خبير بنكي ينصح الحكومة السعودية بالإسراع في تنفيذ مشروع الجسر البري

المملكة تنفذ مشاريع سكك حديدية قيمتها 21.3 مليار دولار

قطارات المؤسسة العامة للخطوط الحديدية («الشرق الأوسط»)
TT

قدر تقرير بنكي سعودي حجم ثلاثة مشاريع للسكك الحديدية في السعودية بدأت الحكومة السعودية العمل على تنفيذها منذ العام 2006 بنحو 118 مليار ريال (31.4 مليار دولار)، وهي مشاريع محورية ذات أبعاد اقتصادية، هي مشاريع الجسر البري وقطار الشمال الجنوب وقطار الحرمين، حيث قطع مشروعان منها مراحل مهمة بينما تعرض المشروع الثالث لتجميد من قبل الحكومة بعد أن بلغ مراحل متقدمة في طريق الترسية.

وتبلغ تكلفة المشروعين التي تنجزهما الحكومة السعودية في الفترة الحالية بحسب التقرير نحو 80 مليار ريال (21.3 مليار دولار) ويتوقع أن يتم إنجازهما بحول العام 2013.

واستعرض التقرير الذي صدر عن البنك السعودي الفرنسي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه المشاريع الثلاثة التي تنجزها الحكومة السعودية على مراحل، وهي مشروع قطار الشمال الجنوب الذي ينتظر تشغيله جزئيا هذا العام عبر خط قطارات التعدين، ومشروع قطار الحرمين الذي يسير في طريق ترسية المرحلة الثانية وترسية مشروع المحطات، إضافة إلى استعراض للجدوى الاقتصادية لمشروع الجسر البري اذي أوقف تنفيذه، منذ العام 2008.

ومنذ توقف مشروع الجسر البري ظهرت مؤشرات تشير إلى تنفيذ المشروع على عدة مراحل، وفي هذا الصدد يقول المهندس عبد العزيز الحقيل الرئيس العام لمؤسسة الخطوط الحديدية لـ «الشرق الأوسط» رافضا التعليق على تقديرات تكلفة المشروع التي وردت في التقرير، إن لا جديد في مشروع الجسر البري في الفترة الحالية، في حين أكد أن التوجه لخصخصة المؤسسة العامة للخطوط الحديدية سيترافق معها تنفيذ مشروع الجسر البري.

وقال معد التقرير الدكتور جون اسفيكياناكيس، مدير عام وكبير الخبراء الاقتصاديين البنك السعودي الفرنسي إن الخصخصة تنطلق من كونها فلسفة اقتصادية حديثة ذات أبعاد استراتيجية ترمي لتحويل عدد كبير من القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية التي لا ترتبط بالسياسة العليا للدولة من القطاع العام إلى القطاع الخاص بهدف إصلاح الأوضاع الاقتصادية فإنها عادة ما تتزامن مع تنفيذ برامج أخرى موازية ومتناسقة تعمل كل منها في الاتجاه العام نفسه الداعي إلى تحرير الأنشطة الاقتصادية في القطاع العام تجاه القطاع الخاص بهدف استغلال المصادر الطبيعية والبشرية بكفاءة وإنتاجية أعلى وتخفيف الضغط على ميزانية الدولة وتوجيه الإنفاق الحكومي بشكل أفضل. ونصح التقرير الحكومة السعودية، بضرورة تنفيذ مشروع الجسر البري والذي يعد الذراع الثالثة للمشاريع الضخمة، حيث يعتبر مشروعا اقتصاديا بحتا، ستكون له آثار واضحة على الاقتصاد السعودي. واضاف الدكتور جون أن تنفيذ المشروع التي تقدر تكاليف إنجازه بنحو 38 مليار ريال (10.1 مليار دولار) سيربط الموانئ السعودية على البحر الأحمر بالموانئ على الخيج العربي مما سيخلق شبكة نقل بموثوقية عالية وبتكلفة تشغيلية اقتصادية مما سيقلل من الاعتماد على الطرق البرية، وما ينشأ عنه من خفض للتكاليف الباهظة لصيانة الطرق نتيجة لانتقال حركة النقل الثقيل إلى القطارات بدلا من الشاحنات. معتبرا أن المشروع سيسهم في تحريك عجلة النمو الصناعي، حيث سيخلق الخط الحديدي صناعات جديدة يمكن أن تنشأ وتظهر مع تكامل الشبكة مثل صناعة التعدين، وصناعات ثقيلة أخرى. كما سيسهم المشروع في تكامل منظومة النقل في السعودية وتهيئة البيئة المناسبة لإنجاح أسلوب النقل متعدد الوسائط الذي يعد هدفا لتنمية وتطوير مشاريع النقل بالنظر إلى انعكاساته الإيجابية الكبيرة على تدفق المزيد من السلع وإعطاء المنتج المحلي قدرة على المنافسة أمام المنتجات الأخرى، كما تبرز أهمية هذا الأسلوب في التأثير على كلفة السلع المستوردة ومن ثم تأثيرها على انسيابية التجارة الدولية من خلال تأثيره على مختلف الخدمات اللوجستية وأهمها عمليات التخزين والتوزيع، إضافة إلى اختصار المسافة اللازمة لإتمام عملية النقل.

