رئيس الاتحاد الأوروبي يحذر من أزمة الديون على مستقبل «بقاء المجموعة»

آيرلندا ترفض المساعدات.. وألمانيا تضغط

TT

فجرت أزمة الديون الآيرلندية خلافا كبيرا داخل الاتحاد الأوروبي يهدد مستقبل بقائه، فيما تفاعلت الأزمة لتطول اليورو الذي انخفض إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار، فيما ابتعد المستثمرون عن السندات السيادية لبعض دول أوروبا بعد أن قالت ألمانيا إن عليهم أن يتحملوا جزءا من أعباء أموال الإنقاذ. ويأتي هذا التطور وسط خلاف واسع حول ميزانيشة الاتحاد للعام المقبل. ورغم أن كلا من ألمانيا وصندوق النقد الدولي وعددا من المسؤولين في الاتحاد أعربوا عن الجاهزية لضخ أموال في شرايين الاقتصاد الآيرلندي وإنقاذ آيرلندا من أسوأ أزمة مالية، فإن آيرلندا تقول إنها ليست بحاجة لمساعدة في الوقت الراهن وأنها تستطيع الصمود حتى يونيو (حزيران) المقبل. أمام هذه التداعيات انخفض اليورو أمس قريبا من أدنى مستوى له في نحو سبعة أسابيع أمام الدولار الأميركي مع تأثر معنويات المستثمرين بمشكلات الديون وما يحمله المستقبل من متاعب للاقتصاد الأوروبي.

حذر رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي، أمس، من أن منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي بأسره «لن يبقيا» إذا لم تحل أزمة الديون الباهظة التي ترزح تحتها ميزانيات بعض الدول الأعضاء، في حين تتنامى المخاوف بشأن الوحدة النقدية.

وقال فان رومبوي، في كلمة بـ«مركز السياسة الأوروبية» للدراسات في بروكسل «نواجه أزمة تتعلق ببقائنا». وأضاف «علينا العمل جميعا بالتشاور لنؤمن بقاء منطقة اليورو، لأنه إذا لم تبق منطقة اليورو فإن الاتحاد الأوروبي لن يبقى أيضا». وتابع رئيس المجلس الأوروبي قائلا إن «السنة الأولى من معاهدة لشبونة» التي دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2009 «تميزت بأزمة منطقة اليورو التي كانت فترة تحد ولم تنته بعد». وأضاف «لكنني واثق من أننا سنتجاوز ذلك». وتأتي تصريحات فان رومبوي بينما تشهد منطقة اليورو اضطرابات جديدة بسبب مخاوف تثيرها آيرلندا وكذلك البرتغال واليونان أو حتى إسبانيا، وهي دول تعاني من عجز كبير في موازناتها.

وسينكب وزراء مالية الدول الست عشرة في منطقة اليورو، الذين يجتمعون بعد ظهر السبت في بروكسل، على دراسة الوضع. وتواجه دبلن خصوصا ضغوطا من بعض شركائها، لا سيما من البنك المركزي الأوروبي، لقبول مساعدة مالية أجنبية، بهدف تعويم مصارفها وضمان أسواقها وتفادي ظاهرة انتقال العدوى إلى الدول الأخرى في منطقة اليورو. لكن السلطات الآيرلندية ترفض هذه المساعدة حتى الآن.

وصرح رئيس الوزراء الآيرلندي براين كوين، مساء الاثنين، للإذاعة الآيرلندية العامة «آيرلندا لن تطلب أي مساعدة مالية لأننا نتمتع بملاءة مالية تامة حتى منتصف العام المقبل». من جانبه، قال ديك روش، وزير الشؤون الأوروبية الآيرلندي، في لندن أمس، إنه لا يوجد ما يدعو لأن توقد آيرلندا شرارة عملية إنقاذ دولية، وإنه ينبغي ألا يصاب وزراء المالية الأوروبيون بالفزع. وأبلغ روش راديو هيئة الإذاعة البريطانية «آمل بعد اجتماع وزراء المالية والاقتصاد بعد ظهر اليوم وغدا أن يكون هناك مزيد من المنطق في هذا الأمر. آمل ألا يوجد ما يدعو لأن نوقد شرارة عملية إنقاذ من صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي».

وأضاف «توجد مشكلة في السيولة لدى البنوك، وما من شك في ذلك. لكن لا أعتقد أن رد الفعل المناسب على ذلك هو أن يصاب وزراء المالية الأوروبيون بالفزع».

