توقعات بأجواء اقتصادية عالمية أقل اضطرابا على الرغم من بعض «السحب المخيفة»

تشمل ديون أوروبا وأميركا ونشوب حرب عملات مع الصين

TT

لم يعد حتى بعض المستثمرين المتشائمين في السوق يبدون متشائمين تماما. بالنظر إلى ديفيد روزنبيرغ، الذي يعمل الآن في شركة «غلوسكين شيف»، ومقرها مدينة تورونتو، الذي كان يعمل من قبل خبيرا اقتصاديا في شركة «ميريل لينش» بنيويورك. لقد كان روزنبيرغ ناقدا واضحا لتجاوزات «وول ستريت» في السنوات التي سبقت حدوث الأزمة المالية عام 2008. وما زال روزنبيرغ يمتلك الكثير من الأسباب المقنعة للقلق بشأن الأسواق والاقتصاد.

ومن بين هذه الأسباب، استشهد روزنبيرغ بعبء الديون المتزايدة على الولايات المتحدة وسياسات التقشف التي تطبقها حكومات محلية وحكومات الولايات، وأزمة الديون الأوروبية الطويلة، والسياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، التي يعتبرها توسعية بشكل مفرط، واحتمال وقوع حروب بشأن العملة والتضخم الأولي في الصين. وهذه مجرد بداية.

ويقول روزنبيرغ إنه يعتقد أن البورصة سوف تنخفض في النهاية، مؤكدا أننا في سوق متراجعة لفترة طويلة الأجل.

وعلى الرغم من ذلك، فقد كتب خلال الأسبوع الماضي في نشرة إخبارية أنه: «حتى الآن، تتمتع سوق الأسهم بميزة ارتفاع أسعار الأسهم خلال الفترة ما بين أعياد الميلاد وبداية العام الجديد بوضوح». وقال خلال مقابلة إن المستثمرين الذين زادت أعدادهم بشكل ساحق سوف يدفعون ارتفاع أسعار السندات على المدى القصير في السوق بشكل دوري.

وهم كذلك بالتأكيد. وتعزز حزمة الضرائب التي تم سنها خلال الأسبوع الماضي في واشنطن المزاج المرح، الذي رفع مؤشر سهم «ستاندرد آند بور 500» إلى أعلى مستوياته منذ نهاية عام 2008، قبل انهيار مصرف «ليمان برازرز». وحتى العام الحالي، ارتفع المؤشر بنسبة 11.6 في المائة، كما ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بور 600» الذي يتابع الأسهم المالية الصغيرة بنسبة 24.8 في المائة. وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) بمفرده، ارتفع كلا المؤشران بنسبة أكثر من 5 في المائة.

وقد ساعدت حزمة الضرائب، التي تحتوي على مجموعة من الأحكام التي تشمل توسيع التخفيضات خلال عهد بوش لكل دافعي الضرائب في دعم الأسواق لسببين واضحين. أولهما، بالإضافة إلى خفض ضريبة الدخل والرقعة التي سوف تمنع ضريبة الحد الأدنى البديلة من إيقاع 21 مليون شخص إضافي من دافعي الضرائب في شرك، فإنها تحتوي على ميزات مفيدة بشكل مباشر للمستثمرين والشركات التجارية. وسوف توسع، على سبيل المثال، معدل الخمسة عشر في المائة المفروض على أرباح رأس المال وإيرادات الأسهم، التي كان من المنتظر أن تنتهي في نهاية هذا الشهر، وكانت ستسمح للشركات التجارية بتسريع خفض نفقات رأس المال.

كما تحتوي أيضا على أحكام أخرى سوف يكون لها أثر تحفيزي مباشر على الاقتصاد؛ وهو توسيع إعانات البطالة للعاطلين عن العمل لفترة طويلة وتخفيض ضريبة الضمان الاجتماعي على الدخل ونسبتها 6.2 في المائة، وهو ما يؤدي إلى حدوث مدخرات صافية تصل إلى 2136 دولارا للعامل خلال العام المقبل.

وبينما كان توسيع تخفيضات الضرائب في عهد بوش متوقعا بشكل واسع، فلم تكن تخفيضات ضريبة الدخل متوقعة. وعلى سبيل المثال، لم يدرج راي فير، أستاذ الاقتصاد في جامعة ييل، الذي توقعت نماذجه الاقتصادية القياسية حدوث نمو قوي خلال عامي 2011 و2012 آثار خفض ضريبة الدخل في حساباته. ولم تدخل هذه الآثار أيضا كعنصر في توقعه نتيجة الانتصار الذي حققه أوباما في الانتخابات.

ومن دون حساب عامل خفض ضريبة الدخل، وتوقع النموذج تحقق نمو سنوي حقيقي في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 3.69 في المائة خلال فترة الأرباع السنوية الثلاثة الأولى من عام 2012. ويقول فير: «حسبما اتضح، سوف تجعل حزمة الضرائب الفعلية المحصلة أكثر ارتفاعا بشكل هامشي، وأفضل هامشيا بالنسبة لأوباما».

