المستثمرون يتفادون التعامل في سندات ديون إسبانيا والبرتغال وإيطاليا

وسط ارتفاع سعر التأمين وشكوك في فعالية حلول أزمة الائتمان

TT

واصل المستثمرون تشكيكهم في قدرة الاتحاد الأوروبي على معالجة أزمة الديون في أوروبا ولم تفلح صفقة إنقاذ آيرلندا في تهدئة الأسواق التي تترقب انهيارات أخرى في البرتغال وإسبانيا.

وهبط اليورو إلى مستويات جديدة مقابل الدولار أمس فيما ارتفعت تكاليف التأمين على ديون إسبانيا والبرتغال وإيطاليا، كما ارتفعت العلاوات التي يطلبها المستثمرون لشراء السندات السيادية الإسبانية والإيطالية مقارنة بالسندات الألمانية القياسية إلى أعلى مستوى منذ إطلاق اليورو. ويطالب المستثمرون في السندات السيادية الإسبانية أجل 10 سنوات بأكثر من 0.3% نقطة أعلى من السعر على السندات الألمانية. فيما اقترب سعر التأمين على السندات الإسبانية من 600 ألف دولار لحزمة السندات البالغة قيمتها 10 ملايين دولار. كما ارتفع أمس العائد على السندات البرتغالية والإسبانية والإيطالية إلى أعلى مستوى في وقت يتهافت فيه المستثمرون على بيع سندات هذه الدول. ويذكر أن آلية الإنقاذ الجديدة التي أجازها الاتحاد الأوروبي يوم الأحد الماضي تجبر المستثمرين في سندات الدول التي تتعرض لأزمات مالية إلى تحمل جزء من الخسائر. وقد زرعت هذه الآلية المخاوف وسط المستثمرين في الأسواق المستقبلية خاصة في سوق تبادل رهونات الديون السيادية. وقال محللون في لندن أمس «المستثمرون يرون الفوائد المتحققة من خطة إنقاذ آيرلندا وميزانية التقشف في البرتغال ولكن هذه الفوائد تبقى هامشية مقارنة بالمخاطر الضخمة في البرتغال وإسبانيا». ونسبت وكالة «أسوشييتد برس» إلى الاستراتيجي في الأوراق المالية مارك أوستولد قوله «الفارق المتزايد بين أسعار البيع والشراء لسندات الديون الأوروبية تقول متى ستحدث أزمة الديون المقبلة وتشير بوضوح إلى أن صفقة إنقاذ آيرلندا لم تنجح في تهدئة الأسواق».

وفي سوق الصرف، هبط سعر اليورو أمس إلى ما دون عتبة الـ1.30 دولار للمرة الأولى منذ منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي وذلك بسبب المخاوف المتنامية من امتداد أزمة الديون إلى دول ضعيفة أخرى في منطقة اليورو مثل إسبانيا والبرتغال. وفي التعاملات الصباحية لامست العملة الأوروبية الموحدة 1.299 دولار وهو أدنى مستوى لها منذ سبتمبر قبل أن ترتفع من جديد بالكاد فوق 1.30 دولار. وقال الخبير الاقتصادي مايكل هيوسن لـ«رويترز»: «إذا كان الهدف من حزمة المساعدات التي قدمت لآيرلندا في نهاية الأسبوع الماضي توجيه رسالة للأسواق بأن الوزراء الأوروبيين على مستوى التحدي الذي تطرحه الأزمة الحالية فإن رد الفعل يدعو للأسف إلى الاعتقاد بأن الأمر قد فشل».

وعلى صعيد المؤشرات الاقتصادية، ارتفع معدل البطالة بمنطقة اليورو في أكتوبر (تشرين الأول) في حين استقر التضخم في نوفمبر (تشرين الثاني) على نحو يشير إلى غياب الضغوط الدافعة لتشديد السياسات النقدية. وبلغ معدل البطالة 10.1 في المائة مقارنة مع 10 في المائة في سبتمبر وهو رقم جرى تعديله بالنقصان. وزادت البطالة في إيطاليا بينما انخفضت قليلا في فرنسا واستقرت في ألمانيا وإسبانيا.

