ساركوزي يؤكد عزمه على تقوية مجموعة الـ20.. ويدعو المصارف إلى «عدم نسيان» الأزمة

الدول الناشئة تحضر بقوة في «دافوس».. والأوروبيون يدافعون عن اليورو

الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي يلقي كلمة في منتدى دافوس (رويترز)
TT

من يحضر منتدى الاقتصاد العالمي هذا العام يخرج بقناعات اقتصادية، على رأسها أن الدول الناشئة مثل الصين والهند ستشهد نموا وقوة في العقد الثاني من القرن الـ21 أكثر من أي وقت مضى، مما يدفع باتجاه النتيجة الأخرى، وهي أن مجموعة دول الـ20 أصبحت المجموعة الاقتصادية الرائدة في العالم ولم تعد مجموعة الـ8 تمثل ثقلا اقتصاديا بمفردها. وهذا ما عبر عنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في خطابه أمام المنتدى الاقتصادي العالمي أمس، فيحضر ساركوزي المنتدى كرئيس لمجموعة دول الـ8 ودول الـ20. وقال ساركوزي: «يجب أن تتخذ مجموعة الـ20 القرارات»، مؤكدا أنه سيستغل فترة رئاسة فرنسا للمجموعة لتقويتها و«اتخاذ القرارات المهمة» لاستقرار الاقتصاد العالمي، وخصوصا تنظيم السوق المالية.

وفي خطاب حماس انتقد ساركوزي القطاع المصرفي والمعارضين لجهود فرنسا لتنظيم القطاع المصرفي. وقال ساركوزي: «علينا التفكير بطريقة براغماتية بدلا من الآيديولوجية، كي نعالج مشكلات لم يكن لها مثيل»، مضيفا: «دعنا نتخيل الحلول ونرسمها معا. لا يمكن لأحد أن يحل بمفرده المشكلات التي تواجهنا اليوم».

وكان ساركوزي قد أثار ضجة العام الماضي عند إعلانه ضرورة تنظيم القطاع المصرفي. وقال أمس: «أتفهم كل الآراء والمواقف، دعنا نتجنب ردود الفعل التي تسود بين دول الجنوب والشمال، دعنا نتجنب ردود الفعل بين الدول الغنية والفقيرة». وتابع: «العام الماضي تحدثت بوضوح لأنني كنت رئيسا للجمهورية الفرنسية، عندما أتحدث كرئيس مجموعة العشرين عليّ مراعاة بعض الخطوط الحمراء»، موضحا: «نحن نسعى إلى التوفيق بين كل الآراء».

وأشار ساركوزي إلى التحسن الاقتصادي والأجواء الأكثر تفاؤلا في دافوس مع النمو الاقتصادي العالمي الذي وصل إلى 5 في المائة العام الماضي، قائلا: «في السنة الماضية خرجنا من أزمة لم يكن لها مثيل، وكانت التوقعات متشائمة جدا، خصوصا لعام 2010. دعونا نقارن بين التوقعات وما حصل»، مشيرا إلى أن الأوضاع المتحسنة حول العالم تعني أن تدخل الحكومات كان فعالا وضروريا. وتابع: «لا أريد أن أنتقد الذين وضعوا التوقعات، وقد أعادوا النظر فيها، إعادة النظر في التوقعات على مدار أشهر أفضل من سنة، وعلينا إعادة النظر أيضا الآن». واعتبر أن «نموا عالميا يقترب من 5 في المائة هو متوسط النمو العالمي.. ولا يعني أننا خرجنا من الأزمة، فهناك الكثير من التحديات تتربص بنا مثل البطالة».

