موجة توظيف لمسؤولي الحكومة الأميركية من قبل الشركات المصرفية والقانونية الكبرى

تمنحهم مرتبات أكبر وتستخدم خبراتهم وعلاقاتهم

TT

انضم مدير شؤون الميزانية المعاون للرئيس، الذي غادر منصبه مؤخرا إلى «سيتي غروب»، وانتقل خبير بشؤون المشتقات لدى مصرف الاحتياط الفيدرالي إلى «غولدمان ساكس»، وبالمثل، انتقل الكثير من المحققين من وزارة العدل ولجنة الأوراق المالية والبورصات إلى شركات محاماة كبرى في وول ستريت.

الواضح أن عملية الإصلاح الواسعة التي خضعت لها التنظيمات المالية، وتكثيف التحقيقات بشأن الجرائم المالية، جاءت بمثابة دفعة لمسؤولي الحكومة والمحققين وصناع السياسة المالية المتطلعين نحو الاستفادة من خبراتهم واتصالاتهم الحكومية في جني المال.

في الشهور الأخيرة، أقدم مسؤولون بارزون في البيت الأبيض ووزارة العدل ولجنة الأوراق المالية والبورصات، ومسؤولو التنظيم المصرفي ووكالات أخرى على الاستقالة من مناصبهم للانتقال إلى «غولدمان ساكس» و«سيتي غروب» ومؤسسات مالية أخرى وشركات محاماة ذائعة الصيت في واشنطن ونيويورك.

وأشارت مصادر قانونية مطلعة إلى أن المحامين الذين أقدموا على هذه الخطوة، والذين في الغالب كانوا يعملون لدى القطاع الخاص قبل الانضمام للعمل الحكومي، من الممكن أن يرتفع دخلهم من أقل من 200 ألف دولار إلى 400 ألف دولار أو أكثر.

والجدير بالذكر أن الوكالات الحكومية تتبنى قواعد تتعلق بتعارض المصالح تفرض قيودا على ما يمكن للمسؤولين السابقين القيام به في وظائفهم الجديدة، إلا أن أعداد المنتقلين من العمل الحكومي إلى الخاص تثير تساؤلات حول تأثير الوعود بوظيفة مربحة على أسلوب تفكير المسؤولين أثناء عملهم في الحكومة.

عن ذلك، قال ستافروس غادينيس، أستاذ قانون مساعد بجامعة كاليفورنيا في بيركيلي، الذي درس العلاقة بين مسؤولي التنظيم المالي والشركات: «إنهم يبنون علاقات بالأفراد الجالسين على الطرف الآخر من الطاولة. إذا كنت مسؤولا بلجنة الأوراق المالية والبورصات تحقق في قضية ضد (غولدمان ساكس)، وفي نهاية الطاولة يجلس أمامك المستشار العام للمؤسسة، ربما حينها يخالجك التفكير في أنه في غضون بضع سنوات ربما ترغب في الاتصال به والاستفسار عن وجود وظيفة».

واستطرد غادينيس بأنه على الطرف الآخر من الحجة نرى أن مسؤولي التنظيم المالي الذين يبدون نشاطا وحزما في أداء عملهم ستنظر إليهم الشركات أيضا على نحو إيجابي.

الملاحظ أن قواعد منع تعارض المصالح تتنوع، لكنها تتبع في النهاية نموذجا متشابها، حيث يحظر على المسؤولين العمل على قضايا معينة سبق أن تناولوها أثناء عملهم لدى الحكومة. ولا يجوز لهم التعامل مع الجهة السابقة التي كانوا يعملون لحسابها قبل مرور فترة تتراوح بين عام وعامين، حسب القضية.

من بين قرارات الانتقال اللافتة للانتباه خلال الشهور الأخيرة ذلك المرتبط ببيتر أورساغ، المدير السابق لشؤون الميزانية، الذي كان واحدا من العناصر المحورية في الفريق الاقتصادي المعاون للرئيس أوباما. وسينضم أورساغ لـ«سيتي غروب» كنائب لرئيس شؤون الصرافة العالمية.

وهناك، سيصبح واحدا من فريق عمل من كبار المصرفيين المعنيين بتعزيز صلات المؤسسة بكبار العملاء، ونوه بيان صادر عن المتحدثة الرسمية باسم «سيتي غروب» بأن عمله «لن يتضمن الاتصال بمسؤولين في الحكومة الفيدرالية الأميركية».

كما استعان «غولدمان ساكس» بثيو لوبك، الذي عمل لفترة طويلة لدى مصرف الاحتياط الفيدرالي بنيويورك، والذي قاد جهود إصلاح السوق الضخمة للمشتقات.