وبين التقرير أن مشروع الجسر البري الذي يبلغ طوله 950 كيلومترا من السكك الحديدية سيساهم في نقل البضائع والمسافرين، وتسهيل نقل حاويات السفن المتجهة إلى السوق المحلية والأسواق الخليجية الأخرى. يشار إلى أن المشروع ضمن خطط تنفيذه كان يعمل على بناء خطيّن من السكك الحديدية يبدأ الأول من ميناء جدة الإسلامي وينتهي في الرياض، بينما يربط الثاني مدينة الجبيْل الصناعية، وهي أحد أهم المراكز الصناعية في السعودية ومنطقة الخليج.

وبحسب التقرير فإن مشروع الجسر البري، كان يعد من أكبر المشروعات التي ستنفّذ في المنطقة على قاعدة (بناء وتشغيل ثم إعادة)، حيث فصل التقرير أن المشروع في حال تنفيذه سيترك أثرا كبيرا على إمكانات النقل لأنه سيعزز القدرة على نقل البضائع التي ستستورد من دول شرق آسيا عبر مرفأ الملك عبد العزيز في الدمام، في الغالب، ومن أوروبا وأميركا الشمالية عبر ميناء جدة الإسلامي، الأمر الذي سيعزّز حركة الترانزيت (إعادة التصدير) وسيخفّض تكاليف نقل السلع التي ستستوردها المنطقة عبر هذين الميناءين. وتشير الدراسات الاقتصادية التي سوقت للمشروع حينها أن عدد حاويات السفن التي سيتم نقلها عبر المشروع في عام 2015، سيتجاوز 700 ألف حاوية نموذجية، وهو ما يعني نقل أكثر من ثمانية ملايين طن من شحنات البضائع المستوردة عبر الموانئ إلى سوق السعودية وأسواق الدول المجاورة لها. كما سيساهم المشروع في نقل المسافرين، حيث توقع التقرير أنْ تنقل خطوط الرياض ـ جدة ـ مكة المكرّمة وجدة ـ الرياض وجدة ـ الدمام بضعة ملايين من المسافرين سنويا.

في ذات الوقت ومنذ مطلع العام 2008 شرعت السعودية في إنشاء شبكة حديدية عالية السرعة (قطارات كهربائية) لربط المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة بمدينة جدة ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية في محافظة رابع على البحر الأحمر، بقطار كهربائي بطول 450 كيلو مترا، وبتكلفة قدرها البنك الفرنسي نحو 42 مليار ريال (11.2 مليار دولار)، إلا أن المهندس عبد العزيز الحقيل رفض التعليق على تكلفة المشروع حيث أشار إلى أن المشروع في طور الترسية لبعض أجزائية.