وشدد ساركوزي على أن العامل الأساسي لحماية النمو الاقتصادي يعتمد على «تنسيق السياسات المالية»، موضحا أن تنسيق السياسات المالية بين دول مجموعة العشرين كان جوهريا لإحداث النمو الاقتصادي ومنع الكساد. وقال: «الأمر الذي لم يكن قائما قبل عامين هو مجموعة الـ20، فهي مجموعة لم تكن موجودة قبل عامين ولم يكن أحدا يتحدث عنها، ولكنها كانت جوهرية، فهي التي سمحت بإنهاء الأزمة، وهذا التعاون الذي يجب أن نحميه ونعمقه». وحذر ساركوزي من تعطيل عمل مجموعة العشرين بعد تراجع ضرورة ذلك بسبب مرور «عاصفة» الأزمة الاقتصادية، قائلا: «خلال العامين الماضية كان من السهل التعاون، لأنه لم يكن لدينا خيار، وإلا كانت الأمور انفجرت». وأضاف: «مصداقية مجموعة الـ20 مبنية على قدرة الدول الـ20 على اتخاذ القرارات، من دون القرارات ستخسر المجموعة شرعيتها»، موضحا: «عاصفة الأزمة للبعض تبدو كأنها عبرت، ولذا يعتبرون أن ضرورة اتخاذ القرارات أقل شدة».

وشخص ساركوزي ثلاث قضايا يجب معالجتها، هي العجز العام في دول كثيرة، بالإضافة إلى عدم التوازن بين العملات حول العالم، والتهديد القائم من التضخم. وقال ساركوزي: «ارتفاع الأسعار هائل ومثير، فهناك مخاطر هائلة، وعلينا أن نتوقع ثورات الجوع لأن الجياع لا يجدون ما يضعونه على طاولاتهم». واعتبر أن «عدم التنظيم والشفافية أدى إلى ارتفاع الأسعار» للمواد الغذائية، حيث وجه انتقادات عالية للمراهنة على الغذاء، مضيفا أن هناك مخاوف من زيادة أسعار النفط مما يزيد من الضغوط على الإنتاج الزراعي.

ووجه ساركوزي كلامه إلى العاملين في القطاع المالي، ومن بينهم رؤساء شركات عملاقة مثل «جي بي مورغان» و«ستاندرد تشارترد» عندما قال: «أسعى إلى وضع القواعد التي تضعونها في شركاتكم، لا يمكننا إلا أن نعالج هذه المشكلات، لذا فرنسا ملتزمة بإدارة مجموعة العشرين بطريقة فعالة». وكانت رسالة ساركوزي واضحة، لن يسمح بتجاهل مجموعة الـ20 أو تقويض قدرتها على اتخاذ القرارات.

وبناء على إيمانه بأهمية إشراك مجموعة أكبر من الدول الناشئة في القرارات الدولية، كرر ساركوزي نداءه لتوسيع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقال: «من غير المنطقي أن أفريقيا ليست عضوا في مجلس الأمن أو عضوا دائما في مجلس الأمن، إنها قارة فيها أكثر من مليار شخص». وأضاف: «لا يمكن أن نقبل أن لا تكون القارة الأميركية اللاتينية عضوا في مجلس الأمن، الأمر يسري على الهند وكذلك الأمر على البرازيل وجنوب أفريقيا والمكسيك».

وخصص ساركوزي جزءا كبيرا من خطابه لمعالجة قضية العملات والحاجة إلى التوازن بين العملات الأساسية في العالم. وأوضح أنه «لا يرغب أي شخص في إضعاف الدولار، الدولار كان وسيبقى العملة الرائدة في العالم، فـ62 في المائة من احتياطات العالم تعتمد على الدولار، ولكن هل يعني وجود عملة مهيمنة يعني أنها العملة الوحيدة؟ هل تعتقدون أن لا مكانة للعملة الصينية؟ أنا أفكر في الصين واليابان والولايات المتحدة» في النظر إلى العملات العالمية.

واقترح ساركوزي تقوية صندوق النقد الدولي ليكون المحفل العالمي، «نتحدث فيه عن النقد والنقود، فأنا لا أتحدث عن المصارف المركزية، ولكن أقول إن العملات لا تحظى بمحفل عام خاص بها ما عدا مجموعة الـ8، فهي غير مؤهلة لأنها لا تشمل الصين». وأضاف: «هل يمكن أن نلوم دولة لرغبتها في زيادة صادراتها؟ كلنا يريد أن نزيد صادراتنا»، مشددا على أهمية عدم لوم الصين أو عزلها. وأضاف: «إذا اكتفينا بتوجيه اللوم إلى الآخرين فلن نتحرك ولن نتقدم».

