هل ستشهد أوروبا حلقات دراماتيكية جديدة في مسلسل الديون التراجيدي؟

بعد الحلقة اليونانية وحلقة النمر الأيرلندي الورقي.. مخاوف من فصل أخطر بسقوط الثور الإسباني

TT

بدا الأمر أمس في بروكسل أشبه بسباق أوروبي مع الزمن، في محاولة لطمأنه الأسواق قبل استئناف تداولاتها الأسبوعية اليوم (الاثنين) ومسعى أشبه بمسعى «اليائس» رغم كل محاولات استعراض القوة والوحدة وإظهار الثقة لوضع حد لتصاعد دراماتيكي لأزمة الديون، وإنهاء «الحلقة الأيرلندية» بإقرار إنقاذها بمساعدة تقدر بـ85 مليار يورو (110 مليارات دولار) فيما تحول إلى مسلسل أزمة ديون أوروبية، بدأ قبل أشهر بالحلقة التراجيدية اليونانية، التي استدعت تدخلا أوروبيا عاجلا لإنقاذها من الإفلاس بمساعدات بمقدار 110 مليارات يورو. ولكن هل هذا التحرك الأوروبي كافيا لمنع انتقال عدوى الديون إلى بلدان أخرى؟ والأخطر من هذا ربما: هل هذا التحرك الأوروبي كاف لمنع تطور الوضع إلى حالة أشبه بتساقط «الدومينو» أي أن يتهاوى «الدومينو الأيرلندي» على «الدومينو البرتغالي» وحتى «الدومينو البلجيكي»، وبشكل أخطر ربما على «الدومينو الإسباني» وحتى « الدومينو» الإيطالي! وتصاعدت أحداث أزمة الديون الأوروبية بشكل دراماتيكي بعد ظهور حلقة جديدة فيها مع ديون أيرلندا، وإذا كان كثير من الخبراء يرون أن أزمة أيرلندا وربما حتى المخاوف التي لم تتبدد تماما من طلب البرتغال مساعدة، رغم إقرارها لخطة تقشفية صارمة ولمواجهة عجز ميزانيتها، وتطمينات المسؤولين الأوروبيين بعدم حاجة لشبونة لمساعدة، فإن المخاوف من سقوط الدومينو الأيرلندي وحتى البرتغالي لم تصل حد الفزع، لكن ما إن قرعت أجراس الخطر بالنسبة لإسبانيا، وترجيح تعثرها عن سداد ديونها وطلب مساعدة.. حتى ارتفعت درجات الخوف لتتحول إلى فزع حقيقي، ليس لإسبانيا فقط إنما لمنطقة اليورو وكل الاتحاد الأوروبي. والسبب هو أن سقوط «الدومينو» أو «الثور» الإسباني سيكون مدويا، وسيكون أكثر إيلاما بفعل حجم الاقتصاد الإسباني، الذي يعادل حجمه اقتصاد أيرلندا واليونان والبرتغال مجتمعة. وقد ثارت ثائرة الثور الإسباني بعد تزايد رفع تلك «القماشة الحمراء» عن حاجة إسبانيا إلى المساعدة الأوروبية لمواجهة ديونها المتراكمة، واضطر رئيس الوزراء الإسباني ثباتيرو إلى التدخل وبغضب لنفي هذه الشائعات الضارة بإسبانيا خاصة مع عزوف المستثمرين عن السندات الحكومية الإسبانية وعن السندات البرتغالية أيضا وانهيار البورصة الإسبانية. وإن كان تدخل رئيس الوزراء الإسباني، أول من أمس، كان قويا وغاضبا ولو ببعض الدعابة.. عندما قال إن «الجسم الاقتصادي الإسباني بصحة جيدة.. وإنه فقط كان يعاني من بعض السمنة بفعل (كولسترول سيئ) وهو في وضع أفضل الآن بعد أن تخلص منها!»، فإن وزيرة المالية الإسبانية الينا سيلغادو بدت في مؤتمر صحافي نفس اليوم وجلة من وضع بلدها المالي وتعبيرات وجهها كانت معبرة، وكانت وكأنها «تتوسل» للصحافيين بأن لا يكرروا كثيرا موضوع حاجة إسبانيا للمساعدة!! والمثير للرعب في موضوع إسبانيا أنه إذا سقط الثور الإسباني فإنه لن «يذبح» وحده بل ربما «تذبح» منطقة اليورو بأكملها ومعها في الأساس اليورو، الذي ما زال يواجه مستقبلا قاتما. وهناك كثير من الخبراء الذين يرجحون ربما «انفراطا» قريبا لعقده، إذا ما استفحلت أزمة الديون في المنطقة.