وذكر فان رومبوي أن منطقة اليورو سبق أن مرت بفترة صعبة جدا في الربيع مع الأزمة اليونانية وعدوى انتقالها إلى مجمل منطقة اليورو. واضطرت الدول الأوروبية في تلك الفترة إلى المسارعة لإنقاذ أثينا ثم لإنشاء صندوق إنقاذ للدول الأخرى في منطقة اليورو إذا دعت الحاجة. وقال «أثناء أزمة اليورو أثبت الاتحاد الأوروبي تصميمه، وقد يتعين عليه أن يثبت ذلك مرة أخرى».

ويواجه رئيس الاتحاد الأوروبي وضعا حساسا، لأن إدارة الأزمة الحالية تثير خلافات بين مسؤولين أوروبيين. ويدفع البنك المركزي الأوروبي باتجاه خطة عمل سريعة لأنه يخشى حصول تداعيات خطيرة على سوق قروض الدولة. وتدعمه في ذلك دول مثل البرتغال وإسبانيا تريد أن تتجنب بدورها الوقوع في العاصفة. لكن عواصم أخرى لا تنظر بعين الرضا كلية إلى هذه الضغوط، بحسب دبلوماسيين. من جهة أخرى، تقوم بعض الدول الأوروبية بتسوية حساباتها علنا.

واتهم رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو، الاثنين، برلين بأنها وراء الزيادة الكبيرة في معدلات الفوائد الأسبوع الماضي، والتي دفعتها آيرلندا والبرتغال لأنها أرادت حمل المستثمرين في القطاع الخاص على الدفع في حال تقصير أي دولة، وذلك في إطار صندوق الإنقاذ الدائم لمنطقة اليورو الذي يجري البحث فيه حاليا والذي سيوضع موضع التطبيق اعتبارا من 2013.

ومن المخاطر التي تواجهها دول الاتحاد، إلى جانب أزمة الديون التي يمكن أن تنفجر في أية لحظة، احتمالات صعود التضخم. وفي هذا الصدد أظهرت بيانات أمس أن ارتفاع أسعار الوقود دفع التضخم في منطقة اليورو للصعود في أكتوبر «تشرين الأول»، مؤكدا تقديرات سابقة بأن ارتفاع الأسعار سيظل عند المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي.

وقال مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي «يوروستات» إن أسعار المستهلكين في منطقة اليورو التي تضم 16 دولة ارتفعت 0.4 في المائة على أساس شهري في أكتوبر (تشرين الأول)، وزادت 1.9% على أساس سنوي. وكان اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا زيادة شهرية بمعدل 0.3 في المائة وسنوية بمعدل 1.9 في المائة. وأضاف أن أسعار وقود المواصلات ارتفعت 0.44 نقطة مئوية لمعدل التضخم السنوي، في حين أضاف وقود التدفئة 0.14 نقطة مئوية. وارتفعت أسعار الطاقة بشكل عام 0.6 في المائة خلال الشهر، وبمعدل سنوي 8.5 في المائة.

لكن رغم ذلك فإن معنويات المستثمرين الألمان ترتفع، والثقة تتزايد في مستقبل النمو الاقتصادي، حيث أظهر مسح أمس الثلاثاء أن ثقة المحللين والمستثمرين الألمان ارتفعت أكثر من المتوقع في نوفمبر (تشرين الثاني) مع التفاؤل المتنامي بشأن سوق العمل والمناخ الاقتصادي العالمي.

وأظهر الاستطلاع الشهري لمعهد «زد اي دبليو» أن الثقة في الاقتصاد ارتفعت إلى 1.8% في المائة من – 7.2 في أكتوبر، مسجلة أعلى مستوياتها منذ أغسطس (آب). وارتفع اليورو أمام الدولار بعد صدور البيانات. واستند المؤشر إلى مسح شمل 277 محللا ومستثمرا، وأجري خلال الفترة من الأول إلى الخامس عشر من نوفمبر. وأشار متوسط توقعات محللين استطلعت «رويترز» آراءهم الأسبوع الماضي إلى مستوى ثقة عند - 7.

