درس آيرلندي للاقتصاديات الخليجية

خالد جناحي

TT

حدث الساعة في القارة الأوروبية بأسرها هي أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها عدة دول حاليا، وعلى رأسها آيرلندا، ومن قبلها اليونان، وربما تكون كل من البرتغال وإسبانيا على الدرب ذاته، سوف تكون لها تداعياتها على الاقتصاد العالمي كله بصفة عامة، وعلى اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، باعتبار أن أوروبا هي الشريك التجاري الرئيسي لدول المنطقة، فآيرلندا تعيش الأزمة الاقتصادية الآن بكل مفرداتها وآثارها القاسية، تماما مثلما عاشت اليونان نفس الدراما منذ نحو عام وحتى الآن، الأمر الذي دفع البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي إلى ضخ نحو 700 مليار يورو في شرايين القارة العجوز، 200 مليار يورو منها مباشرة للاقتصاد اليوناني و500 مليار للدول الأوروبية التي انكشفت بقوة على الأزمة اليونانية.

ولن يكون غريبا إذا سمعنا قريبا جدا عن أزمات مماثلة قد يمر بها الاقتصادان البرتغالي والإسباني، نظرا لتخطي إجمال الدين العام الشامل (National Debt) لحاجز الناتج المحلي الإجمالي في كل دولة على حدة. وهذا الوضع قد يدفع البنك المركزي الأوروبي مجددا إلى رفع مبلغ الدعم للدول المتضررة من الأزمة المالية في القارة الأوروبية إلى أكثر من تريليون يورو خلال المدى المنظور.

ولكن ماذا تعني الأزمة الاقتصادية في تلك الدول؟ إنها تعني عجزا عن الوفاء بمديونياتها الضخمة، وتعني، أيضا، مزيدا من التراجع للنمو الاقتصادي، وتعني كذلك مواجهة شبح التضخم الذي سيترافق مع الأزمة بفعل السقوف شاهقة الارتفاع لمعدلات الفائدة على الائتمان وزيادة الضريبة وبالتالي ضعف القدرات التصديرية لهذه الدول وتقلص القوة الشرائية المحلية إلى معدلات لا يعلم أحد مداها.

ورغم هول المعضلة فإنها لن تكسر أنف «اليورو زون»، ولن تفتت في نظري المنظومة المتراصة للكيان الأوروبي العتيد، الذي يعرف كيف يقرأ أزماته بعناية وكيف يتعامل معها وكيف يخرج بها دائما إلى مرافق أكثر أمنا وأمانة، فالعلاج الأوروبي لأزمة اليونان كان خير دليل عندما تكاتف الجميع من أجل كشف الخلل وترميم تصدعاته بأسرع ما يمكن.

ولعل في ذلك العديد من الدروس المستفادة على اقتصادياتنا في المنطقة:

أولا: ضرورة الانتباه إلى عدم تجاوز الدين العام الشامل (National Debt) للناتج المحلي الإجمالي لأي دولة بأي شكل من الأشكال.

ثانيا: تفعيل دور المصارف المركزية في توفير الدعم للدول والمؤسسات التي تتضرر بفعل الأزمات الوافدة والتي تثبت عدم تورطها في قضايا فساد أو مخالفات.

ثالثا: التعامل بمكيال واحد وليس بمكيالين أو ثلاثة مع الدول والمؤسسات المتضررة، وألا تكون هناك معايير للقطط البيضاء وأخرى للقطط السوداء.

ولكن رغم هذه الدروس المستفادة من الأزمة المالية الأوروبية فإن تأثيراتها على اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي تأخذ أكثر من اتجاه:

الأول: على ميزانيات البنوك المنكشفة بقوة على الدول الأوروبية التي ضربتها الأزمة، وهو ما يعني تراجعا محتملا في تصنيفات مؤسسات التقييم الدولية لها وفي نتائجها المالية المتوقعة.

الثاني: تراجع الطلب على النفط بفعل التباطؤ الاقتصادي لعدد من الدول الأوروبية وهو ما يعني بالتالي هبوط أسعاره وتراجع عائداته.

الثالث: إطالة أمد الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها على المنطقة بعد أن كانت التوقعات تشير إلى بدء زوالها مع مطلع العام المقبل 2011م.

الرابع: ضعف حركة التجارة بين المنطقتين بعد أن بلغت صادرات دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة إلى إسبانيا في عام 2007م و2008م 281 مليار يورو، كما بلغت الصادرات الإسبانية لدول المنطقة في العام نفسه ما قيمته 181 مليار يورو.

وهذه التأثيرات تجعلنا أكثر يقظة وتحوطا فيما لو امتدت أذرع الأزمة الاقتصادية الأوروبية إلى أكثر مما هو متوقع منها. لذا على الاقتصاديات الخليجية العمل جنبا إلى جنب، وفق خطط مستقبلية، وعملية، للتحرز من أي تأثيرات تنال القطاعات المتعددة المرتبطة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالاقتصاديات الأوروبية المتضررة.

وبما أن مجلس التعاون الخليجي يعقد قمته خلال الأيام المقبلة، فإنه حري بهذه القمة أن تبحث، وعلى مستوى القادة، كيفية حماية اقتصاديات الدول الست، من أي انعكاسات سلبية لتأثير أزمة الديون الآيرلندية، على الأقل في الوقت الحالي.

لا أحد ينكر أن ما ترتكز عليه الحكومات الخليجية، مختلف عن ما تواجهه الحكومات الأوروبية، لكن يجب أن نتذكر دائما، أن العالم أصبح مترابطا للدرجة، هذه المرة تحديدا، أن العطسة الأوروبية، وليس الأميركية، ستصيب بالزكام اقتصاديات عالمية كثيرة، وبالتأكيد اقتصاديات دول الخليج ليست بمنأى عنها.

وعلى أية حال قد تكون الدروس المستفادة من الأزمة أكبر بكثير من تداعياتها إذا أخذنا في الاعتبار طريقة مواجهة الكيان الأوروبي للعاصفة وطريقة معالجتنا التقليدية لأزماتنا.

* رئيس مجلس إدارة مصرف فيصل الخاص- سويسرا