جنوب السودان: الانفصال قد يكون سهلا ولكن تبقى تحديات الاقتصاد

وسط غياب البنية التحتية وتقلص حجم المساعدات الدولية بسبب الأزمة المالية الدولية

TT

يتجه السودان إلى انقسام حاد، لكن بينما يتطلع قادة الجنوب إلى الاستقلال السياسي عن الشمال، فربما يجبرهم الواقع الاقتصادي على الاعتماد على خصومهم السابقين.

ويتوقع معظم المحللين انفصال الجنوب - الذي ينتج نحو 75% من إنتاج السودان من النفط الذي يبلغ 500 ألف برميل يوميا - عقب استفتاء التاسع من يناير (كانون الثاني) الذي نص عليه اتفاق للسلام أبرم عام 2005، منهيا أطول حرب أهلية في أفريقيا. وسيبدأ اعتبار الجنوب دولة مستقلة بحلول التاسع من يوليو (تموز). لكن المنطقتين تمتلكان موارد ستضمن على الأرجح ألا تنفصم العلاقات بين اقتصاديهما إلا ببطء شديد إذا ما تمكن الجانبان من تجنب اندلاع صراع مسلح من جديد.

وقالت عابدة المهدي وزيرة الدولة للشؤون المالية سابقا «في حالتنا هناك تعاون اقتصادي إجباري إذا لم يكن مرغوبا به... إذا ما أضر الجنوب بالشمال في مجال سيرد الشمال في مجال آخر لذا يحتاج الجانبان التعاون اقتصاديا لتسير الأمور في يسر».

ويحصل الجنوب الذي يضم نحو 20% من سكان السودان البالغ عددهم 40 مليون نسمة على 98% تقريبا من ميزانيته من خلال إيرادات النفط الأمر الذي يجعله رهينة للشمال الذي يمتلك البنية الأساسية للتكرير وشحن النفط وسيحتاج الجنوب سنوات لتشييد بنيته التحتية حتى وإن تمكن من التغلب على الصعوبات المالية.

لذا يتعين على حكومة جنوب السودان أن تكبح توقعات شعبها وحتى بعض وزرائها بأنها ستتمتع بنسبة 100% من إيراداتها النفطية عقب الاستقلال. وسيطالب الشمال بسعر أعلى في صورة إيجارات ورسوم لاستخدام المصافي وخطوط الأنابيب والموانئ.

لكن لدى الجنوب ورقته الرابحة، وهي نظامه الخاص للعملة. وبالرغم من أن وحدة نقدية قد تكون هي الخيار الأرخص بالنسبة للجانبين فإن الجنوب يعتزم لأسباب سياسية إصدار عملته الخاصة بعد الانفصال. وإذا أقدم على هذه الخطوة من دون تعاون وثيق مع الشمال بشأن قضايا مثل التوقيت وسعر الصرف فإن الضغوط التضخمية على الجنيه السوداني قد تكون مدمرة.

وقال أسبن بارث إيدي نائب وزير الخارجية النرويجي الذي يقدم المشورة للجانبين بشأن النفط «الطرفان مؤهلان تماما لتدمير بعضهما البعض لكن على حساب تدمير نفسيهما».

ويقدر المحللون أن حكومة الجنوب ربما تتمكن من إضافة مليار دولار إلى ميزانيتها السنوية التي تبلغ نحو ملياري دولار من خلال الحصول على المزيد من عائدات النفط بعد الاستقلال. ونوعا ما سيستفيد الجنوب من بداية اقتصادية جديدة وسيتجنب مشكلات يعاني منها الشمال مثل الديون الخارجية المنهكة وعجز تجاري هيكلي كبير. ويرفض الجنوب حتى الآن تحمل أي جزء من أعباء الدين الخارجي للسودان ويستبعد محللون أن يقبل بذلك.

وباستثناء النفط، يهيمن على أنشطة التجارة في السلع بجوبا عاصمة الجنوب اقتصادات شرق أفريقيا المجاورة القوية نسبيا بدلا من الشمال ومن المرجح أن يستمر هذا الوضع. لكن الجنوب يشارك الشمال بعض المشكلات الاقتصادية. ويقدر البنك الدولي نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي في السودان ككل عند 1220 دولارا فقط في 2009 وربما يكون المستوى أقل في الجنوب.

وعلى غرار الشمال ينفق الجنوب مبالغ هائلة للحفاظ على جيش ضخم فشل في تسريحه برغم السلام. وفجر تأجيل دفع الرواتب أعمال شغب من جانب جنود غاضبين وليس هناك الكثير من فرص العمل التي يمكن توفيرها لهم في حال تسريحهم.

وقال الاقتصادي حسن ساتي المسؤول السابق في وزارة المالية السودانية عن حكومة الجنوب «يجب أن يستثمروا معظم أموال النفط في تنمية الزراعة والصناعة والخدمات التعليمية والصحية». وأضاف: إذا ما واصلوا الإنفاق على أنفسهم فسيواجهون موقفا صعبا للغاية.

وليس هناك إلا القليل من البنية التحتية في الجنوب و60 كيلومترا فقط من الطرق معبدة. ويتم توفير الطاقة الكهربائية عن طريق مولدات الديزل المكلفة إذ لا توجد شبكة وطنية ومياه الصنابير شحيحة في الكثير من المناطق. وبسبب سوء مرافق التعليم فإن إحدى المشكلات الكبرى تتمثل في نقص الموارد البشرية.

وقبل تدفق الاستثمارات ستحتاج الحكومة إلى إحكام سيطرتها على الأمن بعد تاريخ من الاضطرابات العسكرية وتمرد الميليشيات والاشتباكات المسلحة في المناطق القبلية. وقال وزير المالية السوداني السابق عبد الرحيم حمدي «يحتاج الجنوب إلى تدفق ضخم لرأس المال من الخارج.. لن يأتي من المستثمرين يجب أن يأتي من المانحين».

وتعهد مانحون بينهم بريطانيا والولايات المتحدة والنرويج وهولندا بتقديم أكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات منذ 2005 إلى السودان ككل. وتكلفت مشروعات يديرها البنك الدولي أكثر من 500 مليون دولار في الجنوب وحده وملايين أخرى في المناطق الحدودية بين الشمال والجنوب. لكن الدول المانحة التي عول عليها الجنوب فيما مضى تقول إنها لن تكون سريعة للغاية في تقديم المساعدات في أعقاب الانفصال. وقلصت الأزمة المالية العالمية من حجم المساعدات المقدمة لبعض البلدان وسيتوخى المانحون الحذر حتى تتمكن جوبا من السيطرة على الفساد المستشري وتثبت أن بوسعها تجنب الحرب مع الشمال. وقال إيدي: «يجب ألا يتوقعوا أن ينقذهم المانحون لديهم أصدقاء أوفياء لكن لا يمكن أن تدير الاقتصاد اعتمادا على مساعدات التنمية». ومع ذلك ربما يقدر الغرب أنه ليس بوسعه تحمل عبء وجود دولة هشة أخرى في شرق أفريقيا قريبة جدا من الصومال وبالقرب من كينيا صاحبة أهم اقتصاد في شرق أفريقيا. لذا يجب توفير المساعدات لفترة على الأقل. ويقول محمد كباج الباحث الاقتصادي المستقل الذي عمل مستشارا لمحادثات اقتسام الثروة في صراع دارفور المنفصل «الجنوب هش للغاية». وإذا لم يرفع المجتمع الدولي من حجم مساعدته للجنوب فسيكون هذا سوء إدارة خطير جدا للوضع ككل وسيعاني الجميع أكثر.