القهوة في الهند تمزج التاريخ بالضيافة وسط مساحات خضراء تجذب السياح

أسعارها عادت للارتفاع بعد انخفاض في أعوام قبل الأزمة

TT

كما هو الحال في كل صباح، بدأنا هذا الصباح بتناول قدح من القهوة، لكن على الرغم من سفرنا نحن الأربعة إلى هذا المكان القاصي للاستمتاع بهذا الهدوء على جانب الجبل في ولاية كارناتاكا، زوجتي كيت وأنا من مومباي، وأصدقاؤنا فرانكلين وسارة من الولايات المتحدة، لم تكن قهوتنا كذلك.

كانت إقامتنا في وسط مزرعة قديمة، لكنها لا تزال نشطة في زراعة القهوة، مملوكة لبراساد بوفانا، وحبوب القهوة التي صبت في الأقداح كانت قد حصدت لتوها من مزرعته، ثم أخذت القهوة في رحلة قصيرة لمدينة فيراجبت المجاورة، حيث خضعت لعملية تحميص ثم طحن، قبل أن يتم شحنها مرة أخرى إلى مصدرها لتصب في الأقداح.

وخلال احتسائنا لهذا المزيج ذي النكهة القوية، استمتعنا بمظهر السحب تنجرف عبر المزارع والتلال المشجرة خارج كروغ (على الرغم من عودة المنطقة إلى اسمها الأصلي، كوداغو، إلا أن الاسم الإنجليزي لا يزال شائع الاستخدام).

وعلى مدى عقود كانت هذه المنطقة موطنا لهذه الزراعات، والآن بدأت في استيعاب الزائرين، حيث جذب أهالي المنطقة الانتباه بحفاوتهم الكبيرة التي يتمتعون بها.

لم تكن المنطقة في السابق ترحب بالزائرين؛ فقبل سنوات طويلة، قبل أن يبدأ البريطانيون في زراعة القهوة هنا في القرن التاسع عشر، كان السكان يخشون القوات العسكرية في كودافاس (السكان الأصليون للمنطقة). وكانت الغابات الكثيفة أيضا مأوى للحيوانات المفترسة والحشرات القاتلة والطفيليات، أضف إلى ذلك أن موسم الرياح الموسمية يمتد إلى ستة أشهر كل عام، حيث تتفاقم المخاطر. وعندما حصلت الهند على استقلالها عام 1947، باع المزارعون البريطانيون الأصليون مزارعهم لكودافاس وسكان جنوب الهند الآخرين. وعلى الرغم من حالة الازدهار التي عاشها المزارعون الهنود في البداية، فإن تحرير سوق القهوة في التسعينات كان مؤشرا على حقبة من التقلبات الاقتصادية.

وخلال السنوات الأخيرة، في مواجهة للسعر المتقلب للسلعة، قام هؤلاء المزارعون بإضافة بعض أماكن السكن إلى مزارعهم.

ويقول سوريش شنغابا، مالك فندق هاني فالي، مشيرا إلى العمال الذي يجمعون حبوب القهوة في حقله يدويا: «إنها تحقق دخلا إضافيا للنساء وتوفر المزيد من فرص العمل خلال فترة الكساد». وقام شنغابا وزوجته سوشيلا في البداية بفتح مزرعتهم أمام الضيوف في عام 1994، بعد أن قضى فيروس على دخلهم من إنتاج عسل النحل، حيث لا يزالان يعملان به، ولكن بدرجة أقل، عبر زراعة القهوة.

لا يعتمد شنغابا والمزارعون الآخرون على دخل السياحة فقط؛ فالقهوة لا تزال مصدرا رئيسيا للدخل في المنطقة، حيث يتعدى إنتاج منطقة كورغ من حبوب القهوة، سواء من أرابيكا أو روبوستا، النوعين الرئيسين لمزروعات الاستهلاك أكثر من أي منطقة أخرى في الهند.

وتنتهج كل مزرعة أسلوبا معينا في صناعة القهوة؛ ففي مزرعة بوفانا بالاس، التي فتحت أبوابها لاستقبال الزوار في عام 2004، تُقدّم قهوة مصنوعة من حبوب الروبوستا، أما هاني فالي المملوكة لشنباغا فتقدم القهوة المعدة من النوعين كليهما، بهدف موازنة قوام قهوة روبوستا بالطعم الجيد لحبوب أرابيكا.

بيد أن غالبية الإنتاج يتم شحنه إلى باقي جنوب الهند والعالم (بحسب بوفانا، فإن عملاق قهوة الإسبريسو الإيطالية، إيلي، يستورد حبوب أرابيكا من كورغ).

