المصارف الصينية تتوسع في دول الاتحاد الأوروبي وسط مخاوف من أهدافها السياسية

«الصناعي الصيني» يفتتح أول فرع له في بلجيكا

TT

قرر المصرف الصناعي والتجاري الصيني افتتاح أول فرع له في العاصمة البلجيكية بروكسل، وبدأ العمل رسميا نهاية الأسبوع الماضي، وهو خطوة اعتبرها الكثير من المراقبين في بروكسل تصاعدا في النشاط المصرفي الصيني في أوروبا. وحسب ما جاء في بيان لإدارة المصرف الصيني ونشرته وسائل الإعلام في بروكسل، يعمل المصرف حاليا على توسيع وجوده في أوروبا؛ حيث تقول الإدارة: «لدينا فروع في كل من لندن وفرانكفورت وموسكو ولوكسمبورغ، لكننا قررنا منذ بداية العام الحالي افتتاح فروع في كل من: بروكسل، باريس، أمستردام، ميلانو ومدريد»، علما بأنه يوجد حاليا بكثافة أكبر في جنوب شرقي آسيا والشرق الأوسط.

ولا تعتزم إدارة المصرف التوجه في المرحلة الأولى إلى الأفراد، بقدر ما تستهدف الشركات، وتؤكد عزمها عدم افتتاح فرع آخر في بلجيكا؛ حيث سيعمل الفرع الوحيد تحت إدارة الفرع الموجود في لوكسمبورغ؛ إذ إن «أولويتنا حاليا هي التوجه نحو الشركات الصينية الناشطة في أوروبا»، حسب بيان الإدارة. ويعتبر المصرف الصناعي والتجاري الصيني من أهم المصارف على المستوى العالمي من ناحية رأسماله الذي يبلغ 230 مليار دولار، متفوقا بذلك على مصرف «إتش إس بي سي» الذي يبلغ رأسماله 200 مليار دولار، والأميركي «جي بي» 175.6 مليار دولار والأوروبي «بي إن بي باريبا» 83.7 مليار دولار.

أما من ناحية تعداد الزبائن، فيبلغ عدد زبائن المصرف الصناعي والتجاري الصيني 235 مليون زبون في مختلف أنحاء العالم. ويقدر المراقبون أن المصرف الصناعي والتجاري الصيني يمتلك الوسائل الكافية لتحقيق طموحات؛ إذ حقق خلال الأشهر التسعة الماضية أرباحا قدرت بـ19 مليار دولار. وسيستخدم الفرع البلجيكي للمصرف في البداية 11 موظفا صينيا، وقد يتم تعيين 4 موظفين بلجيكيين في وقت لاحق. يُذكر أن المصرف الصناعي والتجاري الصيني ليس الأول الذي يفتتح فرعا له في أوروبا، فقد سبقه إلى ذلك مصرف الصين، وله فروع في بلجيكا، لوكسمبورغ، وسويسرا منذ عدة سنوات. وحسب تقارير إعلامية في بروكسل «تنظر الأوساط المالية والاقتصادية الأوروبية بعين من الريبة لوجود المنافسين الجدد في السوق الأوروبية، وذلك في ظل تصاعد الأنشطة الاقتصادية للصين في أوروبا خلال الأعوام القليلة الماضية».

