«بوينغ» و«إيرباص» تدرسان فرص تطوير المحركات والطائرات.. لتقليل تكلفة التشغيل

في مواجهة المنافسة من الصين وروسيا

مهندس في شركة «إيرباص» يفحص بعض الأجزاء الميكانيكية ( نيويورك تايمز)
TT

تخوض «بوينغ» و«إيرباص» مناورات مرتفعة المخاطرة في الفترة الأخيرة، لكنها لا تتعلق بالنماذج الأكثر تطورا لدى كل منهما، «787 دريملاينر» والطائرة النفاثة الضخمة طراز «A380K»، وإنما تتعلق بالطائرات المتهالكة الأصغر حجما بحوزتهما. والمعروف أن الشركتين تميزتا منذ أمد بعيد باستعدادهما لخوض مخاطر كبرى. إلا أنه نظرا للمشكلات والتكاليف المرتبطة بالطائرات الضخمة، شرعت الشركتان في التحلي بحرص أكبر حيال الاستجابة للضغوط التي تتعرض لها شركات الطيران لتطوير بدائل أكثر ترشيدا في استهلاك الوقود لطائراتهما الأصغر (737 وA320).

من جانبهم، أشار خبراء بمجال الطيران إلى أن الإنجازات التي تحققت بمجال تقنية المحرك تتيح فرصة نادرة لإدخال تعديلات هندسية على الطائرات من طرازي 737 وA320، اللذين يشكلان ثلاثة أرباع أساطيل شركات الطيران الكبرى. بيد أنه في الوقت الذي يمكن للمحركات الجديدة توفير مئات ملايين الدولارات سنويا لشركات الطيران، فإن «إيرباص» ستضطر لاستثمار ما يتراوح بين 1.5 وملياري دولار - وربما تحتاج «بوينغ» لاستثمار ضعف ذلك - لاختبار ودمج المحركات الجديدة بالطائرات.

وأوضحت الشركتان أن ذلك من شأنه إجبارهما على إرجاء خطط لتصميم طرز جديدة من الطائرات من شأنها تحقيق توفير أكبر في الأموال في نهاية الأمر.

خلال مقابلة أجريت معه، قال جيمس إف. ألبو، الرئيس التنفيذي لـ«بوينغ كمرشال إيربلينز»، وهي وحدة تتبع «بوينغ» إن من المحتمل أن توقف شركته جهود تغيير المحرك وتعمد، بدلا من ذلك، إلى إنتاج طائرة جديدة بحلول عام 2020.

واعترف مسؤولون في «إيرباص» بوجود انقسام في صفوف كبار مسؤوليهم التنفيذيين حيال ما ينبغي فعله، مشيرين إلى أنهم ينوون التوصل لقرار نهائي قريبا. وأعرب غالبية المحللين عن اعتقادهم أن «إيرباص» ستركب المحركات الجديدة وستعدل طراز A320 بحلول عام 2015 لكسب حصة أكبر من السوق من يد «بوينغ»، في الوقت الذي ستعكف على وضع تصميمها الجديد. إلا أنه مع تجاوز أسعار النفط مجددا حاجز الـ80 دولارا، أشار مسؤولون تنفيذيون بشركات طيران إلى أنهم أملوا في سماع أنباء أفضل حول التوصل لحلول أسرع.

جدير بالذكر أن طرازي 737 وA320، اللذين يتراوح عدد المقاعد بكل منهما بين 150 و180 مقعدا، شكلا العمود الفقري لنظام النقل الجوي طيلة عقود. ويتولى أكثر من 10 آلاف من هذه الطائرات نقل الركاب ذهابا وإيابا بين المطارات الكبرى داخل الولايات المتحدة وقارات أخرى.

أما فيما يخص ترشيد استهلاك الوقود، أوضح مايكل جي. فان دي فين، رئيس العمليات بشركة «ساوث ويست إيرلاينز»، وهي من أكبر عملاء «بوينغ»، أنه «لم نشهد أي تحسن كبير منذ تسعينات القرن الماضي». وأردف أنه مع ارتفاع أسعار التذاكر «فإنه إذا كان هناك سبيل واحد يمكنك من خلاله تحسين الأوضاع الاقتصادية لهذه الصناعة، فهو طرح طائرة جديدة». واعترفت «بوينغ» و«إيرباص» بتعرضهما لضغوط مالية شديدة بسبب التأخير المرتبط بالطائرات الأكبر بما لا يتيح لهما إمكانية الشروع مباشرة في تصميم طائرة نفاثة جديدة، الأمر الذي ربما تتراوح تكلفته بين 7 و10 مليارات دولار.

