السعودية: ترجيحات اقتصادية بنمو وتيرة الإقراض البنكي في 2011

العام الجديد سيكون عنوانا لمشاريع البنى التحتية وانتعاش الاكتتابات وسوق الأسهم والوظائف

الخبراء يتوقعون أن تشهد القطاعات الاقتصادية السعودية نموا طفيفا في 2011 (تصوير: خالد الخميس)
TT

رجّح خبراء اقتصاديون في السعودية أن تتحول مشاريع التنمية في العام الجديد إلى بنية تحتية تحقق مزيدا من النمو المستدام، توسع قدرات الاقتصاد المحلي، مع احتمال عودة القطاع البنكي المحلي لإقراض القطاع الخاص بوتيرة أعلى مما كان عليه سابقا. وتوقع الخبراء أن يواصل التضخم صعوده في العام الجديد مع عودة متوقعة للائتمان البنكي بالنمو بصورة أقوى من عام 2010، في ظل استمرار حالة تحسّن لسوق الأسهم تستمر حتى الصيف المقبل، بينما سيعاود النمو بصورة أقوى في الربع الأخير من العام، وسيتخلل ذلك عدد من الاكتتابات أكبر من العامين السابقين.

كما يتوقع أن يشهد العام الجديد المزيد من الوظائف والمساهمة في خفض معدلات البطالة، إضافة إلى التركيز على المشاريع الإنتاجية التي تخلق الوظائف وتحسّن دخل الفرد لمعالجة التضخم المحلي.

وفي هذا السياق، أكد عبد الحميد العمري عضو جمعية الاقتصاد السعودية أن ملامح عام 2011 تحمل مستويات أفضل في أدائها من عام 2010، ويتوقع أن يتحسن معها النمو الاقتصادي بمعدل يناهز 4.2 في المائة، مقارنة بـ3.8 في المائة المتحققة لهذا العام، وأن يواصل القطاع غير النفطي تحسنه الذي أبداه خلال هذا العام بنحو 4.4 في المائة، ليصل معدل نموه الحقيقي بنهاية 2011 لأكثر من 4.5 في المائة.

أما على مستوى المالية العامة، قال العمري: «مع التوقعات المتفائلة باستمرار التحسن في نمو الاقتصاد العالمي، وامتداده بالطبع إلى تحسن الطلب على النفط عالميا، مقدرا أن يبقى متوسط سعر برميل النفط العربي الخفيف لعام 2011 عند مستويات بين 90 إلى 91 دولارا للبرميل؛ مما يمكن أن يساهم في رفع إجمالي إيرادات الميزانية العامة لعام 2011 إلى مستوى بين 870 و900 مليار ريال (232 مليار دولار و240 مليار دولار)، في الوقت الذي يحتمل أن ترتفع المصروفات الحكومية عن المقدر لها إلى أكثر من 665 مليار ريال (177 مليار دولار)، مما سيؤدي إلى تحقق فائض جيد للميزانية يقدر بأكثر من 200 مليار ريال (53.3 مليار دولار)».

ويرى العمري أن ذلك سيدعم السياسة المالية في اتجاهها الراهن نحو دعم الاستقرار الاقتصادي الكلي، واستمرارها الإيجابي في تحفيز وتوسيع قدرات الاقتصاد المحلي، كما سيسهم عودة القطاع البنكي المحلي لإقراض القطاع الخاص بوتيرة أعلى تتجاوز نموه الطفيف لهذا العام الذي لم يتجاوز 4 في المائة، مؤكدا أن هذا من شأنه أن يسهم في الدفع بالقطاع الخاص نحو مزيد من النشاط والنمو.

وفي ما يتعلق بمعدل التضخم، توقع العمري، أن يواصل صعوده في العام المقبل كنتيجة لاستمرار الإنفاق الحكومي الضخم، والعودة المتوقعة لنمو الائتمان البنكي بصورة أقوى من عام 2010، إضافة إلى تأثر القوة الشرائية للريال سلبا بسبب توقع مزيد من الانخفاض في الدولار الأميركي في الأسواق، وتأثر المستهلك النهائي بارتفاع فاتورة الواردات.

وعن البطالة، لا يعتقد العمري أن يطرأ عليها تغيير، إذ ستبقى في رأيه مرتفعة فوق 11 في المائة حسبما توضح بيانات سوق العمل، وذلك، والحديث للعمري، لأن فرص التوظيف للعمالة الوطنية لا تزال محدودة، مقابل الارتفاع المتواصل في مخرجات التعليم العام والفني والعالي. وبالنسبة لسوق الأسهم يتوقع العمري استمرار حالة التحسن الراهنة التي تمر بها إلى حدود منتصف العام (قبل الصيف)، مرجحا حدوث بعض التصحيحات الطفيفة خلال الصيف، في حين سيعاود النمو بصورة أقوى في الربع الأخير من العام، كاستجابة مشروعة لنمو السيولة في الاقتصاد بعد أخذ مستوى الائتمان البنكي لأوضاعه السابقة - قبل الأزمة المالية العالمية - في النمو.

وأشار إلى أن العام المالي للسوق سيشهد عددا كبيرا من الاكتتابات أكبر من العامين السابقين 2009 و2010، ويأمل العمري أن تكون قيمتها المضافة ربحيا موازية لإضافتها الرأسمالية في السوق.

ومن ناحيته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور حسني الخولي لـ«الشرق الأوسط»: «الأهداف والخطط والإجراءات يجب أن تكون مغايرة في ضوء التغيرات الإيجابية للسعودية، فاقتصاديات السعودية ومشاريعها أصبحت أكثر جاذبية للاستثمار، يضاف إلى ذلك أن السعودية لا تبخل في زيادة الإنفاق إذا كان هناك مبررات لذلك؛ فالمصروفات الفعلية في العادة تتجاوز تقديرات الإنفاق المعلنة».

