الإمارات: إغلاق صفحة «دبي العالمية».. وفتح صفحة «دبي القابضة»

تخطط لطرح شركات حكومية للاكتتاب العام وتثق بإيجاد حلول للشركات المتعثرة

بدت دبي يوم أمس بمسؤوليها أكثر نضجا وجرأة في التعاطي مع تداعيات أزمة المال العالمية عليها («الشرق الأوسط»)
TT

قبل يوم واحد من انعقاد «قمة مجالس الأجندة العالمية» في دبي التي ينظمها المنتدى الاقتصادي العالمي بحضور المئات من الخبراء الاقتصاديين العالميين والمسؤولين من أكثر من ستين دولة، بدت دبي يوم أمس بمسؤوليها أكثر نضجا وجرأة في التعاطي مع تداعيات أزمة المال العالمية عليها.

هذا النضج اقتضى، كما كان واضحا، مزيدا من الشفافية طغت على ندوة إعلامية حملت عنوان «المشهد الاقتصادي في دبي»، حضرها كبار المسؤولين الاقتصاديين في الإمارة، فيما فاجأ الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الحضور عندما دخل قاعة الندوة ليشارك الحضور من الإعلاميين الاستماع إلى ما يدور من نقاشات.

وبدا المسؤولون في الندوة جاهزين للإجابة عن أي سؤال يطرح دون مواربة، سواء فيما يتعلق بإعادة هيكلة «دبي القابضة» وحجم ديون دبي السيادية، ومستقبل شركة «أملاك» المتعثرة للتمويل العقاري، والإعلان عن طرح شركات حكومية للاكتتاب العام والعلاقة الاقتصادية مع إيران في ظل العقوبات.

ومع أن كل ما جرى الحديث عنه يحمل أهميته الخاصة، فإن المرحلة الاقتصادية القادمة في دبي يمكن أن تلخص بالقول إن الإمارة أعادت ترتيب أوراقها وطوت صفحة أزمة ديون شركة «دبي العالمية» بعد عام من اندلاعها، لتفتح صفحة جديدة بخطى تبدو ثابتة أكثر هي صفحة «دبي القابضة»، في موقف رسمي معلن هو الأول من نوعه يتحدث عن نقاشات لإعادة هيكلة ديون الشركة.

وقال الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس اللجنة المالية العليا في دبي ورئيس دائرة الطيران المدني بحكومة دبي ورئيس مجلس إدارة «مجموعة طيران الإمارات» «أعلن اليوم أن الموقف المالي لشركة (دبي العالمية) أصبح مطمئنا وأنها عادت بشكل كامل إلى نشاطها الأساسي، الأمر الذي سيسهم في تعزيز قيمة أصولها لا سيما على المدى البعيد وبما يخدم مصالح كافة الأطراف ذات الصلة بالشركة». واعتبر أنه على الرغم من تعقيد وصعوبة عملية إعادة هيكلة «دبي العالمية» فإن ترتيبها جاء في وقت قياسي لم يتجاوز عشرة أشهر وهي الآن في حيز التنفيذ الفعلي.

وعلى ما يبدو، يأتي كلام الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم ممهدا للحديث عن مجموعة «دبي القابضة» التي تواجه صعوبات مالية ناتجة عن الأزمة، حيث قال «لا أذيع سرا عندما أقول إننا بصدد التركيز على مجموعة (دبي القابضة) التي تواجه هي الأخرى بعض التحديات الناجمة عن الأزمة المالية العالمية، لا سيما على صعيد أصولها واستثماراتها الخارجية، ولكن يجب ألا نغفل أن لدى المجموعة أصولا واستثمارات قوية ومنها على سبيل المثال: جميرا وتيكوم اللذان يشكلان مصدر دعم مهما للمجموعة».

ويعد تصريح المسؤول المرموق هو التصريح الرسمي الأول المتعلق بهذه القضية.

وطمأن الشيخ أحمد المستثمرين بالقول «إن حجم المشكلات التي تواجهها (دبي القابضة) لا يمكن مقارنتها بحجم الصعوبات التي واجهت (دبي العالمية) وهي تخضع حاليا للدراسة الدقيقة وبجدية كاملة، ونحن على يقين من نجاح الجهود الجارية لتعديل أوضاع المجموعة أسوة بالنجاح المتحقق مع (دبي العالمية)».

يذكر أن شركة «دبي إنترناشيونال كابيتال»، التابعة لـ«دبي القابضة»، تسعى لإعادة هيكلة ديون بـ 2.6 مليار دولار يستحق قرابة نصفها في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، كما لشركة «دبي القابضة للعمليات التجارية»، التابعة أيضا لـ«دبي القابضة»، قرض بـ 555 مليون دولار يستحق في 30 نوفمبر، وكانت «مجموعة دبي»، التابعة لـ«دبي القابضة»، قالت في وقت سابق من الشهر الجاري إنها شكلت لجنة تنسيقية لدراسة ديون الشركة والتزاماتها المالية.