ويعد «غولدمان ساكس» واحدا من العناصر الكبرى في هذه السوق، ودار حوله جدال مكثف عام 2009، عندما تكشفت معلومات حول تلقيه مليارات الدولارات من «أميركان إنترناشونال غروب» فيما يخص عقود مشتقات.

ويذكر أن «أميركان إنترناشونال غروب» تلقى إعانات مالية من مصرف الاحتياط الفيدرالي ووزارة الخزانة. وداخل «غولدمان ساكس»، سيعمل لوبك بقسم الأوراق المالية كمسؤول عن الإصلاح التنظيمي. وسيعمل مع كبار المسؤولين التنفيذيين لإدارة تنفيذ بنود قانون دود - فراك التنظيمي. كما قام «غولدمان ساكس» بتعيين ديفيد ماركوفيتز، المحامي الذي سبق له العمل محققا رفيع المستوى لدى المحامي العام لنيويورك أندرو كومو. يذكر أن كومو أمر بإجراء عدة تحقيقات حول وول ستريت.

وقال متحدث رسمي باسم «غولدمان ساكس» إن لوبك وماركوفيتز لن يدليا بتعليق.

أيضا، انتقل كيفين بوفالوسكي، الذي كان نائبا للمحقق العام فيما يتعلق ببرنامج إنقاذ الأصول المتعثرة، إلى شركة «شيبارد مولين» للمحاماة في نيويورك. يذكر أن البرنامج قدم 700 مليار دولار لإنقاذ القطاع المالي.

وقال بوفالوسكي، المحقق الفيدرالي السابق: «لقد عملت معه وتعرفت على أفراد في وزارة العدل ومصرف الاحتياط الفيدرالي ووزارة الخزانة وشركة التأمين على الودائع الفيدرالية، ومختلف أنماط الوكالات الفيدرالية. ويمكن لذلك مساعدتي في ممارستي الدفاع بقضايا الجرائم المالية. أنا على علم بطبيعة العناصر المشاركة في القضايا، سواء كانوا من زملائي السابقين في الضاحية الجنوبية من نيويورك أو وكالات أخرى. إنهم يثقون بي. ولدي أسماؤهم وأرقام هواتفهم بما يمكنني من الاتصال بهم.» بوجه عام، تقف وراء الانتقالات تلك الكثير من العوامل، حسبما ذكر محامون وجهات توظيف قانونية.

يذكر أن قانون دود - فرانك الموجه لإصلاح التنظيمات المالية يتطلب من وكالات مثل لجنة الأوراق المالية والبورصة ولجنة البيع الآجل للسلع إقرار مئات القواعد الجديدة التي تحكم كيفية عمل وول ستريت. وقال مايكل لورد، مسؤول بشركة محاماة، إن التعيينات الجديدة ركزت على مجالات السلع والمشتقات وجرائم الاحتيال المتعلقة بالأوراق المالية.

علاوة على ذلك، ضغط محققون فيدراليون وآخرون بلجنة الأوراق المالية والبورصات وآخرون لأجل إجراء تحقيقات مكثفة حول التجاوزات المالية. ووافقت مصارف كبرى، بينها «غولدمان ساكس» و«سيتي غروب»، على تسويات بلغت قيمتها مئات الملايين من الدولارات. ويتم إجراء المزيد من التحقيقات الأخرى مع محاولة المحققين ومسؤولي التنظيم إظهار أنهم يحاسبون المسؤولين التنفيذيين الذين ربما أسهمت تصرفات غير قانونية اتخذوها في الأزمة المالية.

من ناحيتها، أشارت إليزابيث بابيز، المحامية لدى «ونستون آند سترون»، التي كانت من قبل مسؤولة بوزارة العدل وأنهت مؤخرا عملها ككاتبة لدى القاضي بالمحكمة العليا كليرانس توماس، إلى أنه يتعين على الشركات التعامل مع القواعد الجديدة نتيجة للضغوط الصارمة التي يفرضها قانون دود - فرانك وقوانين منع الرشاوى والتغييرات التي أدخلت على القواعد التي تحكم التعاملات التجارية مع الحكومة.

وقال دانييل غالاغر، المحامي لدى «ويلمرهيل» والمسؤول البارز السابق لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات، إنه من الصعب أن يدرك الإنسان العادي مدى الجدية التي يلتزمها مسؤولو اللجنة في تقييم القواعد والتفسيرات والقضايا التي تواجه الشركات. وقال: «لن يمكنك تفهم الأمر حقا إلا إذا شاركت فيه».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»