وإذا اعترف مستثمرون متشائمون مثل روزنبيرغ بوجود انتعاش معين في الأسواق الآن، فإن الكثير من الأشخاص الذين انطلقوا بميل يرى إمكانية ارتفاع أسعار الأسهم في السوق، يبدون مبتهجين بشكل إيجابي الآن. وفي الحقيقة، ساعدت حزمة الضرائب، بالنسبة للمتنبئين في بورصة «وول ستريت» كمجموعة، بالإضافة إلى انتصار الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفية والسياسة النقدية الصارمة للاحتياطي الفيدرالي، في ظهور توقعات متفائلة تماما.

وتوصل مسح أجرته شركة «بلومبيرغ» خلال الأسبوع الماضي لآراء خبراء استراتيجيين في شركات سمسرة كبرى ببورصة «وول ستريت» إلى توقع حدوث ارتفاع لمتوسط سعر مؤشر سهم «ستاندرد آند بور 500» خلال نهاية عام 2011 بمعدل 1379 نقطة. وسوف يكون هذا مكسبا بنسبة 11 في المائة تقريبا، دون أن يشمل أرباح الأسهم. ودعت الآراء مجتمعة لتوزيع أرباح للسهم بمبلغ 92 دولارا أميركيا، مقابل توزيع أرباح أقل من 80 دولارا للسهم الآن.

وقال بوب دول، رئيس الخبراء الاستراتيجيين في مجال الأسهم بشركة «بلاك روك»، وهي شركة لإدارة الأصول الكبيرة، خلال الأسبوع الماضي إنه: «لم يثبت بعد رقما لسهم ستاندرد آند بور لعام 2011» ولكن قال إن هذا الرقم من الوارد أن يكون في نطاق الإجماع، ربما بنحو 1350 نقطة، مع احتمال ارتفاع المخاطر بشكل إضافي أكثر من انخفاضها، وهو عكس الوضع الذي كان سائدا خلال العام الحالي. وبعبارة أخرى، على الرغم من خطر الأزمات المالية المتواصلة في أوروبا واحتمال تقلب الأسواق لبعض الوقت، ويعتقد دول أنه من الوارد جدا أن ينهي مؤشر سهم ستاندرد آند بور عام 2011، بارتفاع يفوق معدل 1350 نقطة، وليس أقل من هذا المعدل.

ومنذ عام، كان الاقتصاد لا يزال يترنح بفعل صدمة الائتمان، حسب قوله، ولم تكن سياسة واشنطن ودودة تجاه أسواق المال. وذكر دول أنه على النقيض الآن، تحول المناخ السياسي «وزادت الشركات التجارية الأميركية المالية بشكل واسع كميات المبالغة النقدية في ميزانياتها العمومية، كما زادت من تدفق النقد الحر في بيانات الدخل الخاصة بها». وقال إن ثقة المستثمر تحسنت ببطء وبشكل مؤكد إضافة إلى ذلك.

ويرى دول أنه من الوارد أن ترتفع البورصة برفقة الأرباح التجارية، ولكنها قد تقفز حتى بشكل أسرع إذا أدى تحسن شعور المستثمرين إلى ظهور تقييمات عالية. وعلاوة على ذلك، يقول دول إن الشركات التجارية الأميركية يمكن أن تستغل خزينتها النقدية بطرق تفيد المستثمرين، عبر استرداد المبالغ النقدية من خلال عمليات إعادة الشراء والأرباح العالية وعبر «تشغيل بعض العمال الأكثر إفادة بالفعل، ومن خلال القيام باستثمارات رأسمالية مثمرة». وبالمثل، يقول إيثان هاريس، رئيس الخبراء الاقتصاديين في بنك «أميركا ميريل لينش» لمنطقة أميركا الشمالية، إن حزمة الضرائب قد ساعدت على جعله متفائلا بشكل حذر للفترة القصيرة. ولكنه يقول: «بالنسبة للأرباح الأطول، فإن الجانب السلبي الكبير في كل هذا هو أنه من الواضح عدم وجود خطة بالفعل في واشنطن للتعامل مع عجز الميزانية».

ويضيف هاريس: «ليست هناك كارثة فورية، ولكننا نلعب بالنار».

ومن جانبه، يتوقع روزنبيرغ حدوث تصحيح محدود في السوق، مع وصول المعدل المستهدف لمؤشر سهم «ستاندرد آند بور 500» في نهاية عام 2011 إلى رقم يتراوح ما بين 1100 و1200 نقطة. ويقول روزنبيرغ ذلك لأن الاقتصاد ما زال متقلبا، ولأنه من المبكر الإعلان عن أن مسيرة السندات طويلة الأجل قد انتهت. ويفضل روزنبيرغ الاستراتيجيات الدفاعية ذات الإجراءات الاحتياطية الكلاسيكية. وفي النهاية، سوف يكون هناك تراجع أعمق في سوق البورصة، حسب قوله، ولكن ربما لم يحدث هذا بعد. وقد يكون هناك قدر كبير جدا من الحماس في هذه اللحظة.

* خدمة «نيويورك تايمز»