الطبيعي، والتكرير والبتروكيماويات. وقد مكنت مشاريع البترول والغاز المملكة من زيادة طاقتها الإنتاجية القصوى إلى 12.5 مليون برميل في اليوم، وهي قدرة لا تضاهى في الصناعة البترولية، والأهم أنها تنطوي على أخبار سارة فيما يتعلق بأمن الطاقة».

وشدد على تركيز السعودية على تركيبات الوقود الأقل تلويثا للبيئة، وتكنولوجيا المحركات النظيفة.

وعلى الصعيد المحلي، تقوم بتنفيذ خطة لخفض نسبة الكبريت في أنواع مختلفة من الوقود المستخدم في المملكة، مبينا أنه إلى جانب الابتكار، تأتي الريادة المعرفية كاستراتيجية جديدة للمحافظة على الطاقة، ويسهم مركز الملك عبد الله للدراسات والأبحاث البترولية، وهو مركز عالمي لأبحاث ودراسات الطاقة والبيئة، بآرائه ومعارفه المفيدة في متابعة أوضاع الطاقة العالمية. وأفصح عن استراتيجية أخرى للمملكة فيما يتعلق بالطاقة الذكية، مشيرا إلى أنها تتمثل في تطوير الطاقات البديلة، حيث تلتزم المملكة بإجراء الأبحاث مع تصنيع وتسويق المصادر الواعدة من تلك الطاقة، كما ينعكس تنوع الاهتمام بالطاقة في المملكة بصورة أكبر من خلال مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، التي تم إنشاؤها حديثا، لبحث وتطوير هذه المصادر.

وبين أن الطاقة الشمسية تعد أحد الاهتمامات التنموية للمملكة، ويتضح تحول السعودية إلى اقتصاد المعرفة الذي يستفيد من خبرات الطاقة والموارد من خلال الاستثمارات التي تركز على الأبحاث والتطوير، مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وتتمثل مهمتها في إيجاد حلول عالمية من خلال أبحاث تعاونية تشمل التركيز بشكل واسع على استخدامات الطاقة الشمسية، حيث تضم مركزا مهما لأبحاث هندسة الطاقة الشمسية والبديلة، وهو مركز مكرس لإضفاء الجدوى التجارية على الطاقة الشمسية من خلال خفض تكاليفها.

وأوضح الوزير النعيمي أن حصة الطاقة المتجددة من مزيج الطاقة اليوم لا يزيد على 2 في المائة، وتوقع أن تصل هذه الحصة إلى 4 في المائة بحلول عام 2030، مبينا أنه في حال تطورت هذه الحصة بصورة أسرع لتتضاعف في هذين العقدين، فإن ذلك سيكون تقدما جيدا، ولكننا مع ذلك لا نزال نتطلع إلى 8 في المائة.

وشدد على أن موقف السعودية لا يحبذ الحد من استخدام الوقود الأحفوري بشكل قد يحد كثيرا من النمو الاقتصادي والاجتماعي، بل إن الهدف هو تزويد السوق بالبترول للمساعدة في التنمية والرخاء الاقتصادي، مع تحسين الأداء البيئي للنفط من خلال البحث والتطوير المستمرين، والمساهمة في تنويع مصادر الطاقة من خلال تطوير الطاقات المتجددة. ونحن، إلى جانب منتجي المصادر الأخرى، نرحب بالطاقة الذكية ومصادرها المتجددة ضمن مزيج حيوي للطاقة، على حد تعبيره.

وأكد أن الهدف من استخدام المملكة للطاقة على النحو الأمثل يتضح كأفضل ما يكون من خلال اختيارها للطاقة الشمسية كوسيلة لتحقيق مرونة الوقود فيها، فاستخدام الطاقة الشمسية في سد بعض الاحتياجات يمكن المملكة في نهاية المطاف من أن تحد من استهلاكها من البترول والغاز محليا، وبالتالي يسمح بتصدير المزيد من البترول لعملاء المملكة في آسيا وأماكن أخرى من العالم. ولفت إلى أنه في حال كان المنتجون والمستهلكون يقرون بأن كل الطاقات الممكنة لها دورها في تلبية الطلب المستقبلي، فيجب الالتزام بتحسين وتحقيق الوفرة والسهولة والاستدامة لجميع هذه الموارد، وأن تستخدم الطاقة بحكمة وكفاءة، وقال: «أنا على يقين بأن أذكى أيام الطاقة، وبالتالي أفضل أيام البشر جميعا هنا في آسيا وفي كل مكان، لا تزال أمامنا تنتظرنا».