السياسات الأميركية والأوروبية تسير في اتجاهين مختلفين لتحقيق أهداف التعافي الاقتصادي

بينما تقلص أوروبا الإنفاق تتبنى أميركا سياسة «التيسير الكمي»

صفوف البطالة تتزايد في أوروبا في أعقاب تقليص النفقات (أ.ب)
TT

على الرغم من تقديم الرئيس الأميركي باراك أوباما معلومات تفصيلية هذا الأسبوع عن الاتفاق الشامل بشأن التخفيضات الضريبية التي ستضيف مئات المليارات من الدولارات إلى ديون الدولة، كان المسؤولون الأوروبيون يدفعون باتجاه تنفيذ جولة قوية أخرى من خفض الإنفاق وزيادة الضرائب وتقليص النفقات الحكومية. تم تبني كلتا السياستين تحت مسمى النمو الاقتصادي. فهل يمكن أن يكون ذلك صحيحا؟

تحول هذا النقاش - حول إمكانية دفع النمو الاقتصادي عبر الأموال العامة أو خفض الإنفاق لاستعادة التعافي الاقتصادي طويل المدى - إلى واحد من النقاشات الرئيسية بين دول العالم المتقدمة اقتصاديا. وستكون نتائج هذه النقاشات عظيمة الفائدة على التعافي الاقتصادي على كلا الجانبين من الأطلنطي.

ويتفق واضعو السياسات الأميركيون والأوروبيون في مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، على أن الدول التي تسعى لتغذية انتعاش بطيء يجب أن تتبنى السياسات التي تتوافق وظروفها الخاصة. فستكون بعض الدول بحاجة إلى الحد من الإنفاق في الوقت الذي ينبغي فيه على دول أخرى مواصلة الإنفاق. رغم ذلك، لم تستقبل كل السياسات بذات النوع من الحفاوة، فعلى الرغم من الانتقادات المتواضعة التي وجهت إلى الولايات المتحدة، شكت ألمانيا، على وجه التحديد، تجاهل الولايات المتحدة للتأثيرات بعيدة المدى للدين المتراكم والمال الحر في وقت كان الدين الأوروبي يتزايد فيه بقوة.

وقد عززت خطة إنقاذ آيرلندا التي تبلغ تكلفتها 110 مليارات دولار الخطر المتزايد في أوروبا، فتوقع بعض المحللين أن يثقل تباطؤ النمو كاهل الكثير من الدول الأوروبية خلال السنوات المقبلة في محاولة لمواجهة بعض الخيارات الاجتماعية الصعبة. فيما يتوقع آخرون أن يصاب الاقتصاد الأوروبي بعدد متلاحق من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة.

وخشية أن تؤدي أوروبا الضعيفة إلى تقويض تعافي الاقتصاد العالمي، أوفدت الإدارة الأميركية لايل برنارد، وكيل وزارة الخزانة الأميركية للشؤون الدولية إلى أوروبا الأسبوع الماضي للتشاور مع القادة الأوروبيين. وحث المسؤولون الأميركيون نظراءهم الأوروبيين على ضرورة التحرك بسرعة لمواجهة التهديدات بالضائقة المالية التي تواجه الدول الضعيفة.

وخلال كلماته المتعاقبة في المنتديات هذا الأسبوع، انضم المدير الإداري لصندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كاهن إلى المنتقدين، واصفا جهود الدول الأوروبية حتى الآن بالجهد البسيط، ودعا واضعي السياسات إلى ضرورة الاتفاق على مجموعة شاملة من السياسات التي تستهدف إحياء النمو. وقال ستراوس كاهن، يوم الأربعاء في جنيف: «لا يزال الوضع في أوروبا مثيرا للقلق، والمستقبل أصبح أكثر غموضا عن ذي قبل».

في المقابل، اتفق حتى بعض أولئك الذين أبدوا قلقا بشأن سياسات الولايات المتحدة، على أن تعافي الولايات المتحدة أمر رئيسي بالنسبة لصحة الاقتصاد العالمي، وينبغي أن تظل ثابتة على مسارها الصحيح، حتى وإن عنى ذلك وقوع عجز أضخم. فنظرا لكونها أضخم كيان اقتصادي في العالم، هناك مخاطر على المدى القريب من عدم تمكن الولايات المتحدة من اقتراض ما تحتاجه.

