شركات أميركية وكندية توظف متداولين صينيين لتداول الأسهم من الصين

مكاتب التداول الرخيصة مقارنة بالغرب ازدهرت في كبرى مدن الصين

طبقا لبعض التقديرات الخاصة يمارس 10 آلاف شخص في الصين تداول الأسهم اليومي القائم على التكهنات في البورصات الأميركية («نيويورك تايمز»)
TT

قبل أن يدق جرس افتتاح عمليات التداول في بورصة نيويورك مؤخرا في أحد أيام الثلاثاء، سجلت مجموعة من الخريجين الجدد حضورها في إحدى شركات التداول الصغيرة في ضواحي العاصمة الصينية، حيث تم تعيينهم للعمل في التداول السريع للأسهم مع بعض مؤسسات الاستثمار الكبرى في نيويورك ولندن وطوكيو وصدرت إليهم تعليمات بأن يكونوا متيقظين. وقال كينغ تشان، المدير العام لشركة «ليزر تريد» محتدا عليهم: «يمكن أن تكون السوق متقلبة اليوم، فكونوا حذرين عند الافتتاح ولا تقدموا على مخاطرات حمقاء».

يعد مكتب التداول الخاص بتشان أحد المكاتب التي ازدهرت في كبرى مدن الصين خلال السنوات الأخيرة حيث توظف شركات التداول التي مقرها الولايات المتحدة وكندا عمالة رخيصة في الصين وتدربهم على العمل في التداول القائم على التكهنات، أي شراء وبيع الأسهم المسجلة في بورصة نيويورك ونازداك باستمرار أملا في تحقيق أرباح سريعة.

وطبقا لبعض التقديرات الخاصة بهذا المجال، يمارس 10 آلاف شخص في الصين تداول الأسهم اليومي القائم على التكهنات في البورصات الأميركية، وأغلبهم من الشباب الذين يعملون هنا خلال الساعات الأولى بعد منتصف الليل، أي منذ 9:30 مساء إلى 4:00 صباحا وغالبا ما يتداولون عشرات الآلاف من الأسهم يوميا.

ويقول ستيفن إيرليك، المدير التنفيذي بشركة «لايت سبيد فاينانشال»، وهي شركة جديدة تبيع برامج إلكترونية خاصة بالتداول لشركات تعمل في الصين: «مجموعات التداول انتشرت في الصين». وتفرض الصين حظرا على استخدام العملة الصينية في شراء أو بيع الأسهم للشركات المسجلة في البورصات الأجنبية، بينما يبدو أنه يسمح لأي كيان أجنبي بتداول الأسهم. وشجع عدم وضوح القوانين شركات التداول الأميركية والكندية على فتح أفرع لها هنا في الصين إلى حد ما لإرضاء العملاء الأثرياء الذين يريدون خيارات استثمارية متنوعة.

وقد أربكت هذه العمليات خبراء الأوراق المالية، وتعجبوا من تمكن هذه الشركات من تحقيق أرباح بفضل متداولين لا يتمتعون بالخبرة اللازمة وطالما تساءلوا عما إذا كانت الاستعانة بشركات تداول في الصين تعد مخالفة للقوانين الأميركية والكندية الخاصة بالأوراق المالية أم لا.

ويقول توماس رايس، أحد الخبراء في قانون الأوراق المالية بشركة «بيكر آند ميكنزي»: «إنها فوضى قضائية بالنسبة إلى المشرعين الأميركيين. هل هؤلاء المتداولون الصينيون سماسرة بورصة؟ وإن كانوا كذلك فهل هم في حاجة إلى التسجيل في أميركا؟».

رفض مسؤولون في لجنة البورصة والأوراق المالية ونظيرتيها في كندا والصين التعليق عند سؤالهم عن تزايد تداول الأسهم ليوم واحد في الصين، وكذلك رفضت كل من بورصة نيويورك ونازداك التعليق. وأصر متحدث رسمي باسم «سويفت تريد» التي تزود شركة «ليزر تريد» ببرامج إلكترونية مقابل جزء من أرباح التداول، على أن عمليات التداول في الصين قد تم تسجيلها بشكل صحيح وأنها قانونية. ورفضت شركتا «هولد برازارز» و«تايتل تريدينغ» اللتان لديهما عمليات تداول يومي إجراء مقابلة معهما أكثر من مرة.