وفي لشبونة، حذر بنك البرتغال المركزي أمس من تزايد مشكلات السيولة التي تواجه البنوك البرتغالية في ظل تنامي المخاوف الدولية من احتمالات لجوء البلاد إلى قروض إنقاذ أوروبية على غرار اليونان وآيرلندا. وذكر البنك في تقريره عن الاستقرار المالي أنه إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات «دائمة وذات مصداقية» لضبط الموقف المالي للدولة فإن المخاطر التي تهدد البنوك ستكون فوق الاحتمال.

وأوصى «المركزي البرتغالي» في تقريره البنوك بالحد من الإقراض وتشجيع العملاء على الادخار والبحث عن مصادر تمويل جديدة، محذرا من أن اللجوء إلى زيادة رأسمال هذه البنوك يمكن أن يكون حتميا في وقت قريب. وتشمل المخاطر الرئيسية التي تهدد اقتصاد البرتغال ضعف النمو وتنامي العجز في الميزانية وارتفاع الفائدة على السندات الحكومية بحسب البنك المركزي. وكان البرلمان البرتغالي أقر الأسبوع الماضي برنامج تقشف اقتصادي يهدف إلى خفض عجز الميزانية من 9.4% العام الماضي، إلى 4.3% في 2011. وفي بروكسل أعلن مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) أمس أن معدل التضخم في منطقة اليورو التي تضم 16 دولة من دول الاتحاد الأوروبي لا يزال يسجل 1.9% خلال هذا الشهر في حين وصل معدل البطالة خلال أكتوبر الماضي إلى 10.1% وهو أعلى مستوى له منذ 12 عاما. ووفقا لبيانات البطالة، فإن 80 ألف شخص فقدوا وظائفهم خلال أكتوبر الماضي مما رفع إجمالي حجم العاطلين في منطقة اليورو إلى 15.974 مليون عاطل بزيادة قدرها 400 ألف عاطل عن الشهر نفسه من العام الماضي. وقال جوناثان لوينه كبير خبراء الاقتصاد في مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» للأبحاث الاقتصادية إن البيانات الأخيرة الصادرة عن منطقة اليورو تشير إلى أن التعافي المسجل في النشاط الاقتصادي لم يؤد إلى ارتفاع ملموس في الأسعار ولا إلى تحسن في ظروف سوق العمل. في الوقت نفسه فإن بيانات التضخم والبطالة وتزامنها مع سلسلة أزمات الديون السيادية التي تهدد عددا من دول منطقة اليورو سوف تزيد الضغوط على البنك المركزي الأوروبي الذي يعقد اجتماعه الشهري الخميس المقبل لمراجعة سياساته النقدية.

ومن المتوقع أن يعلن البنك المركزي الأوروبي ومقره مدينة فرانكفورت الألمانية الإبقاء على سعر الفائدة عند مستواه المنخفض الحالي وقدره 1% للشهر العشرين على التوالي. ووفقا لبيانات التضخم، فإن أسعار المستهلكين السنوية في منطقة اليورو (16 دولة) جاءت أقل بقليل من الحد المستهدف للتضخم من جانب البنك المركزي الأوروبي ويبلغ أقل من 2% بقليل. تتوافق البيانات الأولية الصادرة عن «يوروستات» مع توقعات المحللين.

ويشهد مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي حاليا انقساما واضحا بشأن توقيت سحب برامج التحفيز الاقتصادي التي أطلقها العام الماضي في ضوء الأوضاع الراهنة لاقتصادات منطقة اليورو. ومن المنتظر أن تمثل بيانات البطالة والتضخم الصادرة اليوم ورقة في أيدي أعضاء معسكر التروي في سحب حزم التحفيز الاقتصادي الرامية إلى تعزيز الثقة في اقتصادات منطقة اليورو داخل مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي. وفي هذا الصدد يقول لوينه «بشكل عام، فإن التعافي الاقتصادي في منطقة اليورو سوف يظل ضعيفا لأنه لا يوجد في البيانات الأخيرة بشأن معدل التضخم أو سوق العمل ما يشير إلى حاجة البنك المركزي الأوروبي إلى سحب سياسة الدعم في المستقبل المنظور».