مصرف جي بي مورغان يخطط لإغلاق حسابات الدبلوماسيين الأجانب

مصارف أميركية أخرى تتجه لاتخاذ ذات الخطوة.. والخارجية الأميركية منزعجة

فرع جي بي مورغان في بورصة نيويورك (رويترز)
TT

يخطط مصرف «جي بي مورغان تشيس» لإغلاق قسمه الذي يقدم الخدمات المصرفية للدبلوماسيين المقيمين في واشنطن ونيويورك والحكومات الأجنبية، في الحادي والثلاثين من مارس (آذار) المقبل. وقال المصرف في خطاب موجز بعث به إلى عملائه من الدبلوماسيين مؤخرا: «نقترح أن تقوموا بفتح حساب مصرفي لدى مؤسسة مالية أخرى والبدء في استخدامه على الفور للحيلولة دون وقوع أي نوع من الفوضى».

وتمثل الخطوة التي اتخذها مصرف «جي بي مورغان تشيس»، والتي جاءت دون تفسير، أحدث الخطوات التي تقوم بها المؤسسات المالية الأميركية لقطع خدماتها المصرفية عن البعثات الأجنبية.. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) قام مصرف «بنك أوف أميركا» بوقف خمسة حسابات بنكية خاصة بسفارة أنغولا في واشنطن، كما أخبرت العديد من المصارف الأميركية المسؤولين الأميركيين بأنها تنوي التوقف عن تقديم الخدمات المصرفية للدبلوماسيين. من جانبهم، عبر الدبلوماسيون عن خشيتهم من عدم قدرتهم على أداء مهامهم الأساسية في الولايات المتحدة.

وحتى الآن لم يقدم مصرف «جي بي مورغان تشيس» أي تبرير للسبب في تقليص خدماته للمجتمع الدبلوماسي، غير أن دبلوماسيين أميركيين وأجانب عبروا عن اعتقادهم بأن المصارف تحاول تجنب التكلفة المرتفعة لمراقبة الحسابات بحثا عن إشارات لغسل أموال أو أنشطة إرهابية. وكانت المصارف قد واجهت ضغوطا كبيرة من المشرعين والمنظمين الفيدراليين لضمان عدم قيام المصارف بمساعدة الزعماء الأجانب وممثليهم في القيام بعمليات غسل أموال للمكاسب غير الشرعية حول العالم.

وفي إجراء يعبر عن القلق الأميركي بشأن تأثيرات هذه الخطوة من جانب المصارف على السفارات والبعثات الأجنبية، أوفدت وزارة الخارجية الأميركية باتريك كيندي، وكيل وزارة الخارجية للإدارة، إلى الأمم المتحدة يوم الخميس لمساعدة الحكومات في العثور على طرق بديلة للوفاء باحتياجاتها المصرفية. وأكد كيندي في مقابلة أن المصارف أدركت ببساطة أن تقديم الخدمات المصرفية للدبلوماسيين الأجانب ليس مربحا بالقدر الكافي.

وقال كيندي: «إن التعامل مع حكومة أجنبية أكثر صعوبة من التعامل مع مطعم (جويز بيتزا بارلور).. فإذا كانت هناك احتمالية لخطر أكبر فسيكونون أكثر قلقا».

وبالفعل كان لإقفال الحسابات الدبلوماسية تأثيره على عشرات البلدان، بما في ذلك الحكومات الغنية والقوية مثل فرنسا وسنغافورة، التي ستواجه مشكلات كبيرة في العثور على مصرف جديد يتولى شؤونهم المالية. أما الحكومات الفقيرة، ولا سيما في أفريقيا، فسيكافحون من أجل العثور على مصارف لإدارة حساباتهم.