وتقول بعض هذه الشركات إنها يمكن أن تستفيد من عمليات التداول في الصين من خلال تكاليف إجراء العمليات المنخفضة واستعادة الأموال والحوافز المالية الأخرى من البورصات الكبرى وطلب النخبة في الصين بشكل غير معلن للمزيد من الخيارات الاستثمارية. تقول أكثر الشركات إنها تزيد رؤوس أموالها أو رأس مال المستثمرين في الولايات المتحدة أو كندا لفتح فرع تداول لها، فهي توظف شبابا صينيين ليقوموا بعملية التداول نيابة عنهم دون إعطائهم راتبا ثابتا في أغلب الأحيان مع وعد بالحصول على حصة من الأرباح.

ويقول بيتر باك، مؤسس شركة «سويفت تريد»، وهي شركة كندية يعمل لحسابها نحو 1500 متداول في الصين، في مكالمة هاتفية، إن عملياته كانت مزدهرة وحصلت الشركة على حصة من أرباح التداول، ويضيف: «عملاؤنا فتحوا مكتبا وهم يعطوننا المال ثم يوظفون أشخاصا يقومون بعملية التداول نيابة عنهم. هذا هو هيكلنا». وتعد شركة «سويفت تريد» إحدى الشركات الرائدة في مجال التعهيد بالتداول اليومي وقد ازدهرت في البداية من خلال عرض خدمات السمسرة في كندا ثم من خلال توظيف كنديين لتداول رأس مال الشركة من مقرها بتورونتو. وخصصت الشركة رواتب متواضعة للمتداولين مع عقد صفقات معهم بتقاسم الأرباح.

لكن بعد عام 2001 عندما بدأت البورصات الأميركية تحديد أسعار الأسهم بالأرقام العشرية بدلا من الكسور، تم الحد من التداول وانخفضت الأرباح. ونتيجة لذلك اضطر الكثير من متداولي الأسهم بشكل يومي، الذين استفادوا من الازدهار وتأرجح الأسعار، إلى التوقف.

والجدير بالذكر أن شركة «سويفت تريد» اتجهت إلى آسيا بسبب قلة عدد المتداولين الذين يستخدمون برامجها الإلكترونية أو يتقاسمون أرباحهم من التداول معها، ففتحت مركز تدريب في الصين وشجعت بعض المتداولين الكنديين من ذوي الأصول الصينية بالاتجاه إلى الصين لتأسيس وإدارة شركة تداول تابعة لها.

وبدأ العمل، وبحلول عام 2007 بدأت شركة «سويفت» وشركات تداول أخرى مثل «تايتل تريدينغ» و«هولد برازارز» في تقديم خدمات للمتداولين اليوميين غالبا من خلال حسابات لأثرياء صينيين أو وافدين من الولايات المتحدة وكندا.

من هؤلاء المخاطرين المواطن الأميركي تشان، الذي يبلغ من العمر 25 عاما، ويقول إنه تخلى عن وظيفة في شركة «جيه بي مورغان» في الولايات المتحدة العام الماضي ليستثمر في شركة «ليزر تريد» ويديرها. ويضيف أن نحو 200 شخص تقدموا خلال الشهرين الماضيين لشغل وظائف في الشركة. ويزداد معدل الدوران بسبب ترك الموظفين العمل بعد أربعة أو خمسة أشهر، وقليل هم من يستمرون في العمل لأكثر من عام.

قال مدير الشركة التابعة لـ«تايتل تريدينغ» في الصين، الذي رفض الكشف عن اسمه لقلقه من عدم الحصول على وظيفة في حالة تراجع عمل الشركة، إنه جاء إلى هنا من كندا بسبب مميزات إدارة عمليات التداول التي يقوم بها صينيون كانوا على استعداد لبدء العمل براتب ضئيل أو حتى دون راتب، ويضيف: «في السابق عندما كان المتداول يستطيع جني من 4 إلى 5 آلاف دولار شهريا أراد الكنديون أن يفعلوا مثله، لكن إن كان ما يجنونه ألف دولار، فلن يفعلوا. لذا عهدوا بالأمر إلى الصين مثلما يحدث في حالات كثيرة».