وبعيدا عن السمعة العالمية للقهوة، فإن عامل الجذب الحقيقي للسائحين إلى المنطقة هو الخضرة التي تقدم الظل لنباتات القهوة والحياة البرية، والطيور على وجه التحديد، التي تسميها موطنا.

تعد كورغ جزءا من سلسلة «وسترن غاتس» الجبلية، التي تمتد بموازاة ساحل بحر العرب، بدءا من جنوب ولاية غوغارات، وحتى ولاية كيرالا المنطقة الغنية بالتنوع البيولوجي.

وبينما كنت أسير وكاتي وسط أملاك تشينغابا، مررت بأشجار القهوة تحت مظلة من أشجار بلوط فضية تسند مزارع عنب يزرع بها فلفل أسود. وبمحاذاة مدخل الغابة، يظهر نبات الهال وأشجار برتقال بين الحين والآخر.

رأت كاتي، المسلحة بـ«دليل الطيور في شبه القارة الهندية»، أثناء قيامها بالتريض حول المزارع في الصباح، طائر درونغو ضخما بذيل على هيئة مضرب، وكلابا بمؤخرة بيضاء، وببغاء المالابار، بالإضافة إلى أنواع أخرى.

تمثل هذه المزارع أماكن رائعة، ونقاط انطلاق لرحلات المشي لمسافات طويلة. وفي الدليل الموفر للسياح، الذي يتضمن تفاصيل عن رحلات التسلق الصباحية التي تنظمها شركة «هاني فالي»، يقدم تشينغابا وصفا لرحلة إلى قمة جبل تاديندامول، على ارتفاع نحو 2700 قدم، للوصول إلى أعلى نقطة في كورغ، التي تعد من أروع المرتفعات في المنطقة، إن لم تكن الأروع في جنوب الهند بأسرها.

وأضاف لاحقا: «عالم النباتات يموج بالحيوية، حيث تجد نوعا مختلف من النباتات كل بضعة أمتار». وكما أوضح في الكتاب، تتضمن الرحلة زيارة إلى قصر نالاكناد المنحوت بشكل زخرفي وشيده فيراراجيندرا، حاكم الكورغ المحاصر عام 1791. وتزيد مراعي وحقول أرز في الجزء الأخير من تنوع المناظر الطبيعية.

بعد كل هذا لم يسعنا سوى الموافقة، فبعد تناول الإفطار والقهوة، وإعداد علب الغداء، بدأنا السير في الطريق الضيق المحيط بالمزارع. وبينما كنا نسير، كانت عيون كاتي وفرانكلين، وهو من المتحمسين للطيور هو الآخر، مثبتة على المظلة، مضيفة طائر البوقير الرمادي من المالابار، والحمام الإمبراطوري الأخضر، والباز، إلى قائمة الأنواع التي رصدوها. بينما أفسحت أشجار القهوة والبلوط الفضي الطريق لنمو أكثر كثافة ثم أرض مرتفعة مفتوحة، كانت أشعة الشمس بدأت في الانحسار. وعند عبورنا بالجيب المنحدر الأخير لغابة مرتفعة مبللة، كانت السحب قد أحاطت بنا من كل جانب.

وعند وصولنا إلى القمة، استقبلتنا الأمطار، وتوقفنا قليلا؛ أملا في انقشاع السحاب، لنرى التلال المنخفضة باتجاه ولاية كيرالا المجاورة، لكن ظلت السحب تعوق الرؤية، وكان من المحتمل أن يكون الدرب الذي بدأ، يبدأ من الجانب الآخر من الجبل مؤديا إلى هاوية.

قال بويانا في ما بعد: «لا يمكن توقع المشاهد التي يمكن رؤيتها. في مايو (أيار) عاد أحد النزلاء بصور فوتوغرافية رائعة لكانور، المدينة المطلة على البحر، التي تقع على بعد 30 ميلا باتجاه الجنوب الغربي».

وأثناء وقوفنا على قمة الجبل، سقط المطر بكثافة، وبعد وجبة خفيفة، قمنا بارتداء معاطف المطر، وأسرعنا بنزول التل. وخلال عودتنا كانت الطرق تفيض بالمياه. لكن مع ذلك كان لا يزال هناك حافز للتوقف، تحركت بومة من بين الأشجار فوق المزرعة. وبعدها بدلنا ثيابنا ثم عدنا إلى الشرفة مرة أخرى نرشف القهوة الساخنة، ونشاهد السحب وهي تتحرك على التلال القاصية.

* خدمة: «نيويورك تايمز»