وقد سبق للمفوض الأوروبي المكلف بشؤون الصناعة، أنطونيو تاياني، أن عبر عن هذا الشعور بدعوته لإقامة آلية لمراقبة الاستثمارات الأجنبية في أوروبا، بالقول: «يجب علينا التأكد من أن وجود استثمارات أجنبية في أوروبا وقيام مستثمرين أجانب بشراء شركات أوروبية عاملة في قطاعات استراتيجية، لا يشكلان خطرا علينا». وقبل أسابيع قليلة، دعا المسؤول الأوروبي إلى ضرورة تقنين الاستثمارات الصينية في الاتحاد الأوروبي وإنشاء آلية لمراقبتها، وهي تصريحات اعتبرها الكثير من المراقبين في بروكسل واحدة من المواجهات بين عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد والشريك الصيني، لكن البعض الآخر وجد في كلام المسؤول الأوروبي محاولة لتفادي المواجهة المباشرة مع بكين، خاصة أنه بدأ كلامه بالحديث عن تقنين الاستثمارات الأجنبية بشكل عام في الاتحاد الأوروبي، وحسب ما جاء في تصريحاته، دعا المفوض الأوروبي إلى مراقبة الاستثمارات الأجنبية الاستراتيجية، لا سيما الصينية منها، واقترح تاياني «استحداث سلطة محددة تكلف بالتحقق من الاستثمارات الأجنبية في أوروبا» مستوحاة من لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة الأميركية. وتابع: «إن الشركات الصينية، حينما تستطيع ذلك، تقوم بشراء المزيد من الشركات الأوروبية التي تحتكم على التكنولوجيات الرئيسية في المجالات المهمة، وهذه الاستثمارات تنطوي أيضا على استراتيجية سياسية يجب على أوروبا أن ترد عليها بصورة سياسية»، حسب تعبيره. ورأى تاياني أن «السلطة المختصة (المقترحة) ستمكننا من معرفة ما إذا كان اكتساب المعرفة الأوروبية من جانب شركات أجنبية خاصة أو عامة يشكل خطرا أم لا». وقال أنطونيو تاياني: «على الاتحاد الأوروبي العمل على حماية قطاعاته الاستراتيجية عبر التحكم في عمليات السيطرة الأجنبية، خاصة الصينية».

واقترح المفوض الأوروبي إرساء سلطة على المستوى الأوروبي لمعاينة الاستثمارات الأجنبية، أسوة بما هو متعامل به في الولايات المتحدة. وقال: «إن المؤسسات الصينية تتحرك من خلال استثماراتها الضخمة في الدول الأوروبية لدوافع سياسية تستوجب ردا سياسيا». وهذه هي المرة الأولى التي يلوح فيها الاتحاد الأوروبي منذ اندلاع أزمة الديون السيادية بالركون إلى أدوات سياسية محددة لوقف الهجمة الصينية على عدد من المقومات الأساسية للاقتصاد الأوروبي وأهمها على الإطلاق قطاع النقل وتصنيع السيارات والحصول على التقنية الأوروبية المتقدمة.

وقال بعض المراقبين: إن تلك التصريحات كانت بمثابة رسالة إلى بكين وجاءت في أعقاب رسالة تلقاها الاتحاد الأوروبي وجاء فيها: «نريد أن نرى إذا كان الاتحاد الأوروبي قادرا على التحكم في المخاطر التي تخص الديون السيادية، وإذا كان ذلك سيتحول إلى عملية تمكن أوروبا من الخروج سريعا وبشكل جيد من الأزمة». هذه كانت الرسالة الواضحة التي وجهتها بكين على هامش الحوار الاقتصادي رفيع المستوى مع الاتحاد الأوروبي، الذي استضافته العاصمة الصينية قبل أسابيع، واستبقته بتصريح من جانب نائب رئيس الوزراء وانغ كيشان قال فيه: «إن الصين مستعدة لدعم إجراءات الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لضمان الاستقرار المالي في أوروبا»، وحسب ما ذكرت محطة الأخبار الأوروبية «يورو نيوز» فإن الصين مستعدة لمساعدة بلدان منطقة اليورو في استعادة عافيتها الاقتصادية عبر إنقاذ صندوق النقد الدولي بحزمة من المساعدات، بناء على تصريح للمتحدث باسم الخارجية الصينية. كانت الصين قد عرضت اتخاذ مزيد من الجهود لدعم الاستقرار المالي الأوروبي. وتملك الصين أكبر احتياطي من الصرف في العالم وبلغ 2648 مليار دولار في نهاية سبتمبر (أيلول)، وأكثر من 900 مليار دولار من سندات الخزينة الأميركية وتستوعب دول الاتحاد الأوروبي أكبر قدر من الصادرات الصينية في العالم، في حين تشكل الصين ثاني شريك تجاري للاتحاد وراء الولايات المتحدة. ويشكو الأوروبيون على غرار الأميركيين من تدني سعر اليوان، مما يعطي ميزة للصادرات الصينية.