1.5 تريليون دولار ثروات الهنود غير المشروعة في مصارف أجنبية

المحكمة العليا تطالب الحكومة باتخاذ إجراءات سريعة ضد المتورطين

الأبراج الشاهقة ترسم صورة الثراء في الهند (رويترز)
TT

يدخر الهنود في مصارف أجنبية ما يقدر بـ1.5 تريليون دولار، أي ما يعد أكبر من إجمالي الناتج المحلي بمقدار واحد ونصف. وتم الضغط على الحكومة الهندية بشدة لاتخاذ إجراء ضد من يودعون ثرواتهم ذات المصادر غير المشروعة في مصارف أجنبية، توجد أكثرها في سويسرا وبعض الدول الأوروبية حيث تتمتع حساباتهم بقدر كبير من السرية.

ووجهت المحكمة العليا بالهند انتقادات للحكومة على خلفية قضية الأموال غير المشروعة، وطلبت منها اتخاذ إجراء سريع ضد المتورطين في إيداع أموال تم كسبها في الهند من مصادر غير قانونية في مصارف خارج البلاد. ووصفت الأموال المودعة في حسابات سرية في مصارف أجنبية بأنها «سرقة محضة وسهلة». وقال كل من القاضي سودارشان ريدي والقاضي نيار، وهما من أعضاء الهيئة القضائية في المحكمة، إن هذه الأموال مجهولة المصدر منهوبة من الدولة، وهو ما كان له عواقب أمنية خطيرة.

واستمعت المحكمة العليا لمرافعة وزير العدل السابق، رام جيتمالاني، وآخرين بشأن استعادة الأموال السوداء الهندية المودعة في مصارف أجنبية. وبحسب مجموعة دولية، خسرت الهند ما يقرب من 125 مليار دولار بسبب تدفق رأس المال غير الشرعي إلى الخارج خلال الفترة من 2000 إلى 2008، حيث استمرت النخبة السياسية الفاسدة ورجال الأعمال الفاسدون في اختلاس أموال كانت مخصصة لمساعدة الفقراء في البلاد. وتحتل الهند المركز الرابع في آسيا في هذا الشأن، حيث بلغ إجمالي الأموال المهربة عام 2008 نصف تريليون دولار، بحسب تقرير حديث صدر عن منظمة «النزاهة المالية العالمية» البحثية، ومقرها واشنطن العاصمة، التي تهدف إلى تعزيز الشفافية في النظام المالي العالمي. وبحسب هذه المنظمة، تحتل الصين المركز الأول، حيث بلغت الأموال غير المشروعة 2.2 تريليون دولار، تليها ماليزيا بـ291 مليارا، ثم الفلبين بـ109 مليارات دولار خلال الفترة نفسها.

واستمر نمو الاقتصاد الهندي بمتوسط يفوق 8 في المائة خلال الفترة من 2004 إلى 2009، لكن نتيجة استشراء الفساد واستمرار تدفق الأموال إلى الخارج، استمر الفقر في البلاد مثلما هو الحال في أكثر الدول النامية الأخرى.

لكن الجزء الأكبر من الأموال التي تتدفق خارج البلاد تم كسبه في الهند ثم أرسل إلى الخارج بصورة غير مشروعة. لذا ساهمت زيادة الفساد ونمو اقتصاد الهند السري في تدفقات مالية غير مشروعة إلى خارج البلاد. ويقال إن تدفق الأموال إلى الخارج قد ازداد بعد بداية الإصلاحات الاقتصادية عام 1991. واستنكرت المحكمة العليا تردد الحكومة الهندية في الكشف عن المعلومات الخاصة بمن أودعوا أموالا سوداء في المصارف الأجنبية، وطلب منها الإفصاح عن سبب عدم الكشف عن أسمائهم في المحكمة. وقالت المحكمة: «ما هي الصعوبة في الكشف عن الأسماء؟ ما هي فائدة طلب عدم نشر الأسماء؟».

وعلى الجانب الآخر، قدم غوبال سوبرامنيام، مساعد المدعي العام، ملفا مغلقا يحتوي على 16 اسما لأفراد وشركات لديها حسابات في مصرف في ليختنشتاين. لكن المحكمة العليا لم ترض بذلك، حيث قال سودارشان ريدي: «هل هذا هو كل المعلومات التي لديكم أم هناك المزيد؟ ما نريد معرفته هو أنكم قدمتم كل المعلومات الخاصة بالأموال التي أودعها هنود في مصارف أجنبية». وتم تحديد موعد لجلسة المحكمة في 27 يناير (كانون الثاني). وتحت الضغط من أجل استعادة تلك الأموال المودعة في الخارج، طلبت الهند المساعدة من حكومة ليختنشتاين لاتخاذ إجراء ضد المتهمين بإيداع ثروات مصادرها غير مشروعة في مصارف بدول أوروبية.