ودعا ساركوزي المشاركين في المنتدى إلى «عدم نسيان» ما حصل عن بدء الأزمة المصرفية، قائلا: «يجب أن لا ننسى ما حدث، فالذي توقعناه غير ممكن حصل، رأينا أحد أكبر البنوك الرئيسية الخمسة الأميركية يفلس، وقد نتج عن ذلك الكثير من الغضب والمعاناة». وأضاف: «لا أعارض دفع المكافآت ولكن يجب أن تكون مبنية على الربح البعيد الأمد.. دافعو الضرائب تحملوا عبء ما عملته المصارف». وتابع: «أعلم الحاجة إلى عدم المبالغة في التنظيم، لا ألومكم ولكن لا تلومونا... سنكون واقعيين وحكماء في هذه القضية ولكن أعدكم أننا سنكون عازمين». ولفت ساركوزي إلى أنها «مسألة أخلاقية، ربما ذلك يفاجئكم ولكن لا يمكن أن يكن هناك اقتصاد سوق من دون مبادئ»، في رد غاضب على سؤال رئيس «جي بي مورغان» جيمي داميون حول الحاجة إلى الرخاء في الرقابة.

وأعلن ساركوزي دعمه الكامل لعملة اليورو، مطالبا بعدم المراهنة على إخفاق العملة. وحول ديمومة اليورو قال: «اليورو لا يزال موجودا، قرأت قبل أشهر كلاما يقول إن اليورو مات ولا يستطيع أن يقاوم الأزمة المالية. ولكن اليورو موجود، إن السيدة (المستشارة الألمانية أنجيلا) ميركل وأنا لن نتخلى يوما عن اليورو، ربما هناك أشخاص لا يعرفون أوروبا مثل أهل أوروبا.. أوروبا هي اليورو، وأوروبا هي قارة فيها السلام منذ أكثر من 60 عاما». وتابع: «أوروبا أضحت اليوم القارة الأكثر استقرار وسلما، لأن أجدادنا بنوا الاتحاد الأوروبي، وأفضل ما يجسد الاتحاد الأوروبي هو العملة.. إذا تصورتم أننا نتخلى عن اليورو فإنكم لا تفهمون العقلية الأوروبية، وتمسكنا بالعملة التي تجسد الاتحاد الأوروبي». وخلص إلى القول: «إنها أكثر من عملة، بل مرتبطة بهويتنا بما تغلبت عليه أوروبا».

ولم يختصر الحديث عن اليورو على ساركوزي، بل كانت إحدى أبرز الجلسات في اليوم الثاني من المنتدى مخصصة حول أوروبا ومستقبلها. ودافع نائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليغ عن العملة الأوروبية قائلا: «كنت نموذجا غريبا من الساسة الأوروبيين لأنني دعمت الانضمام إلى العملة الأوروبية»، لكنه سرعان ما أوضح: «الوقت غير ملائم الآن لذلك». وبينما حزب كليغ، الليبرالي الديمقراطي يؤمن بالانضمام إلى اليورو، تخلى عن هذا الموقف عندما انضم إلى التحالف الحكومي البريطاني مع المحافظين.

وأعلن كليغ أن قرار تقليص الإنفاق العام «أمر لا يمكن تجنبه، عندما تولينا الحكومة كنا ندفع 120 مليون جنيه إسترليني يوميا على فائدة الديون التي ترتبت علينا». وأضاف: «الدين يؤثر على سيادتنا.. الغالبية العظمى من خطوات تقليص النفقات لم تبدأ بعد، بل سنشهدها على مرحلة الأعوام الأربعة والخمسة المقبلة». واعتبر كليغ أن إحدى المشكلات في الاقتصاد البريطاني «الاعتماد المبالغ فيه على القطاع المصرفي مما يترك مناطق من البلاد غير مدعومة، نحن نعالج إعادة موازنة الاقتصاد البريطاني بما في ذلك الاستثمار في البنى التحتية».

