مسؤولو «الاحتياط الفيدرالي» يدافعون عن سياسة «التيسير الكمي» وسط هجوم مكثف

الانتقادات تناولت ثلاثة محاور

رئيس الإحتياط الفيدرالي بنيويورك (يسار) يشرح فوائد سياسة التيسير الكمي ( رويترز)
TT

مع تعرض مصرف الاحتياط الفيدرالي لهجوم في الداخل والخارج، يقوم المصرف بمحاولة علنية غير عادية لإبقاء نفسه بعيدا عن التراشق السياسي.

وبعد تعرضه لسيل من النقد على مدار الأسبوع الماضي - من قبل زعماء أجانب ومسؤولين نيابيين وخبراء اقتصاديين إلى جانب ألان غرينسبان، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي السابق، خرج مسؤولو مصرف «الاحتياطي الفيدرالي» لتوضيح جهودهم الرامية للإنقاذ عبر ضخ 600 مليار دولار إضافية إلى الاقتصاد الأميركي المتراجع.

وأحد دواعي القلق بالنسبة لمراقبي أداء مصرف الاحتياطي الفيدرالي بالإضافة إلى المدافعين عنه هو أن بعض الانتقادات المحلية قد تعني ضمنا الاعتراض على الاستقلال التقليدي لمصرف الاحتياط الفيدرالي في تحديد السياسة النقدية من دون تدخل سياسي.

وفي مقابلة علنية نادرة، قال ويليام دادلي، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك إن الخطوة التي اتخذها مصرف الاحتياط الفيدرالي لم تكن تستهدف التأثير على قيمة الدولار، ولكنها كانت تستهدف بدلا من ذلك تشجيع انتعاش أسرع وأقوى للاقتصاد الأميركي يساعد أيضا في تحقيق النمو الدولي.

وقال دادلي: «ليس لدينا أي هدف فيما يتعلق برفع قيمة الدولار أو خفضه. وهدفنا هو تحسين الأوضاع المالية وتحفيز توسع اقتصادي أقوى ونمو أكثر سرعة لعملية التوظيف».

وفي مقابلة مع جريدة «وول ستريت جورنال»، دافعت نائبة رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي الجديدة، جانيت يلين، عن القرار بعبارات مشابهة على نحو واسع. وقالت: «أواجه وقتا عصيبا وأنا أدرس من أين يمكن أن يأتي النمو القوي بالفعل. وأنا أرى أن التضخم سوف يحوم حول المستويات الحالية لفترة طويلة». وذكرت يلين أنها «لم تكن سعيدة لرؤية الاحتياطي الفيدرالي متورطا في جدل سياسي».

ووصلت تعليقات دادلي، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة، التي تضع السياسات النقدية وتعليقات يلين إلى مستوى رد غير معتاد، وهو أول رد يقدمه مسؤولون فيدراليون بارزون على الأصوات التي انتقدت قرارهم خلال الشهر الحالي بضخ المزيد من الأموال إلى النظام المصرفي. وتهدف الخطة إلى دفع الانتعاش الاقتصادي عبر شراء سندات حكومية من أجل تقليل معدلات الفائدة طويلة الأجل.

وقال كينيث فروت، أستاذ التمويل الدولي في كلية التجارة بجامعة هارفارد: «يحتاج مصرف الاحتياط الفيدرالي إلى إصدار بياناته بشكل أكثر وضوحا بسبب تقلب الأوضاع السياسية في الوقت الحالي. وهذه حالة نادرة جدا حيث يتم الاعتراض على السلطة الأساسية التي نضعها في مؤسسات مثل مصرف الاحتياط الفيدرالي بشكل أكبر من أي وقت مضى من قبل الخبراء السياسيين والاقتصاديين الذين غالبا ما يتم الربط بينهم وبين أحزاب سياسية».