عندما واجه رئيس الوزراء الهندي ملاحظات المحكمة العليا عن هذا الموضوع، قال: «لا يوجد حل فوري لاستعادة ما تسمى بالأموال السوداء». وصرح مانموهان سينغ لصحافيين بعد إجراء تغيير وزاري في معرض سؤاله عن موقفه من تهريب الأموال غير المشروعة إلى الخارج: «لن يتم الإعلان عن المعلومات الخاصة بتلك الأموال المودعة في دول تفرض ضرائب منخفضة أو لا تفرض ضرائب على الإطلاق، لأن ذلك يعد انتهاكا من جانب الهند لمعاهدات مع دول وأنظمة قضائية أخرى. لدينا بعض المعلومات التي أتيح لنا استخدامها لجمع الضرائب. نحن لا نسعى لإنقاذ أحد لكننا ملتزمون بالمعاهدات الخاصة بالسرية».

وقد تفاقم الوضع بالفعل وأضحى مثار جدل سياسي كبير مع اتهام حزب بهارتيا جاناتا بارتي المعارض، حكومة التحالف التقدمي الموحد بقيادة حزب المؤتمر، بحماية الذين هربوا أموالهم للخارج. وذكر الحزب رئيس الوزراء بالوعد الذي قطعه عشية انتخابه، عندما قال إن الحكومة سوف تتخذ خطوات جادة لاستعادة الأموال خلال مائة يوم من العودة إلى السلطة، وبأن الحكومة كانت تخفي عمدا أسماء هؤلاء الأشخاص. ودعمت ملاحظات المحكمة العليا موقف الحملة التي تقوم بها المعارضة.

وطالب الحزب الشيوعي بالهند الحكومة التي كان يدعمها خلال فترة الحكم السابقة بمصادرة الأموال المهربة إلى الخارج واستعادتها. وفي تصريح له قال: «ينبغي إعادة تلك الأموال إلى الهند، ويجب الإعلان عن التفاصيل الخاصة بتلك الحسابات. ولن يكون أي تأخير في اتخاذ تلك الخطوات أمرا مقبولا».

وبحسب تقرير الثروة بمنطقة آسيا والمحيط الهادي لعام 2010 الصادر عن شركة «كابيجميني» للخدمات المالية وشركة «ميريل لينش» لإدارة الثروات، ازداد الأثرياء في الهند ثراء. بلغ عدد الأفراد الذين يمتلكون صافي ثروة مرتفعا في الهند حاليا 126.700 وهو ما يمثل زيادة بنسبة 50 في المائة مقارنة بعام 2008. وعندما كان عدد هؤلاء الأفراد 84 ألفا، كان صافي الثروة التي يملكونها 310 مليارات دولار. كذلك يشير التقرير إلى أنه من المتوقع أن يفوق عدد هؤلاء الأفراد في الهند العدد المسجل عام 2008 بمقدار ثلاثة أمثال بحلول عام 2018 في ظل اضطلاع الثروة الناشئة بدور أساسي. على الجانب الآخر، طبقا لقسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابع للأمم المتحدة، وصل عدد الفقراء الذين ازدادوا فقرا أو ظلوا على المستوى نفسه في الهند إلى 13.6 مليون عام 2009.

وقد وقعت الهند بالفعل اتفاقيات ومعاهدات مع أكثر من 80 دولة، تشمل دولا تفرض ضرائب منخفضة أو لا تفرض ضرائب إطلاقا، تقضي بتقاسم المعلومات الخاصة بالمتهربين من الضرائب. وقد أنشأت الدولة وحدات ضرائب على الدخل في موريشيوس وسنغافورة وقبرص وألمانيا فضلا عن 6 دول أخرى من أجل الحصول على معلومات. كذلك وقعت الحكومة الهندية على اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي مع الإمارات المتحدة وليبيا ولوكسمبورغ والاتحاد السويسري وكافة الدول الكبرى، إضافة إلى عقد مفاوضات بشأن إبرام اتفاقيات تبادل معلومات خاصة بالضرائب مع جزر البهاما وجزر برمودا والجزر العذراء البريطانية وجزيرة مان وجيرزي وموناكو وجزر كايمان وسانت كيتس والأرجنتين.