وزير الخارجية الياباني في حوار مع «الشرق الأوسط»: أود توسيع الشراكة اليابانية - العربية لتشمل توليد الطاقة الشمسية والنووية

سيجي مائيهارا يؤكد أن بلاده تستطيع توظيف التكنولوجيا الفائقة لإصلاح البنى الأساسية في الدول العربية

TT

اليابان بلا شك واحدة من عمالقة الصناعة والتقنية الحديثة في العالم المعاصر التي تمكنت من ابتداع الحلول لكثير من معضلات العصر في شتى المجالات العلمية والهندسية والتقنية، وفيما تحتاج منطقة الشرق الأوسط للتقنية الحديثة لتنمية مواردها وتوفير حلول لكثير من معضلات النمو والإنتاج بكفاءة، تحتاج اليابان إلى الطاقة العربية لتحريك ماكيناتها الصناعية، حيث تعتمد اليابان بشكل رئيسي في التصنيع على الطاقة المستوردة من دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة النفط المستورد من أبوظبي والسعودية والغاز المسال القطري. كما تحتاج كذلك لأسواق المنطقة لتسويق منتجاتها. من هذا المنطلق هنالك مصالح حيوية تربط بين اليابان والعرب من الصعب تجاوزها أو التقليل من شأنها.

قبيل انعقاد المنتدى الياباني - العربي الثاني الذي يبدأ أعماله اليوم في تونس بحضور كبار المسؤولين ورجال الأعمال العرب واليابانيين، خص وزير خارجية اليابان سيجي مائيهارا «الشرق الأوسط» بهذا اللقاء الذي تحدث فيه عن عمق ومستقبل العلاقات بين دول الشرق الأوسط واليابان والمصالح الضخمة التي تربط بينهما، خاصة على صعيد شراكة الطاقة التي وصفها بأنها من أكبر وأهم الروابط التجارية بين العرب واليابان.

أكد وزير الخارجية الياباني سيجي مائيهارا أنه عازم على تحقيق تقدم إيجابي في العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية اليابانية العربية. وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن اليابان تستطيع استخدام التكنولوجيا الفائقة في إصلاح البنى الأساسية في الدول العربية وتود التعاون بقدر الإمكان لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. وأشار إلى أن دول المنطقة لديها إمكانيات كبيرة فيما يتعلق بالطاقة الشمسية والمياه وقال سنستخدم التكنولوجيا اليابانية في تطوير هذه المجالات. وحول أهمية شراكة الطاقة بين اليابان ودول الشرق الأوسط قال الوزير إن اليابان استوردت في العام الماضي 90% من احتياجاتها من النفط الخام من دول المنطقة، مشيرا إلى أن بترول الشرق الأوسط يعتبر رخيصا نسبيا باعتبار نوعيته وله ميزة من ناحية تكاليف النقل وبالتالي قال: «أرى الاستمرار في دعم العلاقات الوثيقة بين اليابان والشرق الأوسط». ودعا مائيهارا إلى توسيع شراكة الطاقة بين الجانبين لتشمل إضافة إلى البترول والغاز الطبيعي الطاقة المتجددة وإنتاج الطاقة النووية والطاقة الشمسية. وقال إن الشركات اليابانية تشارك بعدة أشكال في مشاريع تنقية البترول والبتروكيماويات، وأكبر دليل على ذلك مشروع شركة «بترو رابغ» المشتركة بين «سوميتومو للكيماويات» وبين شركة «أرامكو» السعودية، الذي وصفه بأنه أكبر استثمار ياباني في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. وعلى صعيد الغاز الطبيعي قال إن اليابان أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم وبنسبة 40% من الإنتاج العالمي. وأشار في هذا الصدد إلى أن التكنولوجيا اليابانية ساهمت في تأسيس منشأة استخراج الغاز المسال في قطر التي تبلغ طاقتها 77 مليون طن. وإلى نص اللقاء.

* ما هي المواضيع التي تنوي اليابان طرحها في المنتدى الاقتصادي الياباني العربي الثاني؟ وما هي العناصر اللازمة من أجل إنجاز مناقشات بناءة في العلاقات الاقتصادية اليابانية العربية؟

- إنني عازم على أن أحقق تقدما إيجابيا في العلاقات الاقتصادية الدبلوماسية اليابانية تجاه العرب، وأريد أن أدعم مزيدا من التبادل والتعاون بين كلا الطرفين في المجال الاقتصادي في مناسبة هذا المنتدى الذي يجتمع فيه كبار مسؤولي الحكومات وكبار رجال الأعمال من الجانبين الياباني والعربي. وأعتقد أن كل المجالات التي تقرر أن تجرى بشأنها مناقشات في هذا المنتدى - ومنها الطاقة والبيئة وتنمية الموارد البشرية والعلوم والتكنولوجيا والاستثمار والسياحة والماليات والتجارة وغيرها - كلها لها أهمية في تحقيق مزيد من النمو في العلاقات الاقتصادية بين اليابان والعرب.