وقال ألبو، الرئيس التنفيذي لـ«بوينغ»: إنه بالنظر إلى الاختيار بين الحصول على محركات جديدة في 5 سنوات أو طائرة جديدة تماما في 10 سنوات، فإن معظم شركات الطيران ستفضل الانتظار. وبينما بإمكان المحركات الجديدة الإسهام في خفض تكاليف التشغيل لطائرة جديدة بنسبة 15%، حسبما أفاد ألبو، فإن تكاليف التعديل والتكاليف الأخرى اللازمة لإضافة هذه المحركات إلى الطائرات طراز 737 يمكنها تقليص مجمل نسبة المدخرات إلى أقل من 5%.

وأضاف ألبو: «الكثيرون يؤيدون الشروع في تزويد الطائرات بمحركات جديدة، لكن التساؤل الثاني هو: هل هناك من يشتريها؟».

ويقدر محللون أن «إيرباص» بإمكانها ادخار المزيد في إطار إجمالي تكاليف التشغيل لطائرة ما، بما يتراوح بين 7% و10%، عبر الاعتماد على المحركات الجديدة واتخاذ خطوات أخرى لتعديل A320.

إلا أن مسؤولين بارزين في «إيرباص» أعربوا، الشهر الماضي، عن قلقهم إزاء ما إذا كان لديهم عدد كاف من المهندسين للاضطلاع بجميع المهام المطلوبة.

وتكشف حيرة الشركتين حيال تركيب محركات جديدة في الطائرات الموجودة بالفعل - ما يعتبر بديلا مؤقتا - أيضا عن «حجم التغيير الذي سيطرأ على قواعد اللعبة الكبرى بين (بوينغ) و(إيرباص)»، حسبما أوضح ريتشارد إل. أبولافيا، نائب رئيس شؤون التحليل داخل «تيل غروب»، وهي شركة استشارية بمجال الطيران في فيرفاكس بفيرجينيا.

وفي الوقت الذي تهيمن فيه الشركتان على سوق الطائرات التجارية الضخمة على امتداد العقدين الماضيين، أبدت كل منهما رغبة عارمة في التفوق على الأخرى عبر تحقيق قفزات تقنية جريئة. ومع استعادة الطلب على الطائرات الجديدة لمستوياته قبل فترة الركود الاقتصادي، واجهت الشركتان قيودا بسبب الحاجة إلى تسوية مشكلات الإنتاج لديهما، حسبما شرح أبولافيا. يُذكر أن «بوينغ» متأخرة بمقدار ثلاثة أعوام تقريبا في تسليم أهم طائراتها «787 دريملاينر»، وهي أول طائرة نفاثة لنقل الركاب مصنوعة من مركبات كربونية خفيفة الوزن من المفترض أن تقلص تكاليف الوقود بصورة كبيرة. وخلال رحلة طيران تجريبية الأسبوع الماضي اندلع حريق، مما عزز توقعات المحللين بمزيد من التأخير في الدفعات الأولى التي سيتم تسليمها العام المقبل.

من جهتها، أعلنت «إيرباص»، الأسبوع الماضي، أنها تضغط من أجل إرجاء موعد تسليمها طائرات طراز A350 XWB، وهو طرازها المكافئ لـ«دريملاينر»، إلى نهاية عام 2013 بدلا من منتصف العام ذاته. وربما تتمكن «إيرباص» من إدخال مزيد من التغييرات على طائرتها النفاثة الضخمة A380 بعدما انتشر حطام صادر عن محرك أثناء رحلة لشركة «كانتاس إيروايز» في 4 نوفمبر (تشرين الثاني). كما يساور القلق «بوينغ» و«إيرباص» حيال ظهور منافسين جدد من كندا والصين وروسيا، وهي شركات تعمد إلى استغلال التقنيات الجديدة للمحركات لتصميم طائرات يمكن أن تستحوذ على نصيب من السوق من أيدي طرازي 737 وA320 خلال السنوات القليلة المقبلة. ويجري تطوير المحركات الجديدة من جانب «برات آند ويتني»، وهي وحدة تتبع «يونايتد تكنولوجيز»، و«سي إف إم إنترناشيونال»، وهي كيان مشترك بين «جنرال إلكتريك» و«سنكما» الفرنسية. ويعتقد أن المحرك الذي تعكف على تصنيعه «برات آند ويتني» سيضم مروحة ضخمة وصندوق تروس متطورا لتوفير دفع مع وقود أقل. أما المحرك المنافس من إنتاج «سي إف إم إنترناشيونال» فسيتضمن تحسينات في جوهره ليوفر ميزات مشابهة.