ويرجح خبراء أنه إذا ما تطورت الأحداث نحو السيناريو الأسوأ، وهو طلب إسبانيا للمساعدة، فإن إنقاذها سيكون صعبا ولن يستطيع الصندوق الأوروبي للطوارئ والمقدر بمليار دولار تحمل عبء ذلك، خاصة بعد إقرار مساعدة أيرلندا. واتفق قادة وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في اجتماع طارئ في بروكسل أمس حزمة مساعدات لأيرلندا قيمتها 85 مليار يورو.

وقبل الاتفاق أعرب وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله عن اعتقاده بأن إنقاذ أيرلندا يعد بمثابة «إشارة هامة» للأسواق المالية العالمية.

وأضاف شويبله: «أتمنى أن تعود الأسواق المالية إلى الاستقرار بدءا من الغد (اليوم الاثنين) وأن يظل اليورو عملة مستقرة موثوقا فيها».

من جهته أعلن وزير المالية البلجيكي ديدييه ريندرس الذي تتولى بلاده حاليا رئاسة الاتحاد الأوروبي أنه يجب على منطقة اليورو أن «تتحرك» و«تدافع عن عملتها». وأضاف: «يجب اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها أن تجعلنا في المستقبل قادرين على الصمود أمام التقلبات». وأيرلندا ثاني بلد في منطقة اليورو يتلقى دعما دوليا في ستة أشهر بعد اليونان التي استفادت الربيع الماضي من خطة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بنحو 110 مليارات يورو. وكان وزراء المالية الأوروبيون يعتزمون بالأساس تمرير قرار الموافقة على طلب أيرلندا خلال مؤتمر عبر الهاتف غير أن هذه الخطة تغيرت بناء على ضغوط من ألمانيا وفرنسا اللتين طالبتا بعقد لقاء شخصي بين الوزراء المعنيين في بروكسل.

وكانت أيرلندا قدمت الأربعاء الماضي خطة تقشف قاسية جدا تهدف إلى خفض العجز في الميزانية بنسبة تسعين في المائة بحلول عام 2014 وهو الشرط المفروض مقابل خطة الإنقاذ الاقتصادي.

وقد تحولت أيرلندا، التي كان تعرف بالنمر الكلتي (celtic tiger) بسبب نمو اقتصادها الخارق منذ التحاقها بمنطقة اليورو إلى «نمر من ورق» بفعل الأزمة المالية وتراكم الديون عليها! من ناحية أخرى أفادت صحيفة «ريل نيوز» اليونانية، أمس، نقلا عن مسؤول بصندوق النقد الدولي، أن الاتحاد الأوروبي والصندوق قد يمددان أجل استحقاق قروض الإنقاذ اليونانية خمس سنوات ليسهلا على اليونان خدمة ديونها.

ونقلت الصحيفة، أول من أمس، عن بول تومسون المسؤول عن برنامج إنقاذ اليونان لدى الصندوق قوله في مقابلة: «هناك احتمال تمديد أجل السداد.. من نحو ست سنوات إلى 11 سنة».

ولوحت اليونان والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مرارا باحتمال تمديد أجل سداد قروض إنقاذ اليونان البالغة 110 مليارات يورو (145.9 مليار دولار).

لكن مسؤول صندوق النقد الدولي كان أكثر تحديدا بشأن الفترة التي قد تضاف لأجل الاستحقاق بعد أن تحصل اليونان على آخر دفعة من القروض في 2013، بحسب «رويترز».