بوادر فقاعة جديدة مع تدفق أموال كبيرة على «وادي السيليكون»

شركات ناشئة أطلقت فيه تضخمت قيمتها في وقت قياسي

TT

في مشهد لا ينسى في فيلم «ذا سوشيال نت وورك» أو «الشبكة الاجتماعية»، يميل المستثمر سيان باركر، الذي لعب دوره في الفيلم جوستين تيمبرليك، على الطاولة، ويخبر مؤسسي موقع «فيس بوك» بلهجة تآمرية: «ألا تكفي مليون دولار؟ تعلمون ما الذي يكفيكم؟ مليار دولار».

بيد أن المليار دولار يبدو رقما غريبا هذه الأيام في سيليكون فالي، فالحماس للشبكات الاجتماعية وتطبيقات الهواتف النقالة دفع المغامرين من أصحاب رؤوس الأموال إلى ضخ أموالهم لتمويل شركات ناشئة.

وقد أسهم تدفق الأموال هذا في ظهور نادٍ لنخبة للمشاريع والشركات الناشئة – وهي المشاريع التي أطلقت خلال الـ7 سنوات الماضية ولكن قيمتها تقدر بالمليارات. وقد رفعت الاستثمارات المتدفقة على موقع «تويتر» قيمته بنسبة 33%، لتصل إلى 4 مليارات دولار، في حين أن شركة «ذينغا»، التي صممت لعبة «فارم فيل» التي تتمتع بشعبية كبيرة على موقع «فيس بوك»، تجاوزت قيمتها الـ5 مليارات دولار.

وأعلنت شركة «غوغل» مؤخرا استعدادها لشراء «غروبون»، وهي شركة كوبونات مخفضة كانت قيمتها قبل 8 أشهر فقط لا تتجاوز 1.35 مليار دولار. ولكن يتوقع أن تعلن «غروبون» رفضها لعرض «غوغل» مساء الجمعة؛ وذلك لأنها تتوقع الحصول على عرض أفضل في وقت لاحق.

وبعد أقل من 10 سنوات من انهيار قطاع الإنترنت وإدراك المستثمرين في «وول ستريت» و«سيليكون فالي» أن قيمة الشركات لا تستمر في الارتفاع إلى الأبد، يتساءل عدد متزايد من رجال الأعمال وعدد قليل من أصحاب رؤوس الأموال المغامرين اليوم عما إذا كان الاستثمار في شركات التكنولوجيا الناشئة يسير باتجاه أزمة.

والدليل الرئيسي على ذلك، وفقا لخبراء الصناعة والمحللين، هو الطريقة التي يستثمر بها أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبيرة مبالغ ضخمة في شركات ومشاريع ناشئة، بعضها ليس لديه سوى جزء من فكرة، ولا يقومون سوى بمحاكاة شركات الإنترنت الكبرى التي لديها رؤوس أموال كبيرة. وأضحت الشركات، التي تقدم خدمات التسوق الاجتماعية وتبادل الصور والشبكات الاجتماعية الجديدة، تجذب، بسهولة، المستثمرين الذين يريدون أن يكونوا جزءا من المشروع الناجح المقبل.

وقد تمكنت الشركة التي تنتج برنامج يامير (Yammer) لإرسال الرسائل النصية القصيرة المستخدمة داخل الشركات والشبيه بما يقدمه موقع «تويتر»، مؤخرا من الحصول على تمويل قدره 25 مليون دولار، في حين قدم مستثمرون تمويلا بقيمة 30 مليون دولار لموقع مدونات صغير يدعى تامبلر (Tumblr)، كما تلقت الشركة التي تنتج غروب مي (Group Me)، وهو تطبيق جديد لإرسال الرسائل عبر الهواتف النقالة بصورة مجمعة، تمويلا يقدر بنحو 9 ملايين دولار. وتلقت شركة «باث» (Path)، وهو تطبيق خاص بأجهزة آي فون يسمح بتبادل الصور فقط على شبكة اجتماعية تضم 50 شخصا فقط، 2.5 مليون دولار، في حين حصل منافسها «بيكبليز» (Picplz)، على تمويل قدره 5 ملايين دولار. وقد تدفقت هذه الأموال كلها على هذا القطاع خلال الأسابيع القليلة الماضية، مما جعل بعض أصحاب رؤوس الأموال في حيرة من أمرهم.

وقال ديف مكلور، الشريك المؤسس في 500 شركة ناشئة، تمثل حاضنة للتكنولوجيا في «سيليكون فالي»: «أنا لا أقول إن ألعابا مثل قرة (Quora)، وفورسكوير (Foursquare) وسكوير (Square) تستحق الكثير من المال، لكن الثمن الذي يدفع للوصول إلى تلك الألعاب مدهش، 50 إلى 80 مليون دولار. وهذه الشركات تعمل في أسواق كبيرة بمؤسسين ثابتين؛ لذلك ربما لا تكون غريبة تماما ولكنها بالتأكيد مثيرة للتساؤل».

وقال فريد ويلسون، مستثمر بارز في «سيليكون فالي»: لاحظت أن هذا القطاع يشهد نموا كبيرا على مدى الأشهر الستة أو التسعة الأخيرة. وأضاف، في مقال نشره مؤخرا على مدونته: «أرى أن الكثير من الأعمال غير الطبيعية تحدث من قبل المستثمرين». ويعزو ويلسون هذا الأمر إلى المنافسة الشرسة بين المستثمرين الحريصين على المشاركة في المشاريع الناشئة ذات الشعبية». لكنه أضاف: «أنا لم أر أبدا وضعا مثل هذا ينتهي نهاية سعيدة».