* تزايد الخلافات

* تعارض فنلندا الضغط على آيرلندا حتى تطلب سريعا حزمة إنقاذ من الاتحاد الأوروبي، وتقول إن المعونة المالية الأوروبية يجب أن تكون الخيار الأخير. ويناقش وزراء مالية منطقة اليورو أزمة ديون آيرلندا وسط تقارير عن أن بعض دول الاتحاد الأوروبي تريد من دبلن أن تطلب مساعدات مالية أوروبية طارئة لتهدئة الأسواق ومنع المخاوف بشأن الديون من الامتداد لدول أخرى مثل البرتغال. وقال مصدر أوروبي مطلع: «تعارض فنلندا بقوة الموقف الألماني الذي يدعو لاستخدام الآلية لمجرد تهدئة الأسواق». وأضاف «لم توجد الآلية لمثل هذا الغرض». ويتم اتخاذ القرارات بين وزراء المالية حول تفعيل آلية تسهيل الاستقرار المالي الأوروبي، التي ربما تحتاجها آيرلندا، بالإجماع، ولذلك فإن وجهة نظر فنلندا تتخذ أهمية كبيرة مثل باقي آراء الأعضاء الآخرين في منطقة اليورو.

وتأتي معارضة فنلندا القوية، لأن تطلب دبلن المساعدة، لاعتقادها أنه ينبغي التمسك بالقوانين، ولكن توجد أيضا اعتبارات سياسية محلية، إذ إن هناك انتخابات في فنلندا العام المقبل، في ظل معارضة شعبية لمزيد من إجراءات الإنقاذ.

وفي فيينا، أعلن وزير المالية النمساوي جوزيف برول، أمس إن اليونان لم تف بتعهداتها في مجال تحسين ماليتها العامة، مضيفا أن النمسا قد لا تسدد في ديسمبر (كانون الأول) مساهمتها في خطة المساعدة لأثينا. وقال برول، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء النمساوية: إن اليونان لم تف بتعهداتها على مستوى الضرائب، بحسب ما تشير إليه آخر المعلومات. وتهدد فيينا بالتالي، بعدم تسديد مساهمتها البالغ قيمتها 190 مليون يورو الشهر المقبل. وقال الوزير: «إن المعطيات التي لدينا لا تعطينا أي سبب للموافقة على دفعة ديسمبر». وتوعد بـ«الحديث بصورة انتقادية جدا» حول هذا الموضوع في بروكسل. وسيجتمع وزراء مالية كل دول الاتحاد الأوروبي اليوم في بروكسل.

ورد المتحدث باسم المفوضية الأوروبية المكلف بالمسائل الاقتصادية أمادو التافاج على ذلك بالقول «إن بعثة المفوضية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي وصلت يوم الاثنين الماضي إلى اليونان وستكون منهمكة طيلة الأسبوع. وعلى أساس تقييمها للوضع ستدعى الدول الأعضاء (في الاتحاد الأوروبي) إلى اتخاذ قراراتها» بشأن تسديد الدفعة المقبلة من القروض. وقال لوكالة «فرانس برس»: «من السابق لأوانه بالتالي إعطاء رأي بشأن نتائج هذا التقييم».

وتنظم هذه البعثة في العادة قبل تسديد كل دفعة من قرض الـ110 مليارات يورو لليونان التي تم الاتفاق عليها في مايو (أيار) لليونان.

من جانبها، قالت ألمانيا إن آيرلندا تقول إنها لا تحتاج مساعدة من الاتحاد الأوروبي والأمر يرجع لها. وقال وزير الاقتصاد الألماني راينر برودرله أمس: إن الأمر يرجع إلى آيرلندا لتقرر ما إذا كانت ستطلب مساعدة من الاتحاد الأوروبي، مضيفا أنه لا يعتقد أنها ستكون في حاجة إلى ذلك. وقال برودرله في مؤتمر صحافي بعد اجتماعه مع وزير الصناعة الإيطالي: «الأمر يرجع إلى آيرلندا لتتخذ قرارا بشأن مساعدة من الاتحاد الأوروبي، لكن أعتقد أنها لا تحتاج ذلك». وأضاف أنه يجب اتخاذ إجراءات متزامنة لمواجهة الأزمة داخل منطقة اليورو. وتأتي تصريحات برودرله في الوقت الذي يسعى فيه وزراء مالية منطقة اليورو لإيجاد مخرج لأزمة ديون آيرلندا، بينما تعارض دبلن طلب المساعدة لنفسها، قائلة إن بنوكها هي التي قد تحتاج إلى مساعدة.