* قلق بشأن السندات:

* كانت أسواق السندات قد تعرضت لموجة متزايدة من القلق بفعل الإجراءات التي اتخذها مصرف الاحتياطي الفيدرالي. وخلال يوم الاثنين الماضي، انخفضت أسعار السندات وقفزت العائدات نتيجة للمخاوف التي انتابت المستثمرين. وكانت الانتقادات تميل إلى الاعتماد على ثلاثة محاور، حيث اتهم بعض المراقبين مصرف الاحتياطي الفيدرالي بإضعاف الدولار بشكل متعمد لجعل الصادرات الأميركية أكثر تنافسية، وعبر آخرون عن تخوفهم من أن قرار «الاحتياطي الفيدرالي» يمكن أن يفاقم من حدة التضخم بمرور الوقت. ومع ذلك، هناك مراقبون آخرون يقولون إن سياسة «الاحتياطي الفيدرالي» سوف تكون غير فاعلة في ظل غياب حافز مالي إضافي.

وشعر مسؤولو «الاحتياطي الفيدرالي» بقلق واضح إزاء رأي غرينسبان الذي نشر في جريدة «فاينانشيال تايمز» يوم الخميس الماضي في بداية اجتماعات مجموعة الدول العشرين بالعاصمة الكورية الجنوبية سيول. وقال غرينسبان إن الولايات المتحدة «كانت تنفذ سياسة إضعاف العملية» وتزيد من مخاطر سياسة الحماية الاقتصادية والتجارية.

وفي خطاب مفتوح موجه لبن بيرنانكي، رئيس «الاحتياط الفيدرالي» يوم الاثنين الماضي، حث مجموعة من الخبراء الاقتصاديين المحافظين والكتاب والمستثمرين على «إعادة النظر في الإجراء الذي اتخذه (الاحتياط الفيدرالي) ووقف العمل به» مؤكدين على أن عمليات شراء السندات «تهدد بخفض قيمة العملة والتعرض للتضخم».

وضمت المجموعة مايكل بوسكين، الرئيس السابق لمجلس الاستشاريين الاقتصاديين في البيت الأبيض، والمؤرخ نيال فيرغسون ودوغلاس هولتز إياكين، المدير السابق لمكتب الموازنة في الكونغرس والخبير الاقتصادي جون تايلور، أحد أبرز منتقدي بيرنانكي. ولم يحدد دادلي أي ناقد، ولكنه أشار إلى أن الانتقادات ليس لها أي أساس من الصحة. وقال دادلي مكررا بيانات الرئيس أوباما ووزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر: «ليس هناك أي صراع طويل الأمد بين ما تحاول الولايات المتحدة إنجازه وما تحاول الدول الأخرى تحقيقه؛ حيث إن الانتعاش الاقتصادي القوي في الولايات المتحدة يخدم مصالح الاقتصاد العالمي».

وعلى الرغم من تصريحات دادلي بأن التأثير على الدولار طفيف للغاية، فإنه اعترف أنه لدى ضبط معدلات الفائدة «ستكون هناك المزيد من العواقب بالنسبة للدولار، وقد شهدنا بعض الضعف الذي انتاب سعر صرف الدولار في هذه الفترة، لكن ذلك لا يبدو استثنائيا بالنظر إلى التغيرات التي شهدناها في معدلات الفائدة في الولايات المتحدة مقارنة بالفائدة في الخارج».

وقد رفض دادلي الاعتقادات التي قالت إن الاحتياط الفيدرالي يعد الساحة من أجل تضخم مالي يتعذر السيطرة عليه خلال السنوات القليلة المقبلة. وقال إن الاحتياط الفيدرالي يملك الأدوات الكفيلة بتجفيف الاحتياطيات البنكية الموضوعة على قائمة حسابه. وقال نحن على يقين من أن هذه الأدوات ستكون فاعلة في الحفاظ على مراقبة التضخم، ونحن على استعداد كامل لاستخدام هذه الأدوات عند الحاجة إلى ذلك، لتلافي مشكلة التضخم المالي، مشيرا إلى أن التضخم المالي لا يمثل السبيل إلى الخروج من الأزمة الحالية.