وتعتبر «بومباردير» الكندية أول شركة مصنعة للطائرات تستخدم محرك «برات آند ويتني»، وهي شركة تتولى تصميم طائرات نفاثة بإمكانها حمل ما بين 100 و130 راكبا. وتقدر الشركة أنه من خلال الجمع بين المحركات الجديدة وأجنحة مؤلفة من مركبات خفيفة الوزن، سيمكنها ذلك من خفض تكاليف التشغيل بنسبة 15% عن المستويات الراهنة.

وتعكف شركات صينية وروسية على تصميم طائرات بمقدورها نقل 160 راكبا على الأقل. وأعلنت مجموعة «شركات الطائرات التجارية الصينية»، الثلاثاء، أنها تلقت أول الطلبات على طائراتها المعتمدة على محرك «سي إف إم إنترناشيونال».

من ناحيتها، تأمل «بومباردير» أن تصبح طائرتها النفاثة الأولى جاهزة بحلول عام 2013، بينما ترمي الشركات الصينية والروسية لطرح أولى طائراتها عام 2016.

إلا أنه بالنظر إلى المشكلات التي يواجهها كل من «بوينغ» و«إيرباص» في بناء طائرات جديدة، يعتقد محللون أن مواعيد التسليم المتفق عليها يمكن أن تؤجَّل. وربما تجد بعض الشركات الجديدة المنافسة أن مسألة تصنيع طائرات رفيعة الطراز أصعب مما كانت تعتقد. وعلق ألبو، الرئيس التنفيذي لـ«بوينغ»، بقوله: «لا أعتقد أن جميع الأفراد الذين تراودهم تطلعات سينجحون بها، لكن أعتقد أن واحدا أو اثنين منهما يمكن أن يحالفهما النجاح».

والملاحظ أن «بوينغ» و«إيرباص» عززتا مؤخرا من نشاطات تصنيع الطائرات 737 وA320، سعيا لكسب مزيد من المال ولتلبية أكبر قدر ممكن من الطلب.

من ناحية أخرى، أبدت «ساوث ويست إيرلاينز» و«ريانير» و«دلتا إيرلاينز» تفضيلها علانية لتزويد الطائرات بمحركات جديدة. إلا أن ألبو يعتقد أنه من دون التوصل إلى إجماع حول هذا الخيار، تنوي «بوينغ» الاستمرار في إدخال تغييرات ذات طابع تدريجي أكبر تمكنها من توفير نسبة 2% إضافية في نفقات تشغيل طراز 737.

وقالت «إيرباص» إن مسؤوليها التنفيذيين بمجال التسويق رغبوا في المضي قدما في إنتاج المحرك الجديد حال إمكانية تسوية المسائل المتعلقة بالموارد الهندسية. وقال أبولافيا، نائب رئيس شؤون التحليل داخل «تيل غروب»: «إن (إيرباص) ربما تخسر فرصة سانحة» إذا لم تدمج المحركات الجديدة في طائراتها طراز A320.

وأوضح أن A320 حاليا لا ترشد استهلاك الوقود بقدر ما ترشده 737، وبإمكان المحركات الجديدة دفع الكفة لصالح «إيرباص». وأضاف أن «إيرباص» يمكنها الاستحواذ على عدد كبير من صفقات البيع من «بوينغ» قبل دخول طائرة «بوينغ» الجديدة السوق بحلول نهاية العقد. وأضاف أبولافيا أن «إيرباص» تواجه أيضا تهديدا أكبر قليلا على المدى القصير من قبل الشركات الجديدة التي تدخل السوق، مع استهداف «بومباردير» والشركة الصينية في الجزء الأكبر من جهودهما لعملاء «إيرباص» بالنسبة للطلبات الأولية. وقال: «إن لديهم عصا وجزرة»، في إشارة إلى مسؤولي «إيرباص». وأضاف: «لكنهم لا يفعلون شيئا سوى المكوث، من دون الإمساك بالجزرة، بينما يتعرضون للضرب بالعصا».

*خدمة «نيويورك تايمز»