ترحيب أوروبي بإقرار خطة إنقاذ آيرلندا تصاحبه مخاوف من حالات توتر مالية جديدة

ارتفاع الثقة في الاقتصاد الأوروبي لأعلى مستوى في 3 سنوات * اليورو قرب أدنى مستوى له في شهرين.. والأنظار على البرتغال وإسبانيا

TT

ما بين الترحيب بإقرار خطة إنقاذ آيرلندا والمخاوف من حالات توتر جديدة، جاءت ردود الأفعال الأوروبية على برنامج إنقاذ آيرلندا، وعلى الرغم من أن تكلفته 85 مليار يورو، قد أسهمت في طمأنة المستثمرين بشأن وضع الدين في البلاد، فإن المخاوف لا تزال مستمرة من وجهة نظر الكثير من المراقبين في بروكسل، من احتمال امتداد الأزمة لدول أخرى في منطقة اليورو.

وانعكس ذلك على أسواق الأسهم في أنحاء أوروبا وعلى العملة الأوروبية الموحدة في تداولات أمس وأول من أمس، اللذين شهدا خسائر منذ بداية يوم التداول، على الرغم من حرص المفوضية الأوروبية في اجتماعها على أن تنهي الاجتماع على اتفاق إيجابي بشأن الأزمة الآيرلندية، حتى لا تتأثر العملة أو الأسواق.

وتداول اليورو بالقرب من أدنى مستوى له في شهرين أمام الدولار أمس مع تجاوز المستثمرين خطة إنقاذ آيرلندا لتتركز أنظارهم على مشكلات الديون في دول أخرى على أطراف منطقة اليورو وقيامهم ببيع العملة الأوروبية عند أي انتعاش.

وصدق وزراء مالية الاتحاد الأوروبي على حزمة مساعدات تبلغ 85 مليار يورو، لمساعدة دبلن على تغطية القروض المتعثرة للبنوك، وتقليص عجز الميزانية، ووافقوا على الخطوط العريضة لنظام دائم لحل الأزمات، يشارك بمقتضاه مستثمرو القطاع الخاص من حملة السندات، في تحمل أعباء إعادة هيكلة الديون السيادية بعد عام 2013.

ويتركز السؤال المهم حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قد اتخذ إجراءات كافية لمنع انتقال الأزمة إلى دول أخرى مثل البرتغال وإسبانيا؟ وهي المشكلة التي تركت دون حل بعد خطة إنقاذ اليونان في مايو (أيار).

وقال أنكيتا داداني، خبير العملات لدى «آر بي إس» غلوبال بنكنغ: «ما زال اليورو يواجه ضغوط بيع عند الصعود، وأي توقف لالتقاط أنفاس يعد مؤقتا».

وأضاف «بعد الاعتناء بآيرلندا يصبح السؤال الآن ما إذا كانت البرتغال تحتاج إلى مساعدة هذا العام أو أنها ستأتي في المقدمة العام المقبل. ثم بعد ذلك لدينا إسبانيا؟».

وزاد اليورو بشكل طفيف إلى 1.3255 دولار، بعد أن تراجع إلى نحو 1.3182 دولار في وقت سابق في آسيا.

وقالت المفوضية في بيان لها ببروكسل إنه ليس من المستبعد تسجيل حالات توتر جديدة قد تؤثر على وتيرة النمو في منطقة اليورو. ويأتي بيان المفوضية بعد رد فعل الأسواق المترددة على خطة إنقاذ آيرلندا. وأوضحت المفوضية أن التوتر قد يشمل أسواق الديون السيادية.

من ناحية أخرى توقعت المفوضية الأوروبية عودة النمو النسبي لمنطقة اليورو، اعتبارا من 2012، مشيرة إلى توقعات بشأن تخفيض نسبي لحجم العجز العام في الدول الأعضاء.