حققت الدول العربية في السنوات الأخيرة نموا اقتصاديا ثابتا وتزايدا في عدد السكان، وخاصة بسبب التزايد في أعداد الشباب وهم القوة القادرة على العمل، تتحول الدول العربية بالنسبة للشركات اليابانية إلى سوق تصدير ومناطق جاذبة للاستثمار لهما سحرهما الخاص. إن اليابان تستطيع استخدام التكنولوجيا اليابانية الفائقة من أجل إصلاح البنى الأساسية في الدول العربية كما تستطيع المساهمة في تنمية العلوم والتكنولوجيا والموارد البشرية في الدول العربية. وبناء على ذلك، سأعمل على بناء علاقات مفيدة لكلا الطرفين، اليابان والدول العربية.

وفي التنمية الاقتصادية، لا غنى عن المحافظة على السلام والاستقرار. واليابان تأمل أن يتم التوصل إلى حلول سلمية لمشكلات الشرق الأوسط وفي مقدمتها مشكلة السلام في الشرق الأوسط. وتود أن تتعاون بقدر الإمكان من أجل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. وفيما يتصل بعلاقات الصداقة بين اليابان والدول العربية، أعتقد أنه يمكن أن يتم تحقيق مزيد من العمق فيها من خلال التعاون والتبادل في المجال الثقافي بين الجانبين. وأنا أؤمن أن من المهم العمل على إحراز نمو على مستويات متعددة في مختلف المجالات في العلاقات بين اليابان والعرب مثل التجارة والاستثمار والحوار السياسي والتبادل الثقافي وغيرها.

* إلى أي درجة تتوقعون أن تجري مناقشات بناءة في هذا المنتدى حول مشاريع التعاون والمشاريع المشتركة التي تنال أهمية كبيرة في مجالات الطاقة الشمسية والمياه والعلوم والتكنولوجيا؟

- الشرق الأوسط لديه إمكانيات كبيرة فيما يتعلق بأعمال الطاقة الشمسية والمياه، وأتوقع أن يتم استخدام التكنولوجيا المتقدمة التي تمتلكها اليابان في هذه المجالات في الدول العربية. ومن ناحية الحكومة أيضا، سنعمل على دعم العمل من أجل تحقيق هذا. وبالإضافة إلى أنني أود العمل على زيادة عمق علاقات التعاون مع الدول العربية في مجال الطاقة الشمسية، من خلال تفعيل استخدام مساعدات التنمية الرسمية (ODA) وغيرها، يتم حاليا إجراء حوار حول السياسات في مجال المياه. ويسرني وأتوقع أن تجري مناقشات فعالة في هذا المنتدى حول كلا المجالين.

كما ستساهم اليابان في تنمية العلوم والتكنولوجيا في الدول العربية. وبصفة خاصة في مصر تم - من خلال إنشاء الجامعة المصرية - اليابانية للعلوم والتكنولوجيا - الحصول على تعاون من جامعات يابانية ويتم حاليا التعاون من أجل إيفاد متخصصين وتقديم أجهزة. وفي المملكة العربية السعودية أيضا، يتم تنفيذ تعاون في التدريب الفني على تصنيع البلاستيك وفي مجال الكهرباء والإلكترونيات وصيانة السيارات.

اليابان دولة هامة ومن أكبر الدول المستهلكة للبترول المستخرج من دول الشرق الأوسط، خاصة أن حجم البترول الخام الذي تستورده اليابان من دول مجلس التعاون الخليجي يصل إلى ما تزيد قيمته عن 60 مليار دولار أميركي سنويا.

* كيف ترون تطوير الشراكة فيما يتعلق بالطاقة بين اليابان ودول الشرق الأوسط في المستقبل؟

- وصل حجم البترول الخام الذي استوردته اليابان من الشرق الأوسط في عام 2009 إلى 90% من حجم واردات اليابان من البترول الخام. وبترول الشرق الأوسط يعتبر رخيص الثمن نسبيا باعتبار نوعيته وبالمقارنة مع البترول الذي ينتج في مناطق أخرى من العالم. كما أن بترول الشرق الأوسط له ميزة من ناحية تكاليف النقل بالمقارنة مع البترول الذي ينتح في أفريقيا الغربية. وبالتالي أرى الاستمرار في دعم العلاقات الوثيقة بين اليابان ودول الشرق الأوسط وعلى مستوى عال فيما يتعلق باستيراد البترول.