ويتراوح المبلغ الذي يحصل عليه خريجو الجامعات في الصين من 300 إلى 400 دولار شهريا، لكن يقول خبراء العمل هنا إن الوظائف الإدارية تراجعت مما دفع أغلبهم إلى تجربة الوظائف التي ليس لها دخل مضمون لكن تتضمن فرصا للحصول على حصة من الأرباح. إذا حقق المتداولون أرباحا، فهم يحصلون على حصة تتراوح بين 10 و50 في المائة مع تقسيم الباقي بين شركة التداول والمستثمر، وفي حال تسبب المتداولون في خسارة، فهم يخاطرون بعملاء الشركة وربما بوظائفهم أيضا. قال جون كوفي، أحد الخبراء في قانون الأوراق المالية بجامعة كولومبيا، إن الأمر يصل إلى رسم سمسرة ضخم وغريب. وقال في مكالمة هاتفية: «إنه تعويض مرتفع غير اعتيادي. إن كان ذلك هو ما يحدث في الولايات المتحدة، فستكون الرسوم مرتفعة للغاية»، وأضاف أنه حتى وإن استطاع المتداولون التفوق على السوق كلها، فإن «رسوم المعاملات ستلتهم جزءا من المكاسب».

ومن جانبها تقول شركات التداول إن لديها استراتيجيات تداول فريدة من نوعها تمنحها ميزة، حيث تقول بعض هذه الشركات إنها تستخدم برنامجا إلكترونيا متطورا لإدارة المخاطر يمكنه على سبيل المثال وقف عمليات التداول بعد حدوث سلسلة من الخسائر للحيلولة دون وقوع خسائر كبيرة في يوم واحد، لكنهم يسلمون بأن الخسائر يمكنها أن تتزايد بشدة.

لكن يظل نمو التجارة في الصين يشير إلى جني المرء أرباحا، وتقول الكثير من مؤسسات التداول إن حجم التداول الذي تقوم به ضخم للغاية، حيث يقول تشان إن حجم تداول مكتب الشركة في الصين يصل إلى 5 ملايين سهم في اليوم.

واجهت بعض شركات التداول مشكلات مع المشرعين الأميركيين والكنديين تتعلق بممارسات هذا العمل، ففي عام 2002 توصلت «الجمعية القومية لمتداولي الأوراق المالية» التي تعرف الآن باسم «هيئة تنظيم الصناعة المالية» إلى تسوية مع شركة تابعة لـ«سويفت تريد» ورئيسها بيك بشأن الاشتراك في عملية احتيال من خلال التورط في عمليات تداول وهمية. وفي 2009 دفع بيك وشركة أخرى تابعة لـ«سويفت تريد» 20 ألف دولار غرامة للجنة البورصة والأوراق المالية بعد اتهام الشركة بتزييف حقائق خاصة بعميل، حيث تبين أن هذا العميل يتبع لأقرباء بيك وله علاقة بنحو 1100 متداول دولي في 50 مكتبا دوليا و30 مكتبا كنديا. يقول المديرون التنفيذيون بشركة «سويفت تريد» إنهم ملتزمون بالقانون. ولا تعمل الشركة حاليا في الولايات المتحدة لكنها تشتري وتبيع أسهما من خلال تابعيها من المتداولين المسجلين لدى لجنة البورصة والأوراق المالية.

ومع ذلك يرى الكثير من المتداولين الصينيين هذا الأمر فرصة لجني ثروات سريعة من جديد من خلال شراء وبيع الأسهم أكثر من مائة مرة في اليوم غالبا، حيث لا يمتلكون السهم لأكثر من 5 دقائق أملا في الحصول على الاستفادة من أقل ارتفاع في الأسعار.

* شارك باو بيبي في إعداد هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»