ورحب رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي، ورئيس البرلمان الأوروبي جيرزي بوزيك، بإصدار وزراء مالية الاتحاد قرار الموافقة لمنح آيرلندا حزمة مالية بقيمة 85 مليار يورو لمساعدتها على مواجهة أزمتها الاقتصادية.

وأعرب رومبوي في بيان عن ثقته في أن إجراءات آيرلندا للتعامل مع المشكلات التي يواجهها قطاعها المصرفي من خلال ضمانات وإجراءات إعادة الرسملة، وعزل الحصص، بالإضافة إلى حزمة المساعدات، سوف تسهم في إنقاذ واستقرار وضع آيرلندا الاقتصادي والمالي. وقال إنه سيقدم في ديسمبر (كانون الأول) المقبل نص تغيير محدود على آلية الاستقرار الأوروبي في معاهدة لشبونة.

ورحب رئيس البرلمان بوزيك، بإصدار قرار الموافقة على منح حزمة المساعدات لآيرلندا، وتحقيقه بعد أسبوع من طلب الحكومة الآيرلندية دليل ومثال على استعداد الاتحاد للتعامل مع هذه القضية واستعداده لإظهار تضامنه القوي مع المواطنين الآيرلنديين.

بينما كشفت دراسة صدرت أمس أن الثقة في الاقتصاد الأوروبي سجلت أعلى مستوى لها في ثلاث سنوات خلال نوفمبر (تشرين الثاني)، على الرغم من اضطراب السوق نتيجة أزمة الديون في المنطقة.

وقالت المفوضية الأوروبية إن مؤشرها للثقة الاقتصادية لمنطقة اليورو المؤلفة من 16 دولة، وتتم متابعته عن كثب، ارتفع إلى 105.3 نقطة هذا الشهر مقابل 103.8 نقطة في أكتوبر (تشرين الأول).

ويمثل هذا أعلى مستوى للمؤشر منذ أكتوبر من عام 2007. وكان محللون يتوقعون أن يرتفع المؤشر، الذي يقيس المعنويات السائدة لدى كل من القطاع الصناعي والمستهلكين، إلى 105 نقاط هذا الشهر.

ودلل المؤشر أيضا من جديد على الانقسام الاقتصادي الجديد الذي ظهر في أنحاء منطقة العملة الأوروبية الموحدة.

ففي الوقت الذي تسود فيه معنويات اقتصادية قوية في أكبر اقتصاد في المنطقة، وهي ألمانيا التي أسهمت في دفع المؤشر للصعود، تراجعت المعنويات بشكل أكبر في دول أخرى بمنطقة اليورو.

ومن جهته أكد المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والمالية أولي ريهن، مساهمة حزمة المساعدات المالية في دعم الوضع المالي لآيرلندا، وفقا لشروط أكثر ملاءمة لها، مشيرا إلى مساعدة هذه الحزمة أيضا في ضمان تمويل نظام القطاع المصرفي وتغطية الاحتياجات المالية الأساسية، وحسب تقارير إعلامية غربية، مع اضطراب أسواق المال، وقعت الحكومة الآيرلندية تحت ضغوط كبيرة للموافقة على خطة الإنقاذ على الرغم من تأكيداتها الأسابيع الماضية أنها لا تحتاج إليها.

وقال محافظ البنك المركزي الفرنسي كريستيان نويار: إن كل حالة منفصلة عن الأخرى من مصلحة البلدان الـ16 الاستفادة من هذا الوضع، أما التساؤل حول اليورو فسيمر جانبا. وقد هزت الأزمة أسهم البنوك الأوروبية الدائنة للبنوك الآيرلندية وهبط سعر صرف اليورو يوم الجمعة الماضي إلى أدنى مستوى له خلال شهرين مقابل الدولار، وارتفعت تكلفة القروض لآيرلندا والبرتغال وإسبانيا إلى أعلى مستوى على الإطلاق.

