صندوق استثماري للفنون لرفع قيمة الأعمال الفنية وأسهمها

إذا كان لا يمكنك تحمل تكلفة شراء عمل لبيكاسو.. يمكنك شراء جزء منه

سيرجي سكيترتشيكوف المصرفي الروسي ومؤسس شركة «سكيتز» التي تتابع ما يزيد على 5 آلاف من أكثر الأعمال الفنية قيمة بما في ذلك أسعارها ومخاطر الاستثمار فيها («نيويورك تايمز»)
TT

لطالما رأى محبو الفنون أنفسهم أكثر رقيا من خبراء «وول ستريت»، لكن عالمهم ينهار حاليا مع اتجاه شركات مالية جديدة لبيع أسهمها في صناديق ائتمان خاصة بلوحات.

ويخشى البعض من أن تشبه النتائج المترتبة على ذلك لوحات الكنافا الفوضوية الرائجة لجاكسون بولوك. وتمثل الفئتان معا تركيبة غريبة، ففي حين يفضل الكثير من المستثمرين الشفافية وجمع الأصول، يفضل تجار الأعمال الفنية السرية والحصول على أعمال بشكل حصري.

لكن مع ارتفاع أسعار الأعمال الفنية الشهيرة، تعمل الجهات المسؤولة على إدارة محافظ الأوراق المالية للمستثمرين على عمل صندوق للفنون أملا في أن ترتفع قيمة أعمالهم الفنية وأسهمها. لكن ما يثير قلق الخبراء في مجال الفن هو أن هذه الصناديق تشبه على نحو ما الأوراق المالية والعقود الاشتقاقية المدعومة بأصول والتي تعد من الاستثمارات الغامضة التي ساءت سمعتها أثناء الأزمة المالية.

وفي ظل هذا الصراع يوجد مؤيدون مثل شركة البحث في مجال الفن «سكيتز» التي تحاول أن تضفي الصبغة الشرعية على الحركة الناشئة من خلال جعل السوق أكثر شفافية وتوجيه أنظار المستثمرين الجدد إلى عالم الفن. وقالت كريستينا ديل ريفيرو، محامية الأوراق المالية في مانهاتن والمتابعة للسوق الناشئ من خلال مدونتها «الفن والقانون يلتقيان»: «الشفافية وتحديد قيمة الأصول الفنية التابعة لصناديق الائتمان قضيتان أساسيتان في تحويل الأعمال الفنية إلى أوراق مالية».

وفي حين أن الأسهم والسندات لا تزال متقلبة، يسارع المستثمرون الأثرياء في الخارج إلى الحصول على أصول مثل الفن.

فقد سجلت المزادات العام الماضي أرقام مرتفعة للغاية، حيث دفع المزايدون 106,5 مليون مقابل عمل لبيكاسو و104,3 مليون مقابل عمل من أعمال غياكوميتي و89,5 مليون مقابل مزهرية صيني للإمبراطور كيانلونغ و11,5 مليون لكتاب نادر لأودوبون.

وتسعى الشركات المالية إلى استغلال هذا الاهتمام ماديا. فمن خلال الاستثمار في الصناديق، يمكن للأثرياء اقتناء الفن دون دفع رسوم ضخمة وضرائب هائلة كما يحدث عادة عند امتلاك عمل فني بالكامل. وتزعم بعض الجهات المسؤولة عن إدارة المحافظ المالية أن العائد قد يصل إلى 20 في المائة.

هذا المجال لا يزال وليدا من حيث الأصول التي تبلغ قيمتها 300 مليون دولار، إلا أنه ينمو. وتعتزم بورصة الفن في باريس إدراج على الأقل اسم ستة قطع في البورصة ومنها عمل لسول لي ويت وكذلك تنوي بيع الأسهم لمستثمرين.

وأقامت شركة «ليدر» الروسية لإدارة الأصول، التي يديرها معارف فلاديمير بوتين، استثمارين يتعلقان بالفن. وأصدرت روسيا الصيف الماضي لوائح تسمح بتحويل الفن إلى أوراق مالية وهي بذلك تعد ثاني دولة تقوم بذلك بعد الهند. وتبدأ شركة «نوا ويلث مانيدجيمينت» وصندوق «تيري أرت» في شراء محافظ مالية في الصين.

والفكرة وراء الكثير من صناديق الفن بسيطة نسبيا، حيث يضخ بعض كبار المستثمرين أموالا لمساعدة الجهات المسؤولة عن إدارة المحافظ المالية على شراء لوحات. وعلى الجانب الآخر يشتري مستثمرون أصغر وحدات ملكية ترتبط قيمتها بالفن الذي تمثله. ومن أجل الحصول على مزايا يدفعون رسوما قدرها نحو 5 في المائة من قيمة الأصول إضافة إلى 20 في المائة من الأرباح.

إنها سوق خاصة، فعندما يريد المستثمرون الحصول على أموال نقدية، عليهم تداول الأسهم مثلما باع المالكون الأوائل لموقع الـ«فيس بوك» الإلكتروني بعض الأسهم في أسواق مالية ثانوية.

وتحاول عدد من الشركات إدخال الشفافية على المجال غير المنظم والغامض تاريخيا. وقال مايكل موريارتي، رئيس شركة «سكيتز»، التي أسسها سيرجي سكيترتشيكوف، وهو مصرفي روسي في مصارف استثمارية ومن أصحاب الأعمال الناشئة: «إن الشركة بدأت تكون مثل مؤشر (ستاندرد أند بورز) في مجال الفن». وتحتفظ الشركة بقاعدة بيانات تضم ما يزيد على خمسة آلاف من أكثر الأعمال الفنية قيمة ويكتب العاملون بها وعددهم تسعة تقارير عن لوحات تتضمن خلفيتها ومخاطر الاستثمار فيها وأسعارها. وأوضح موريارتي، المحامي السابق بلجنة الأوراق المالية والبورصة قائلا: «نحن لسنا رجال فن، بل رجال أعمال».

وتواجه شركة «سكيتز» وشركات أخرى عقبات أثناء عملها على الربط بين صناديق الفن والأثرياء، ومن بين هذه العقبات مساحة زاخرة بمحاولات سابقة. خلال فترة الانتعاش الاقتصادي من 2005 إلى 2007، استطاع نحو 40 صندوقا جمع ما يتراوح بين 350 و450 مليون دولار بحسب شركة «سكيتز». لكن اختفى الجزء الأكبر من هذه الصناديق بعد الأزمة المالية، في حين استطاع صندوق الصين وصندوق الفنون الجميلة الاستمرار وتجاوز الأزمة.

لكن ما يثير قلق بعض الخبراء هذه المرة هو جذب هذه الصناديق، التي تتمتع بشهرة في الأسواق الناشئة مثل الهند والصين وروسيا، للعناصر الخاطئة، حيث يمكن لهذه الصناديق أن تستخدم كوسيلة سهلة لغسيل الأموال أو إخفاء الأصول. وقال أحد المستثمرين المنخرطين في السوق الروسية إن الاستثمارات قد تلقى قبولا لدى الطبقة الصاعدة من القادة السياسيين الذين يتجنبون إيداع أموالهم في البنوك خشية أن يتم مصادرتها في حال الاختلاف مع أصدقائهم النافذين.

وقال ويليام براودر، مؤسس صندوق التحوط «هيرميتيدج كابيتال» الذي أصبح اسمه مدرجا على القائمة السوداء بعد قيامه بحملة لكشف الفساد في روسيا مما أدى إلى منعه من القيام بأعمال هناك وتهديده بالقتل. ويقر أكبر مؤيدي صناديق الفن بأن هذه السوق أمامها شوط طويل، حيث قال مايكل بلامر، مسؤول تنفيذي سابق في دار مزادات «كريستيز» و«سوثبيز» والذي أسس «أرت فيست بارتنرز»، وهي شركة استشارية في مجال الفن، إنه يشك في رواج صناديق الفن في الولايات المتحدة التي يتسم نظامها المالي بالصرامة الشديدة. وأوضح بلامر قائلا: «لن تحصل على دعم كبير في حقبة ما بعد مادوف إلا إذا كان وراءها مصرف كبير أو دار مزادات ضخمة».

لكن ربما تجد الشركات المالية صعوبة في اختراق مجتمع الفن هو ما يعد خطوة هامة عند شراء وبيع اللوحات. وقالت لوسي ميتشيل إنيس، رئيسة اتحاد تجار الأعمال الفنية، إنها لن تسمح أبدا لفنان شاب ببيع عمل فني إلى صندوق ائتمان. وميتشيل هي من المؤسسين النافذين لمتجر الفن المعاصر «ميتشيل - إنيس أند ناش» في حي تشيلسي بنيويورك وعلى صلة بروي ليكنشتاين. وتقول ميتشيل: «نحن بشكل عام ضد تحويل الفن إلى وسيلة مالية. لم يذهب أي منا إلى هذه السوق لبيع سلع».

بالنظر إلى هذا الصراع، يشعر بعض خبراء الفن بقلق من احتمال أن ينتهي الحال بالمستثمرين الساعين للحصول على صفقات رابحة بالحصول على أعمال دون المستوى. ويقول هاري سميث، الرئيس التنفيذي بشركة التقييمات «غور جونز»، إن تجار الأعمال الفنية غالبا ما يحتفظون بالصفقات الرابحة لأنفسهم ويرفعون الأسعار عندما تسعى إليهم صناديق الفن إذا كانوا يعملون بها بالأساس. وأضاف سميث: «المشكلة التي تواجه صناديق الفن هو أن ما تريد شراءه باهظ الثمن وما يكون رخيص الثمن ينبغي ألا تشتريه».

ومع ذلك تستمر الشركات في الدفع باتجاه تحويل عالم الفن إلى عالم ديمقراطي من خلال توسيع قاعدة المستثمرين الذين يمكنهم القول إنهم يمتلكون جزءا من عمل فني لبيكاسو. وفي حين تستهدف تلك المحاولات في المقام الأول الأثرياء الذين يحبون المخاطرة، يمكن أن تمتد لتشمل آخرين قريبا. ومن الأمثلة على ذلك هو تقديم شركة «سكيتز» عرضا على هاتف «آي باد» لمحبي الفنون للبحث عن القطع المفضلة لهم.

*خدمة «نيويورك تايمز»