وعندما أجرى الاقتصاديون الأوروبيون في منظمة التعاون الاقتصادي والإنماء مؤخرا تقييما لقرار مصرف الاحتياط الفيدرالي الأميركي ضخ المزيد من الأموال إلى الاقتصاد، قالوا إنهم كانوا متشككين بشأن قدرة هذه الأموال على إحداث الهدف المنشود، لكنهم وافقوا على هذه الخطوة اعتقادا بإمكانية نجاحها.

بيد أن اضطلاع أوروبا بواجباتها، والمسارعة لتجنب هذا النوع من الأزمات التي أجبرت اليونان وآيرلندا على طلب المعونات الدولية والحلول التي ابتدعتها لتلافي المخاطر، لا تلقى قبولا كبيرا بين المحللين الاقتصاديين والمستثمرين. ويواجه حملة السندات احتمالية التأخر في سداد الديون فيما اعتبر في السابق سوقا أوروبية خالية من المخاطر، وقد طلبت أوروبا من دافعي الضرائب دفع المزيد من الدعم للمؤسسات المالية ومنع الإعانات.

ويقول إد كلارك، الرئيس التنفيذي لمصرف دومينيون في تورنتو بكندا، الذي يراقب عن كثب التطورات في كل من الولايات المتحدة وأوروبا: «هناك خلافات تلوح في الأفق وتتمحور في الأساس حول التوزيع، والوعود التي قطعت ولا يمكن الوفاء بها، فمن الذي سيدفع ثمن ذلك؟ هذا هو ما يزيد من حدة هذه المناقشة».

إن السياسات صعبة والعملية معقدة وتتضمن موافقات الحكومة وأحزاب المعارضة التي تشمل جميع الأطياف من المحافظين إلى الاشتراكيين والمؤسسات التي تتحكم في 27 دولة في الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الأخرى التي تخدم 16 دولة في منطقة اليورو. ويبدو أن الحل المشترك داخل منطق اليورو يمكن أن ينتهي عند ماكينات طباعة النقد التابعة للمصرف المركزي الأوروبي، فالدول الأوروبية تتقاسم عملة واحدة، لكن هناك خلاف دائم بين الدول الأفضل أداء التي لا ترغب في مساعدة جاراتها الأقل نجاحا بشكل متواصل.

ويحاول المصرف المركزي الأوروبي رأب الصدع، لكنه لم يتمكن من إنجاز الكثير على هذا الصعيد، فعلى الرغم من استقلاليته فإن البنك يتأثر بشكل كبير بالمخاوف الأوروبية من التضخم المالي. وعلى عكس الاحتياط الفيدرالي لا يملك المصرف المركزي الأوروبي تفويضا صريحا بتعزيز العمالة، كما لا يمكنه ضخ مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد كما يفعل المصرف الفيدرالي. وقد أكد القادة الأوروبيون لدى اجتماعهم في بروكسل هذا الأسبوع أن نهجهم الأساسي لحل الأزمات الحالية - نتيجة للإصرار الألماني - هو عدم توسيع صندوق الإنقاذ - وهي خطوة يرى محللو السوق أنها ضرورية لبناء الثقة.

ويتوقع رؤساء تنفيذيون في الشركات الأميركية الكبرى مثل شركة «بيمكو» للسندات، وكبار الاقتصاديين والمحللين الأوروبيين أيضا أن بعض الدول ربما تلجأ إلى خيار الانسحاب، فعلى سبيل المثال، كيف ستتمكن هذه الخطوات الأوروبية التي تجري حاليا - مثل خفض الميزانية في اليونان وآيرلندا وإعادة هيكلة البنوك في إسبانيا والنقاش حول القواعد الجديدة لبيع السندات الحكومية - في تحقيق أهداف إدارة الأزمة وحماية منطقة اليورو من التفكك. ويقول يوري دادوش، رئيس البرنامج الأوروبي في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولية هذا الأسبوع، في منتدى حول مشكلات أوروبا نظمته شركة «أوغيلفي» للتسويق: «ما تتطلع إليه أوروبا هو النمو، وهذا لا يحدث».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»