حتى أولئك الذين يملكون حسابات لم تغلق يبدون قلقا من إمكانية إغلاقها فيما بعد، فيقول أتوكي إيلكا، مبعوث الكونغو إلى الأمم المتحدة، والمصارف الكونغولية في «سيتي بنك»: «ما حدث مع (تشيس) يمكن أن يضرنا. كي أكون صادقا فإن (سيتي بنك) يقوم بالتدقيق الشديد في الطريقة التي أقوم بها بالعمل المصرفي. وأحيانا عندما يرون وصول بعض الأموال التي لم أتوقعها تدخل إلى حسابي يطلبونني للسؤال عن مصدر هذه الأموال. إنه نوع من الإذلال، لكن علينا التزام الهدوء والدبلوماسية الشديدة في التعامل مع هذا النوع من القضايا». وكان محققون تابعون لمجلس الشيوخ قد قاموا بتحقيقات رفيعة المستوى في نشاطات مسؤولين حكوميين في أنغولا والغابون وغينيا الاستوائية لنقل ملايين الدولارات عبر مصارف أميركية من أنشطة فساد محتملة. وقال ماثيو ليفت، نائب السكرتير المساعد للاستخبارات والتحليل في وزارة الخزانة: «أعتقد أن الخطوة الأخيرة ترتبط بشكل كبير بالحملة العامة على التمويل غير المشروع، فهناك تفهم عالمي متزايد للحاجة إلى الحماية الذاتية».

ويذكر أن القرار الذي اتخذه «بنك أوف أميركا» بإغلاق الحسابات المصرفية لأنغولا - الذي نشر في البداية عبر مدونة «فورين بوليسيز كابل» - اتخذ دون تفسير. وقد تم اتخاذ القرار بعد شهور من تحقيقات اللجنة التي ترأسها السيناتور كارل ليفن للتحقيق بشأن تحويل أنغولا لأموال غير شرعية عبر مصارف أميركية. وأشار المحققون إلى أن «بنك أوف أميركا» فتح 30 حسابا مصرفيا على الأقل في سكوتسدال بولاية أريزونا للسفير الأنغولي بيير فالكوني الذي يقضي عقوبة السجن 6 سنوات لاتجاره في السلاح.

وقد رفض المتحدث باسم المصرف، جيفري جورج، مناقشة القرار، قائلا: «نظرا للسرية، لا يمكننا التعليق على علاقات عميل بعينه. وما يمكنني أن أطلعكم عليه هو أن مصرفي (بنك أوف أميركا) و(ميريل لينش) ملتزمان بشدة بتقديم الخدمات المصرفية لمجتمع الدبلوماسيين. وسنواصل العمل مع المجتمع الدبلوماسي ولا توجد لدينا خطط لتغيير ذلك في الوقت الحالي». بينما رفض توماس كيلي، المتحدث باسم مصرف «جي بي مورغان»، التعليق على قرار المصرف.

وقد قال عملاق الصناعة المصرفية للدبلوماسية في خطابه المؤرخ بـ30 سبتمبر (أيلول) الذي نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» للمرة الأولى، إن قراره بالتنحي عن العمل المصرفي الدبلوماسي لم يتخذ ردا على تصرف غير لائق من قبل بعض عملائه، حيث جاء في الخطاب: «قرار العمل لم يأت ردا على مؤسستكم أو الطريقة التي تتعاملون بها مع حساباتكم. وقد تعهد المصرف بمواصلة تقديم الخدمات الشخصية للدبلوماسيين».

من جانبها، قالت إدارة أوباما إنها لا تملك سلطة إجبار مصرف تجاري خاص على القيام بأعمال تجارية مع مصارف أجنبية، لكن بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الموقعة عام 1974، فإن الولايات المتحدة، بصفتها الدولة المضيفة للأمم المتحدة، ملزمة بضمان وصول الخدمات العامة الضرورية إلى البعثات الأجنبية. وأشار كيندي إلى أن وزارة الخارجية تحاول إقناع المصارف التي توقفت عن تقديم الخدمات المصرفية للدبلوماسيين بإعادة النظر في قراراتها لإقناع المصارف الأخرى بالعودة إلى تقديم الخدمة مرة أخرى.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»