وفي ضوء ما سبق يعتقد الخولي أنه يجب أن تكون الفرص المتاحة والشراكة ومد جسور التعاون مع العالم الخارجي وتبادل الخبرات تتسم بالتميز، والتحدي الأكبر في رأيه هو الموارد البشرية التي تنظم وتدير تلك الأعمال، مبينا أن ذلك لن يتأتى إلا بالمزيد من التدريب ويسبقه التعليم، مشيرا إلى أن الدولة لم تدخر وسعا في هذا الجانب، فبند التدريب والتعليم خصص له 150 مليار ريال (40 مليار دولار) وبما يعادل 26 في المائة من حجم الإنفاق في الموازنة.

وتوقع الخولي أن تثمر نتائج تلك الموازنة في المستقبل القريب تحول الاقتصاد السعودي من الاقتصاد الريعي، الذي يعتمد على استخراج وبيع النفط، إلى الاقتصاد المعرفي، كما تفضي تلك النتائج إلى بروز تكتلات من المستثمرين، بجانب حدوث رواج الصناعات الصغيرة والمتوسطة، مشيرا إلى أنه سيواكب تلك النجاحات توظيف شبة كامل للقوى العاملة السعودية، بالإضافة إلى استقدام الأيدي العاملة من الخارج للمساعدة على تحريك عجلة التنمية.

وأشار الخولي إلى أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تمثل العصب الرئيسي لاقتصاد كثير من الدول المتقدمة، فهي برأيه لا تقدم فقط فرصا للتوظيف، وبالتالي مصدرا لدخل قطاع عريض من الأفراد فحسب، بل إنها أيضا تعد الدافع الرئيسي للمزيد من الابتكارات التكنولوجية وتنوع الصادرات، ومن ثم فهي تعتبر أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي، متمنيا أن يشار قريبا إلى التجربة السعودية في هذه الصناعات مثلما يشار إلى التجربة الماليزية والتجربة الصينية، خاصة أن السعودية تتوفر بها معظم مقومات نجاح التجربة.

وأكد أن الحكومة قامت بواجبها، والخطوة التالية تقع على عاتق الأجهزة المعنية بالتشريع، والتخطيط، والتنفيذ، بما يذلل أي عقبات وبما يظهر أثره في المستقبل القريب على الاقتصاد السعودي والسوق المالية.

وفي حديث ذي صلة، يعتقد الخبير الاقتصادي فضل سعد البوعينين أن التوقعات المبنية على ميزانية عام 2011 التقديرية لا يمكن التأكيد عليها ما لم يتم تنويع مصادر الدخل ورفع كفاءة الإيرادات وزيادة حجم الإيرادات النفطية لتصل إلى مستوى 40 في المائة على أقل تقدير، بوضع خطة استراتيجية لتنويع مصادر الدخل، ودعم قطاعات الإنتاج الصناعي وقطاع الصادرات، مبينا أن خفض الدين العام إلى ما نسبته 10 في المائة يعزز من قدرة السعودية المالية والاقتصادية مستقبلا، ويدعم تصنيفها السيادي، ويسهم أيضا في خفض تكلفة الدين.

واستطرد البوعينين، أن سداد الدين العام يؤثر سلبا في نسب التضخم بسبب زيادة السيولة التي تؤدي بدورها إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات، إلا أنه سيدعم موقف القطاع المصرفي الذي سيجد مساحة أكبر للتمويل، على أساس أن الاحتياطيات المالية تفوق 1.6 تريليون ريال (426.6 مليار دولار)، في الوقت الذي تعاني فيه بعض القطاعات من شح في التمويل، موضحا ضرورة التركيز في الديون السيادية على المشاريع الاستثمارية التي تحقق التنمية المستدامة.

وعن الأثر المترتب للميزانية الجديدة بحسب البوعينين، فإنه يتمثل في خلق المزيد من الوظائف والمساهمة في خفض معدلات البطالة، وتابع: «إذا لم يكن هناك ربط بين ترسية المشاريع الحكومية والوظائف التي يتوجب على الشركات المستفيدة توفيرها فسيبقى الأمر على ما هو عليه بغض النظر عن حجم الإنفاق الحكومي، قل أو كثر»، مفترضا التركيز على المشاريع الإنتاجية التي تخلق الوظائف وتحسن دخل الفرد لمعالجة التضخم المحلي.

وعن جودة مشاريع التنمية، استصعب البوعينين عملية التكهن بما ستأتي به السنوات المقبلة، فالوفرة الحالية برأيه قد لا تتكرر مستقبلا، لذا يعتقد وجوب أن يكون التركيز الأكبر على المنفعة الكلية، وجودة مشاريع التنمية، ومطابقتها للمواصفات العالمية التي توفر لها العمر الافتراضي الطويل، مع ضرورة أن يحقق الإنفاق الحكومي التوسعي الفائدة القصوى، وأن لا يسمح بهدر الأموال على مشاريع متدنية الجودة قد تحتاج إلى صيانتها أو إعادة إنشائها من جديد بعد مدة زمنية قصيرة.

وأكد البوعينين أن مشاريع التنمية ستتحول مع مرور الوقت إلى بنية تحتية تحقق مزيدا من النمو المستدام، مستدركا أن الأمر يبقى مرهونا بخطط البناء وتحويل المشاريع الضخمة إلى واقع محسوس وبكفاءة عالية تضمن بقاء تلك المشاريع لعقود كثيرة أسوة بالدول المتقدمة، «إذا لم يحقق الإنفاق التوسعي الكفاءة فسيفقد الاقتصاد قوة الدعم الذاتية التي تحقق له أسس التنمية المستدامة».