واعتبر رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو أن هناك ضرورة لمعالجة المشكلات الاقتصادية التي تواجه منطقة «اليورو»، قائلا: «علينا القيام بما يتطلبه الوضع رغم صعوبة ذلك، لقد قلصنا الدين بنسبة بين 6 و6.5 في المائة العام الماضي ونتطلع لتكرار ذلك هذا العام». وأضاف أن يتوقع النمو في الاقتصاد اليوناني المضطرب بحلول عام 2012. وتابع: «لقد قررنا تمديد ديننا إلى صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، وكلها أمور ستكون إيجابية، ونشهد في أوروبا ثقة جديدة في سوقنا من خلال الترحيب بالسندات الأوروبية».

ومن جهته قال جيكوب والبرغ رئيس شركة «اي بي»: «علينا الاستثمار في البنى التحتية الأوروبية. الجميع رأي ما حدث مع الثلوج»، في إشارة إلى تساقط الثلوج نهاية العام الماضي. وأضاف والبرغ أن القضية الأهم حاليا بالنسبة لأوروبا هي خلق فرص العمل، وهي مقولة تكررت في الكثير من الجلسات في المنتدى.

أما رئيس البنك المركزي الأوروبي جون كلود تريشي فشدد على أهمية اليورو والانتباه إلى السياسات المطلوبة لدعم العملة. وقال: «نحن 393 مليون شخص.. اليورو قدم ما أردناه، وهو استقرار سعر العملة، ونتوقع استقرار سعره خلال السنوات العشر المقبلة». وأضاف: «منطقة اليورو في وضع أفضل من الولايات المتحدة واليابان». ولكنه قال إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تنسيق أفضل بين دوله في السياسات المالية، موضحا: «عندما تكون هناك عملة واحدة يجب أن تكون هناك سياسة مالية قوية، ولا يمكن تجاهل ذلك». وأضاف: «نحن بحاجة إلى مسار واضح للنمو المستدام». وتابع: «نحن في وضع أفضل من الآخرين، ولكن الوقت غير ملائم للرخاء والكسل. علينا العمل جاهدين».

وبينما حاول القادة الأوروبيون التشديد على أهمية قارتهم وسط صعود واضح لآسيا، شدد الرئيس الإندونيسي سوسيلو يودويونو على عدم اختصار آسيا على الصين والهند واليابان فقط. وقال الرئيس الإندونيسي: «الدول النامية تمثل نصف الاقتصاد العالمي، بنهاية هذا العام ستمثل آسيا 45 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي». وتابع: «آسيا أكثر من الصين والهند واليابان، بل إندونيسيا أيضا، فهي ثالث أكبر ديمقراطية، أكثر اقتصاد في جنوب آسيا».

وطالب يودويونو بالانفتاح على جميع الدول، قائلا: «ما نحتاجه هو عولمة قرن الـ21، على الدول والشركات والأشخاص أن تكون عقلياتهم منفتحة». وأضاف: «جهود دول مجموعة العشرين لمنع كساد دولي دليل على مكانة الدول المختلفة والتعاون الإقليمي.. الواقع الجديد يتطلب تعاونا إقليميا.. من دون بلورة تعاون إقليمي لا يمكن أن تكون هناك عولمة، ومجموعة آسيا جزء أساسي من ذلك».

واعتبر يودويونو أن «صعود آسيا يعني أن على دول آسيا أن تكون الدافعة للتغيير في منطقتها». وكان شعار «التغيير» شعار الهند التي تحضر بقوة في المنتدى، حيث شعارها «الهند الرائعة - التغيير للمستقبل». وبينما تستضيف الهند الحفل الختامي مساء السبت لختام أعمال المنتدى، تقدم عددا من الفعاليات خلال الأسبوع الحالي. كما أن هناك مشاركة كبيرة من الهند، وتشمل لائحة المشاركين وزير المالية الهندي برنامج موخيرجي والرئيس المقبل لمعهد «انسياد» ديباك جين ومدير التحرير لصحيفة «واشنطن بوست» راجو ناريساتي، الأميركي من أصول هندية.

وحصل العازف اي ار رحمان الهندي بالحصول على جائزة «كريستال» التي تمنحها هيلدا شواب، وهي زوجة كلاوس شواب. وقال رحمان: «إنني تعلمت الكثير من عملي، تعلمت أن الكثير من المشكلات في الحياة لها حلول بسيطة، ولكن تعتمد على نزول النساء من تعاليهم والنظر إلى القضايا التي تهم الناس بطريقة إنسانية».