وأوضح دادلي أن جهود الاحتياط الفيدرالي، حققت مقاصدها المستهدفة، فمنذ أغسطس (آب) عندما لمح الاحتياط الفيدرالي إلى أنه ربما يتخذ المزيد من الإجراءات لدعم التعافي المالي، ارتفعت أسعار الأسهم، وانخفضت معدلات الفائدة طويلة الأمد. وهو ما يسهل على العملاء شراء المنازل أو إعادة تمويل الرهن العقاري وعمليات الاقتراض والاستثمار بالنسبة للشركات.

وأضاف: «لقد شهدنا أوضاعا مالية أكثر استقرارا خلال تلك الفترة، واعتقاد أن التوقعات ببرنامج ثان واسع النطاق لشراء أصول كانت المحرك الأساسي لهذه التغيرات»، وواصل دادلي: «على الرغم من ذلك، لا ينبغي للمرء النظر إلى هذه الأداة كدواء سحري لكل العلل، أو عصا سحرية ستعمل على تعافي الاقتصاد بسرعة كبيرة. وقال إن تحرك الاحتياط الفيدرالي، المعروف باسم التيسير الكمي لن تكون ذات فاعلية كبيرة، لكنها على الرغم من ذلك ضرورية لخفض المجازفة بوقوع ركود كبير».

وقال: «سيكون طريقا طويلا ووعرا للوصول إلى توسع قوي وصحي، لكن ذلك سيكون عاملا مساعدا أكثر منه عاملا ضارا».

وتتزايد الشكوك بشأن السياسة المالية للحكومة، سواء تم تمديد خفض الضرائب الذي طبق في عهد الرئيس بوش أم لم يمدد. وعلى المدى الطويل تدور الأسئلة حول كيف ستتحكم الدولة في هذا العجز الذي وصل إلى مستويات قياسية وزاد من صعوبة الانتعاش المالي.

وعندما سئل دادلي عما إذا كان المأزق المالي قد أجبر الاحتياط الفيدرالي على التصرف، قال: «سنقلق بشأن ما يمكننا القلق بشأنه، وهو السياسة المالية. والاحتياط الفيدرالي يعمل على تنفيذ الأوامر الصادرة له».

وعرض دادلي، الذي انضم إلى الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك عام 2007 مقبلا من مصرف «غولدمان ساكس» حيث كان يشغل منصب كبير الاقتصاديين، عرض أيضا تفاصيل حول تطور نظرة الاحتياط الفيدرالي. وقال دادلي، في مقابلة معه في الربيع الماضي: «سندخل العام المقبل ونحن نحمل توقعات بتحسن الاقتصاد، وقد بدأنا نشهد مبشرات بذلك من انتعاش صحي في الوظائف في القطاع الخاص، لكن بحلول الصيف بدأ النمو في التوقف، وتقدر الآن نسبة النمو بنحو 2 في المائة سنويا وقد انخفض العجز وسيتواصل الانخفاض في العجز بصورة أكبر»، وقال: «كان الاقتصاد عرضة لهزة كبيرة يمكن أن تودي بنا إلى انكماش كبير».

وخلال محاضراتهم الأخيرة، ذكر دادلي وتشارلز إيفانز رئيس فيدرالي شيكاغو إمكانية السماح بارتفاع معدلات التضخم في المستقبل لتعويض الانخفاض الكبير في التضخم، وهو ما يعرف باسم استهداف مستوى الأسعار. لكن دادلي أكد في مقابلة أنه لا يوافق على هذه الطريقة. وقال دادلي: «المشكلة في استهداف مستوى الأسعار هو أنه من الصعب تفسير ما تصنع بصورة لا تخلق توترا أكبر بشأن استهداف التضخم على المدى البعيد. ومن ثم نحن نرغب في أن يدرك الأميركيون أننا ملتزمون باستقرار الأسعار على المدى البعيد».

وقد رفض دادلي مناقشة المشاورات بشأن اللجنة المالية. لكنه اعترف بأن القرار لم يكن سهلا، وقال: «يمكن للأشخاص العقلانيين أن يخالفونا الرأي حول ضخامة التكلفة مقابل ضخامة الفوائد. ومن المعقول تماما توقع ألا ينظر الجميع إلى الأمر بنفس الصورة، لأن هذه السياسات لم تستخدم في السابق».

*خدمة «نيويورك تايمز»