ويحاول مسؤولون أوروبيون يسعون إلى محاولة الفصل بين أزمة آيرلندا والبرتغال التي يرى المحللون أنها الضحية القادمة للأزمة، تليها إسبانيا. وقد عبرت وزيرة الاقتصاد الإسباني إيلينا سلغادو في هذا الصدد قائلة: «تكهنات غير موجودة، وعلينا أن نتعايش معها. في ظل رغبة بعض المستثمرين لكسب المال على المدى القصير ولا يزال هناك الكثير للقيام به لتحسين نظامنا المالي». وتأتي تلك التطورات بعد ساعات من موافقة وزراء المالية الأوروبيين بالإجماع خلال دورة استثنائية في بروكسل، على منح مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي إلى آيرلندا، ويخيم الحذر الشديد بين الأوساط المالية والمتعاملين على مصداقية هذا التحرك الأوروبي الجديد. ولم تطرأ تغييرات جوهرية على حجم سعر صرف اليورو في أسواق المال نهار أمس الاثنين، على الرغم من ترحيب الأسواق نسبيا بالاتفاق الأوروبي.

وتجعل الخطة المعتمدة أول من أمس في بروكسل من آيرلندا البلد الثاني في منطقة اليورو الذي يتلقى مثل هذا الدعم في غضون ستة أشهر بعد اليونان. وتهدف الخطة الجديدة أساسا إلى إنقاذ البنوك الآيرلندية أولا، وطمأنة المتعالمين ثانيا والحد ثالثا من تفشي العدوى إلى دول أخرى مثل البرتغال. ويبلغ حجم الخطة 85 مليار يورو في شكل قروض على مدى الثلاث سنوات المقبلة، حيث سيتم تخصيص 35 مليار يورو إلى القطاع المصرفي المثقل، بأعباء الديون في أعقاب انفجار فقاعة العقارات التي أغرقت آيرلندا في حالة من الركود ودفعت بالعجز الحكومي إلى أعلى مستوياته. وسوف يتم استخدام عشرة مليارات يورو «لاتخاذ تدابير فورية لإعادة رسملة» المصارف و25 مليار يورو لاتخاذ تدابير لدعم المصارف إذا ما لزم الأمر.

كما سيتم تخصيص النسبة الباقية البالغة 50 مليار يورو لتغطية احتياجات الميزانية في آيرلندا. وسيتم توفير ثلث المبلغ المتفق عليه في بروكسل من قبل صندوق النقد الدولي، وثلث آخر من هيئة الإقراض في الاتحاد الأوروبي التي تمول الميزانية الاتحادية والمبلغ المتبقي من صندوق الاستقرار في منطقة اليورو، إلى جانب قروض ثنائية من المملكة المتحدة والسويد والدنمارك. كما أن آيرلندا ستسهم بنحو 17.5 مليار يورو لتمويل القطاع المصرفي داخلها، وهو مبلغ سيستقطع من الصندوق الاحتياطي الوطني في دبلن، الذي يدير معاشات التقاعد. وحدد الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي أسعار الفائدة على القروض الآيرلندية بنسبة 5.8 في المائة سنويا، أي أكثر من 5.2 في المائة المتعامل بها مع اليونان، في إطار خطة الإنقاذ، ولكن أقل مما يتعين على آيرلندا دفعه للأسواق حاليا. وتنص الصفقة الأوروبية الآيرلندية وفي المقابل، على تضحيات هائلة من حيث التخفيضات في الإنفاق العام وزيادة الضرائب. وقرر الاتحاد الأوروبي تمديد فترة إدارة الأزمة حتى عام 2015، أي منح دبلن سنة إضافية للوصول بنسبة العجز المسموح بها على الصعيد الأوروبي إلى ثلاثة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

* تفاصيل الآلية التي كشف عنها مسؤولو الاتحاد الأوروبي

* ما هي الآلية الجديدة:

سترتكز آلية الاستقرار الأوروبي على آلية الاستقرار المالي الأوروبي المعمول بها حاليا والتي تقدم التمويل لدول منطقة اليورو التي توصد في وجهها أبواب السوق، لكن بشروط صارمة.