* فشل المفاوضات بشأن الموازنة

* تصاعدت الأزمة التي يمر بها الاتحاد الأوروبي بشأن موازنة العام المقبل، وذلك في أعقاب فشل المفاوضات التي جرت بعد ظهر الاثنين واستمرت حتى الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، وفي تعليق على فشل التفاوض بين البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء بحضور المفوضية الأوروبية، حذر رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي من مغبة انهيار مالي أوروبي كامل في حال استمرار الخلاف على إقرار موازنة الاتحاد للعام المقبل، وقال: «إن استمرار المشكلات المالية لدى بعض الدول الأعضاء يساهم في تعقيد الوضع، ويضع على المحك العملة الأوروبية الموحدة ومستقبل الاتحاد»، كما حذر الجهاز التنفيذي الأوروبي من الآثار السلبية لـ«فشل» المفاوضات حول الموازنة بين الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي، وقالت مصادر المفوضية ببروكسل: «من شأن ذلك أن يؤدي إلى تجميد الكثير من استثمارات الدول الأعضاء، مما يلحق أضرارا فادحة بالاقتصاد الأوروبي».

والخلاف على الموازنة الأوروبية يتمحور حول عدة أمور من بينها مساهمات الدول الأعضاء فيها، وطرق توزيع التكاليف المالية للمؤسسات الأوروبية، ويرى الكثير من المراقبين في بروكسل أن مصير المشاريع الأوروبية للعام المقبل يتوقف على النقاش الساخن الذي يجري منذ أسابيع في البرلمان الأوروبي حول الميزانية السنوية الأوروبية المقبلة وفي النهاية لم يسفر عن نتيجة. ويقول المراقبون إنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق، فإن أوروبا مهددة بتقشف شديد العام المقبل وستضطر إلى إدارة نفقاتها بشكل شهري وإلى التراجع عن الكثير من ورشات بناء مؤسساتها الجديدة.

ويذكر أن الخلاف بين الحكومات والنواب حول نسبة الزيادة في الميزانية الأوروبية تم تجاوزه الخميس الماضي.. فبعدما كان البرلمان الأوروبي يطالب برفع نسبة الزيادة إلى 6 في المائة لتأمين حاجات الاتحاد وشعوبه، أصرت الحكومات على عدم تجاوزها نسبة 2.9 في المائة للالتزام بخططها التقشفية.. لتبلغ بالتالي ميزانية الاتحاد الأوروبي 126.5 مليار يورو. من بين الورشات الأوروبية الكبرى المهددة بالتبخر في حال عدم التوصل إلى اتفاق، مشروع الميزانية، وخطط إنشاء ممثليات دبلوماسية للاتحاد الأوروبي في الخارج، إضافة إلى مشروع تأسيس وكالات أوروبية لمراقبة نشاط الأسواق المالية.

إلى ذلك، انطلقت أمس (الثلاثاء) في بروكسل أعمال الاجتماع الوزاري لمجلس «إيكوفين» الاقتصادي الأوروبي، التي تستغرق يومين بمشاركة وزراء المال والاقتصاد في دول التكتل الموحد، ويأتي الاجتماع في وقت تتصاعد فيه الاحتمالات بأن تواجه منطقة اليورو التي تضم 16 دولة تتعامل بالعملة الموحدة، أزمة جديدة على غرار الأزمة اليونانية. وبحسب الكثير من المراقبين في بروكسل، أصبحت آيرلندا وبعدها البرتغال الأقرب إلى مواجهة الأزمة نفسها التي واجهتها اليونان وانتهت إلى برنامج إنقاذ لمساعدتها على تجاوز أزمة العجز في الموازنة، وبالنسبة إلى آيرلندا، نقلت تقارير إعلامية عن مصادر من الاتحاد الأوروبي أن محادثات جارية بشأن برنامج إنقاذ محتمل، واستبعدت تلك المصادر قدرة آيرلندا على إدارة ديونها دون مساعدة. ويوم الأحد الماضي لم يستبعد وزير رفيع حاجة آيرلندا إلى مساعدة محتملة. وقال ديك روش، وزير الدولة للشؤون الأوروبية: «القول بأن آيرلندا على وشك أن تدق باب صندوق النقد الدولي (طلبا للمساعدة) أو تحتاج إلى برنامج إنقاذ من الاتحاد الأوروبي، خاطئ، بكل بساطة، ولكن إذا اتسع نطاقه أكثر قد يكون خطيرا جدا»، وتابع: «المحادثات مستمرة بشأن مستوى الدين، ولكن التلميح بأن هذا يعني اللجوء إلى صندوق النقد أو برنامج إنقاذ، هو عمل غير مسؤول»، وتواجه البرتغال من جهتها متاعب داخلية شرسة في تمرير حزمة التقشف التي فرضها عليها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي.