مخاطر على علاقات واشنطن وبكين مع ارتفاع رصيد الصين من النقد الأجنبي

وصل إلى 2.85 تريليون دولار.. وقبيل زيارة هو جينتاو إلى أميركا

TT

تزداد أكبر مشكلة شائكة في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين تعقيدا، مع استعداد أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم لعقد مؤتمر قمة خلال الأسبوع المقبل في واشنطن. والنقطة مثار الخلاف الرئيسي بين القوتين هي اختلال التوازن في ميزان المدفوعات. وذكر البنك المركزي الصيني أول من أمس (الثلاثاء) أن أرصدة بكين من النقد الأجنبي والسندات المالية وصلت إلى 2.85 تريليون دولار - وهو مبلغ يمثل قفزة بمقدار 20% عن أرصدة العام الماضي - على الرغم من الوعود الصينية بمحاولة موازنة تجارتها وعلاقاتها الاستثمارية مع الولايات المتحدة ودول أخرى. وتكون الصين بذلك قد أضافت 200 مليار دولار إلى هذا الرصيد خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، مع ادخار الدولة لأرصدة أجنبية من بقية العالم بسرعة مذهلة.

والاحتياطيات النقدية للصين كبيرة جدا، وكانت الزيادة الأخيرة سريعة جدا بدرجة جعلتها تطرح شكوكا جديدة حول ما إذا كانت بكين تجري إصلاحات فعلية لعملتها «اليوان» وتكبح اعتمادها الكثيف على الصادرات كمصدر للوظائف والنمو. وكانت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة مضطربة على عدة جبهات.

ويشمل جدول أعمال المحادثات بين الرئيسين أوباما وهو جينتاو التوترات العسكرية في شبه الجزيرة الكورية والبرنامج النووي لكوريا الشمالية والمنافسة بين واشنطن وبكين على تحقيق نفوذ في قارة آسيا؛ إضافة إلى ملفات حقوق الإنسان والتجارة وحتى المخاوف بشأن الأمن والنتائج الاستخباراتية المحتملة لمشاركة الصين في قطاع الاتصالات الأميركي. وقد تزايدت المخاوف بشأن السياسات الاقتصادية الصينية مع نمو احتياطياتها النقدية ووصولها إلى ثلث أرصدة الصرف الأجنبي في العالم المقدر بنحو 9.1 تريليون دولار. وذلك حسب بيانات البنوك المركزية والتقارير التي قدمتها إلى صندوق النقد الدولي عام 2009. وتجدر الإشارة إلى أن أرصدة الصين أكبر من أرصدة اليابان وروسيا وكوريا الجنوبية وتايوان والمملكة العربية السعودية ودول منطقة اليورو مجتمعة.

وتعد أرصدة الصرف الأجنبي مقياسا واسعا للعلاقات الاقتصادية لأي دولة مع الدول الأخرى. وتعكس هذه الأرصدة الصادرات والواردات والاستثمارات وتدفق «أموال المضاربة الساخنة» إلى أسواق محلية. وتبدو بعض الاحتياطيات مفيدة، وتسعى الدول الآسيوية، على وجه الخصوص، التي تأثرت بأزماتها المالية في عقد التسعينات من القرن الماضي، إلى الاحتفاظ باحتياطيات نقدية تحسبا للأوقات الصعبة. ولكن مع تجاوز أرصدة النقد الأجنبي للصين إلى حد بعيد أرصدة أي دولة أخرى، حثت الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي ودول أخرى الصين على الاستيراد بشكل أكبر والسماح برفع قيمة سعر صرف عملتها، واستخدام بعض الاحتياطيات، على سبيل المثال من أجل زيادة القوة الشرائية للمواطنين الصينيين.

وعلى الرغم من أن بعض الإحصائيات الأخيرة كانت قد أظهرت حدوث تحرك في هذا الاتجاه، ضاق الفائض التجاري للصين خلال العامين الماضيين، مع نمو واردات الصين بسرعة أكبر من الصادرات - وما زالت الزيادة في الاحتياطيات تمثل تذكرة واضحة بالمسائل الصعبة التي لا تزال تواجه هو جينتاو وأوباما.

وعلى الجبهة الاقتصادية، عمل الجانبان على وضع جدول أعمال قابل للتعديل، ووقعا على سلسلة من الاتفاقيات في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) يقول مسؤولو الإدارة الأميركية إنها سوف تساعد مجموعة متنوعة من الشركات الأميركية - بداية من شركات الثروة الحيوانية وصولا إلى مهندسي البرمجيات ومصنعي محركات الهواء - على العمل بشكل أفضل في السوق الصينية. ويتم تسوية التفاصيل النهائية الآن، بهدف الإعلان عنها أثناء تواجد هو جينتاو في واشنطن. ولكن هذه الفترة كانت تمثل، بعدة طرق، مرحلة مضطربة في العلاقات بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. وتستمر الولايات المتحدة في تحقيق عجز تجاري سنوي يزيد على 200 مليار دولار مع الصين؛ وقد فرضت وزارة التجارة الأميركية العشرات من ضرائب مكافحة الإغراق والضرائب الأخرى ضد شركات صينية متهمة بالمنافسة غير العادلة؛ واشتكت شركات أميركية بشكل متزايد من قوانين صينية تفضل منافسين محليين وتصد الشركات الأجنبية.