*متى يبدأ العمل بها؟

لن يبدأ العمل بالآلية الجديدة قبل أول يوليو (تموز) 2013. وستقوم المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي بتقييم فعاليتها الإجمالية في 2016.

* كيف ستعمل؟

ستتضمن كل إصدارات السندات الجديدة في منطقة اليورو، اعتبارا من أول يوليو 2013، شرطا يلزم دائني الأقلية بما توافق عليه أغلبية حملة السندات عند إعادة هيكلة ديون سيادية. وقالت باريس إن الأغلبية المطلوبة للتوصل إلى اتفاق ستكون في حدود 75 إلى 80 في المائة من حائزي السندات. وسيصاغ هذا النوع من الشروط على غرار المعمول به في الولايات المتحدة وبريطانيا.

* كيف ستعالج الأزمات المختلفة؟

ستفرق الآلية بين أزمات السيولة وأزمات سداد الديون. أزمات السيولة: إذا كانت حكومة بلد عضو في منطقة اليورو قادرة على أداء التزاماتها لكنها تواجه مشكلات سيولة مؤقتة، فإن المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي سيقومون بتحليل قدرتها على خدمة الديون. وعلى أساس ذلك التحليل، سيستحث المستثمرون من القطاع الخاص على مواصلة شراء السندات السيادية لحكومة البلد المعني. وسيقدم الاتحاد الأوروبي الدعم المالي للحكومة دون إلزام القطاع الخاص بأي دور.

أزمات سداد الديون: إذا تحولت أزمة السيولة إلى أزمة في سداد الديون، فإنه سيجري التفاوض في كل حالة بشكل منفصل للتوصل إلى اتفاق مع الدائنين. لن تكون هناك حلول تلقائية. وسيكون على الدولة صاحبة المشكلة أن تتفاوض على خطة إعادة هيكلة شاملة مع الدائنين من القطاع الخاص وستقدم آلية الاستقرار الأوروبي المساعدة بشأن السيولة.

* ما هو شكل مشاركة القطاع الخاص؟

سيتقرر هذا في كل حالة على حدة وبما ينسجم مع سياسات صندوق النقد الدولي. من بين الخيارات المتاحة قد يطلب من مستثمري القطاع الخاص تعليق سداد الدين أو تأجيل مدفوعات الفائدة أو خفض الفائدة أو حتى خفض أصل الدين المستحق لهم على الحكومة ذات الصلة. وستكون مبادئ إعادة الهيكلة والدعم مطابقة للمتبع في صندوق النقد الدولي مع المساواة الكاملة بين الدائنين.

* ما حجم صندوق الدعم؟

لم يتحدد بعد حجم آلية الاستقرار الأوروبي، لكن وزير المالية البلجيكي ديدييه ريندرز قال إن حجم الأموال ينبغي أن يتجاوز القيمة الحالية لآلية الاستقرار المالي الأوروبي والبالغة 440 مليار يورو. وستعمل الآلية الجديدة بنفس الطريقة الحالية لآلية الاستقرار المالي فتجمع المال في السوق بضمانات حكومية من دول منطقة اليورو. ولن يساهم دافعو الضرائب بتمويل مباشر.

* ماذا سيكون وضع قروض آلية الاستقرار الأوروبي؟

ستحظى بوضع دائن له الأفضلية ولن تتقدم عليها إلا قروض صندوق النقد الدولي.

* كيف سيكون التمهيد القانوني؟

سيبحث زعماء الاتحاد الأوروبي منتصف ديسمبر (كانون الأول) تعديلات ضرورية على معاهدة الاتحاد لإنشاء آلية الاستقرار الأوروبي.