ولا أحد يعرف حقا ما إذا كانت هناك فقاعة حتى تحدث، لكن هناك الكثير من الدلائل على قرب ظهورها. على سبيل المثال، فإن الحماس المستعر لامتلاك أسهم «فيس بوك» وصل إلى درجة أن مستثمرين في القطاع الخاص أصبحوا يتاجرون في مشتقاته.

وقال أليكس غولد، الباحث في مجال القيادة في معهد ستانفورد للأبحاث السياسات الاقتصادية: «دائما ما أصاب بالتوتر بشأن الفقاعات عندما يطلب مني 5 مستثمرين مبتدئين المشاركة في تمويل مشروع جديد». وعلى الرغم من أن الوتيرة السريعة لتدفق الاستثمارات على شركات الإنترنت ذات الشعبية تذكرنا بجنون الاستثمار في قطاع الإنترنت الذي أدى إلى انهيار القطاع أوائل الألفية الثالثة، فإن هناك بعض الاختلافات الواضحة بينهما.

فبالنسبة للمبتدئين، فإن هذه ليست فقاعة أسواق، فأي من هذه الشركات لا يتم تداول أسهمها في سوق الأوراق المالية.

وقال غولد: إنه في حين أن «سوك الفقاعات لا يتغير»، فإن ثقافة الشركات الناشئة التي ترتفع إلى أعلى مثل «Flooz.com» و«Pets.com» و«theGlobe.com» تجعل الإصدارات العامة الأولية غير موجودة إلى حد بعيد. فهذه الشركات لا تبلي بلاء حسنا، على الرغم من أن شركة «الأمازون» لا تزال تنمو باطراد.

وبدلا من ذلك، فإن رجال الأعمال يتطلعون بشكل متزايد إلى تمويل شركات التكنولوجيا الكبيرة مثل «مايكروسوفت» و«أبل» أو «غوغل» التي تمتلك جبالا من الأموال النقدية.

وهذه الشركات الثلاث تملك نحو 90 مليار دولار نقدا في حساباتها. وبحسب مؤسسة «ماكينزي أند كومباني» فإن كبريات شركات البرمجيات والأجهزة الإلكترونية لديها فوائض نقدية كافية لشراء، تقريبا، كل شركات التكنولوجيا متوسطة الحجم.

وعلى الرغم من أن حجم هذه الصفقات قد يشهد تصاعدا، فإن الممولين أكثر حذرا فيما يتعلق بالمبالغ التي تستثمر في كل شركة.

يقول روجر إرينبرغ، مؤسس ومدير مشارك في شركة «آي إيه فنشيرز»: «بالعودة إلى تسعينات القرن الماضي، فإن الشركات حصلت على تمويل يساوي 5 أضعاف ما حصلت عليه (تامبلر) ولم يكن لديها نموذج عمل. كان الممولون يضخون من 50 إلى 200 مليون دولار في كل شركة وقد تسبب هذا في سقوط الصناعة بأكملها».

وهذا الإقبال سببه الرئيسي قوانين العرض والطلب غير المتطورة وعقلية القطيع؛ لأنه بفضل الانخفاض المستمر في تكلفة القدرة الحاسوبية، فإن الشركة الناشئة يفترض أن تحتاج إلى رأسمال أقل لتنطلق.

في الوقت نفسه، فإن الكثير من الأثرياء يعتبرون الاستثمار في قطاع التكنولوجيا موضة، وهو أمر زاد من المنافسة.

ويقول إرينبرغ: «إن الاستثمار في قطاع التكنولوجيا أصبح موضة. وكان ينظر إليه باعتباره الاستثمار الخاص بالأثرياء، أما الآن فقد أصبح مجالا مفتوحا للجميع».

وقد بدأ بعض أصحاب رؤوس الأموال، المتطلعين للنمو، الذين يشكون ضعف عائداتهم، يتحركون تجاه الاستثمارات الصغيرة على أمل اللحاق بالنموذج الجديد الشبيه بموقع «فيس بوك» في المهد.

ومعظم المستثمرين في «سيليكون فالي» لا يرون أي علامات من التراجع. رون كونواي، ممول سان فرانسيسكو الذي يستثمر في أكثر من 500 شركة، بما في ذلك «فيس بوك» و«زابوس» و«غوغل» و«تويتر»، يقول إنه لا يعتقد أن ثمة أي فقاعة.

وقال، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: «كل الشركات الناشئة اليوم لديها نماذج عمل تجعلها قابلة للاستمرار. وفي عام 1999 عندما حدثت الفقاعة كانت معظم الشركات تفتقد إلى نماذج الأعمال والإعلانات على شبكة الإنترنت لم تكن قد نضجت بعد».

وقال جيف كاليفر، المدير المشارك في شركة «سوفت تك في سي» والمستثمر المبتدئ في «سيليكون فالي»، الذي سيمول شركات مثل «منت» و«أوسترم»، خلال الـ18 شهرا المقبلة: سوف يكون التحدي الحقيقي أمام الشركات الناشئة التي لديها وفرة في التمويل أن تثبت أنها تستحق هذه الاستثمارات أو تواجه خطر التعثر.

وقال كاليفر: «قد لا يكون هناك انفجار داخلي كبير، لكن سيكون هناك تراجع وسقوط لبعض الشركات. سوف تتوقف الموسيقى وسيدرك الجميع عدم وجود عدد كافٍ من المقاعد للشركات للحصول على تمويل في الجولة المقبلة».

* خدمة «نيويورك تايمز»