ومن الوارد أن تغذي الزيادة المفاجئة في الاحتياطيات النقدية للصين ما قال أحد مسؤولي إدارة أوباما إنه كان يمثل إحباطا حول مسألة أساسية على وجه الخصوص؛ وهي قيمة سعر صرف العملة الصينية. واستدعت هذه المسألة مجلس النواب للتصويت في صالح فرض ضريبة خاصة خلال العام الماضي لتعويض ما اعتبره قادة نيابيون بأنه «تلاعب بالعملة» من قبل الصين. ولم يجر مجلس الشيوخ تصويتا مشابها.

وترى مجموعة واسعة من الخبراء الاقتصاديين أن قيمة سعر صرف اليوان منخفضة بشكل متعمد أمام الدولار، وأن الصين تحتفظ بسيطرة مشددة على سعر الصرف، من أجل حماية صناعاتها التصديرية القوية بشكل جزئي. ولكن الإبقاء على العملة المحلية عند مستوى منخفض بشكل زائف يساهم في حدوث تضخم، بالإضافة إلى مجموعة من المشكلات الأخرى التي يسعى مشرعون صينيون إلى مكافحتها الآن، عبر رفع أسعار الفائدة وزيادة شروط الاحتياطيات المصرفية على سبيل المثال.

وقد أصبح الأمر يمثل اختبارا، بطرق معينة، لالتزام الحكومة تجاه إصلاح العملة؛ حيث يقول محللون: «إذا كان هناك وقت مناسب أكثر من أي وقت مضى للسماح برفع قيمة صرف (اليوان)، فإن المرحلة الحالية هي الوقت المناسب للقيام بهذا الإجراء»، وأضافوا بأن حقيقة امتناع الصين عن رفع قيمة صرف اليوان تلقي بظلال من الشك على نواياها. وكانت الصين قد ذكرت خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي أنها سوف تسمح برفع سعر الصرف بطريقة منضبطة وحازت على ثناء الولايات المتحدة عندما رفعت عملتها بتقدير ثابت نسبته 3% خلال فصل الخريف. ولكن منذ ذلك الحين، توقفت الجهود، على الرغم من وجود إشارات على أن الأموال تستمر في التدفق إلى الصين، من قيم العقارات المرتفعة والزيادة في القروض المصرفية. وسوف يلطف السماح لسعر الصرف بالارتفاع من هذه التوجهات من خلال جعل السلع الصينية أكثر غلاء وعبر تثبيط همة المضاربين.

وقال مسؤول بالإدارة الأميركية تحدث بشرط عدم ذكر اسمه بسبب حساسية المناقشات بين الدولتين إنه وقت مثالي للصين لكي تسمح بتعويم عملتها بشكل أكثر حرية. ويظهر غياب التقدم أن ضغط لوبي الصادرات في الصين ما زال يمتلك اليد العليا؛ حسبما ذكر هذا المسؤول. ولم يعلق مسؤولون في السفارة الصينية بواشنطن على هذا المقال. وخلال الشهور الأخيرة، ألقى الصينيون باللوم على السياسة الأميركية بسبب بعض المصاعب التي يواجهونها، وحذروا على وجه الخصوص من أن القرار الفيدرالي الذي تم اتخاذه في نهاية العام الماضي لتحفيز الاقتصاد الأميركي عبر عمليات شراء واسعة للسندات سوف يعزز بشكل محتمل من تدفق أموال المضاربة إلى الصين وأسواق ناشئة أخرى. وقال بيتر بوتيلير، خبير الشؤون الصينية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، إن الارتفاع القياسي في أرصدة الاحتياطيات النقدية الصينية على مدار الشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2010 لا يمكن أن يعزى بالكامل إلى الفائض التجاري للدولة، أو أن يلقى باللائمة تماما في حدوثه على سياسة سعر الصرف التي تتبعها الصين. ولكنه قال أيضا إنه أصبح واضحا بشكل متزايد أن سياسة سعر الصرف الصينية تمثل تكلفة مرهقة مع محاولة الدولة للتحكم في الأسعار والمضاربة في أسواق عقاراتها وأسواق أخرى.

وقال بوتيلير: «لقد قدموا خدمة سيئة لأنفسهم والعالم. وسوف يكونون أفضل حالا إذا أصبحوا أكثر تحمسا في السماح برفع قيمة سعر صرف اليوان. والنموذج الذي يركز على الصادرات ليس قابلا للاستدامة. ولكنهم تصرفوا بالعكس وقاموا بحماية لوبي التصدير».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»