وبالإضافة إلى ذلك، قد أصبحت معالجة التغير المناخي قضية هامة في المجتمع الدولي في السنوات الأخيرة، ولذلك يبدأ في دول الشرق الأوسط أيضا تطبيق إيجابي للطاقة المتجددة وإنتاج الطاقة النووية. واليابان تمتلك قدرات تكنولوجية متقدمة في هذه المجالات كما تمتلك كثيرا من الخبرات العملية، وقد بدأ بالفعل التعاون مع دول الشرق الأوسط. وفيما يتعلق بالشراكة بين اليابان ودول الشرق الأوسط في مجال الطاقة، أؤمن بالعمل على التنوع والتوسع في المستقبل، ليس في مجال البترول والغاز الطبيعي فقط، بل أيضا في مجال الطاقة المتجددة وإنتاج الطاقة النووية وغير ذلك.

* يعتبر الاستثمار في الصناعات البتروكيماوية مسألة هامة بالنسبة لليابان ودول الشرق الأوسط. هل يوجد في الوقت الحالي مشاريع تتم دراستها أو تجري مفاوضات بشأنها بين الشركات اليابانية والعربية في مجال تنقية البترول والبتروكيماويات؟

- يسعدني أن اليابان تشارك اليوم بعدة أشكال مختلفة في مشاريع في مجال تنقية البترول والبتروكيماويات. وإذا أردت أن أذكر مثالا حديثا لما تشارك فيه الشركات اليابانية، فسنجد أنه قد أقيم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي في المملكة العربية السعودية حفل اكتمال المشروع المشترك الذي نفذته «بترو رابغ» الشركة المشتركة بين شركة «سوميتومو للكيماويات» وشركة «أرامكو» السعودية. وهذا المشروع بالنسبة لليابان هو أكبر المشروعات الاستثمارية حجما في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. وبالإضافة إلى هذا المشروع أعرف أن هناك مشاريع متعددة أخرى في دول الشرق الأوسط تتم دراستها أو تجري مفاوضات بشأنها حاليا. ومن جانب حكومة اليابان أيضا، ننوي أن نقوم بتقوية الدبلوماسية الاقتصادية، وأن ندعم بإيجابية دخول أنشطة الشركات اليابانية إلى دول الشرق الأوسط.

* تستورد اليابان 24% من الغاز الطبيعي اللازم لها من دول عربية، هي قطر وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة. ومن المعروف أن تنمية البنية الأساسية ذات الصلة بموارد الغاز الطبيعي تعتبر ذات تكلفة عالية للغاية. هل يتوقع السيد الوزير أن تقوم اليابان في المستقبل القريب بإضافة استثمارات تستهدف مشاريع مشتركة لتنمية موارد الغاز الطبيعي في الدول العربية؟ وما هي رؤيتكم بخصوص رأس المال الياباني والتكنولوجيا اليابانية التي تساهم في التنمية ذات الصلة بالصناعات المتعلقة بموارد الغاز الطبيعي؟

- بدأت اليابان استيراد الغاز الطبيعي المسال عام 1969. واليابان اليوم هي أكبر دولة مستوردة للغاز الطبيعي المسال في العالم وذلك بنسبة 40% من المنتج في العالم. وقامت الشركات اليابانية خلال هذه السنوات التي تقارب الأربعين بتحسين تكنولوجيا تسييل الغاز وبتكبير حجم المصانع، وصاحب هذا قيام الشركات اليابانية بتطوير التكنولوجيا التي تعمل على تعلية مستوى الثقة في الطلب على المصانع وغير ذلك من الإجراءات. كما حدث في تلك الفترة تراكم نتائج كثيرة تتعلق بتجهيزات الغاز الطبيعي في مناطق استهلاكه بما في ذلك اليابان، التي هي أكبر منطقة مستهلكة له. وإلى جانب أن اليابان تستطيع أن تفخر على مستوى العالم بالتكنولوجيا المتقدمة في مجال الغاز الطبيعي المسال، أعتقد أنه شيء رائع أن تساهم اليابان في تنمية دول الشرق الأوسط. وقد ساهمت التكنولوجيا اليابانية في تأسيس منشأة استخراج غاز طبيعي مسال بنيت مؤخرا في قطر تصل قدرتها إلى إنتاج 77 مليون طن.

والغاز الطبيعي - بالمقارنة مع البترول والفحم - يوصف بأن طاقته صديقة للبيئة من حيث إنه تنتج عنه كميات أقل من الغازات المنبعثة مثل ثاني أكسيد الكربون ومركبات أكسيد النيتروجين وأنه لا يتولد عنه مركبات كبريتية عند الاحتراق. وهناك كثير من دول الشرق الأوسط غنية بموارد الغاز الطبيعي. لهذا يمكن الاعتقاد في تزايد إمكانية التعاون المشترك بين اليابان والدول العربية في مجال تنمية موارد الغاز الطبيعي. وستقوم حكومة اليابان، بقدر الإمكان، بدعم العمل على جعل مثل هذه الإمكانية واقعا حقيقيا.