واعتمد الشيخ أحمد في طمأنته على لغة الأرقام، معتبرا أن الأرقام تتحدث عن نفسها، ففي سبتمبر (أيلول) الماضي دخلت مجموعة من الشركات التابعة لحكومة دبي إلى أسواق الأسهم في أعقاب نجاح خطة إعادة هيكلة «دبي العالمية»، ونتج عن هذا الدخول وفقا للشيخ أحمد جمع ما يقارب أربعة مليارات دولار، كما أن عدد المسافرين عبر مطار دبي وصل إلى أكثر من أربعين مليون مسافر العام الماضي «نؤمن أن دبي اليوم في موقع مثالي يؤهلها بجدارة لجني ثمار الاستثمارات».

وأضاف الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، معتبرا أن المسؤولين الاقتصاديين في دبي لم يغيبوا يوما عن وسائل الإعلام طيلة فترة الأزمة «المسؤولون موجودون دائما ولكن لا يمكن أن نكون مستعدين دائما لإعطاء تقارير تفصيلية عن الأوضاع الاقتصادية، خاصة أن هناك أمورا تحتاج إلى أن تأخذ الوقت الكافي وتحتاج لأن يعلن عنها في وقتها»، مشيرا إلى أن «دبي العالمية» من خلال مسؤوليها أعطت فكرة واضحة وكاملة بالنسبة للعمليات التي أجريت على مدى الأشهر الماضية لإعادة الهيكلة.

ومن ضمن الموضوعات المهمة التي أضاء عليها المسؤولون في دبي خلال هذه الندوة كانت ديون دبي السيادية، حيث قال أحمد الشيباني، مدير ديوان حاكم دبي، إن حجم الديون السيادية لدبي تعادل 30 مليار دولار حاليا، والحكومة تعمل على تخفيضها لأي مستوى ممكن، معتبرا أن ديون الشركات التابعة لحكومة دبي في تغير دائم ولا يمكن الحديث عن رقم ثابت، حيث تزيد وتنقص ولا يمكن إعطاء رقم محدد دقيق لها.

وفي نوفمبر من العام 2008 - تاريخ هبوب العاصفة المالية العالمية، قال عضو المجلس التنفيذي في دبي محمد العبار إن الديون السيادية لدبي تبلغ عشرة مليارات دولار بينما تبلغ ديون الشركات المرتبطة بحكومة الإمارة 70 مليار دولار وأن الحكومة قادرة على الوفاء بهذه الالتزامات، وقال محمد العبار الذي يرأس أيضا شركة «إعمار العقارية» إن دبي تعمل على ترشيد الإنفاق ودمج أنشطة في مواجهة الأزمة العالمية، وأكد العبار أن الحكومة قادرة على الوفاء بكل الالتزامات ومستعدة للتدخل بمساعدة الشركات التي تملك الحكومة حصصا فيها إذا اقتضى الأمر، مضيفا أن إمارة دبي لديها أصول حكومية بقيمة 90 مليار دولار وأصول تخص الشركات التي تملك فيها الإمارة حصصا تبلغ 260 مليار دولار.

ومن المواقف الجديدة التي حفلت بها الندوة هو أن دبي مستعدة لطرح شركات حكومية للاكتتاب العام وبيع شركات اشترت دبي أصولها سابقا لتبيع لاحقا وتحقق ربحا من وراء ذلك، وأنه طالما أن أسعار الأصول منخفضة فإن دبي تعمل على عدم بيعها، وقال الشيباني إن «طيران الإمارات» من الشركات التي تحقق نموا جيدا في أعمالها، وعلى هذا الأساس يكون طرحها للاكتتاب مستبعدا، لكن يظل موضوع طرح جزء منها للاكتتاب أو أي شركة حكومية أخرى تحت الدراسة والتقييم.

أما فيما يتعلق بشركة «أملاك للتمويل العقاري» المتعثرة فهي وفقا للمسؤول «دخلت في محادثات مكثفة مع الدائنين» متوقعا أن «الإعلان عن حل لموضوعها سيكون خلال الربع الأول من العام المقبل».

من جهته، قال أحمد الطاير، محافظ مركز دبي المالي العالمي، إن دبي ليست قلقة بشأن الديون التي تستحق العام المقبل، وهي لا تحتاج مساعدة من المركزي الإماراتي، كما أنها ليست بحاجة لإصدار ميزانية بعجز بل ستسعى لتحقيق فائض.

وفيما يتعلق بتأثير العقوبات الدولية على إيران على التجارة معها قال الطاير إن التجارة مع إيران لم تتوقف، وهي تجارة مشروعة ضمن أطر قرارات الأمم المتحدة، فإيران شريك مهم للإمارات، ولا مشكلة في التجارة معها، مشيرا إلى أن دبي تلتزم بقرارات الأمم المتحدة والأمور ليست بالطريقة التي يشار إليها، معبرا عن أمله في أن تحل قضية إيران النووية وتعود الأمور إلى ما كانت عليه.