ويعتبر قطار الحرمين أحد مشاريع المؤسسة العامة للخطوط الحديدية، حيث أنجز المشروع مراحل على ارض الواقع، تمت ترسية المرحلة الأولى منه والتي تتعلق بالأعمال المدنية والبنى التحتية في فبراير (شباط) من العام 2009، في حين تعمل الحكومة السعودية في الفترة الراهنة على ترسية عقدين ضخمين لصالح المشروع هما عقد بناء المحطات وعقد المرحلة الثانية من المشروع والتي تتعلق ببناء الخط الحديدي وتوريد العربات والقطارات والتشغيل والصيانة.

ويؤكد الدكتور جون إن مشروع قطار الحرمين السريع مشروع حيوي بالنسبة لمستقبل السعودية حيث يهدف إلى رفع كفاءة المنطقة الغربية التي تعتمد على الحجاج بشكل كبير. ويضيف وإذا كانت السعودية تريد توسيع السياحة الدينية على مدى السنوات المقبلة فلا بد ان تسعى لتحسين نظام المواصلات الموجود في المنطقة الغربية وتعزيز كفاءته، ويعتبر مشروع الحرمين للقطارات السريعة ضرورة ملحة، فالمدن المزودة بأنظمة للسكك الحديدية تعزز قدرتها على رفع معدلات نموها الاقتصادي قياسا إلى المدن التي تفتقر إلى مثل هذه الأنظمة. ويعتبر قطار المشال الجنوب الذي يربط مواقع التعدين في مناطق شمال ووسط السعودية بمدينة التعدين راس الزور على الخليج العربي بطول يصل إلى نحو 1486 كيلو مترا، في حين تعمل شركة الخطوط الحديدية (سار) وهي الجهة المشرفة على المشروع، على تنفيذ فرع مهم للمشروع لربط وسط السعودية بالحدود الشمالية عبر قطار مخصص للركاب، سيتم ربطه بالخط القائم بين مدينتي الدمام والرياض.

وقدر التقرير البنكي حجم الاستثمارات التي ستضخها الحكومة السعودية في مشروع قطار الشمال الجنوب بنحو 38 مليار ريال (10.1 مليار دولار)، ويبدأ وينطلق المشروع من حزم الجلاميد لنقل الفوسفات وإلى الزبيرة لنقل البوكسايْت ثمّ إلى رأس الزور على الخليج، واعتبر معد التقرير المشروع ضرورة اقتصادية ليس فقط بالنسبة لجميع المدن التي يمر بها، بل أيضا بالنسبة للمستقبل الاقتصادي لصناعة التعدين التي أطلقتها شركة «معادن» السعودية، لا سيما في مجال صناعة الألمنيوم. وقال الدكتور جون إنه من دون شبكة فاعلة للسكك الحديدية، سيستحيل تحويل البوكسايت المستَخرج من باطن الأرض إلى أوكسيد الألمنيوم بتكلفة معقولة، ومن دون توفير أوكسيد الألمنيوم بتكلفة معقولة، قد يستحيل تحقيق الأرباح المنشودة من بيع الألمنيوم الذي تنتجه شركة معادن. وأضاف هذا ما ينطبق أيضا على المنشآت التي تطوّرها شركتا معادن وسابك لإنتاج الفوسفات الموجّه للتصدير بشكل أساسي. ولا يمكن نقل الفوسفات بتكلفة معقولة لكي يتسنى تصديره بأسعار تنافسية من دون شبكة سكك حديدية تربط حزم الجلاميد برأس الزور. وأشار التقرير إلى أن التعدين يمثل ركيزة جديدة للاقتصاد السعودي من شأنها أن تحوّل السعودية إلى منتج عالمي مهم للفوسفات والألمنيوم، وعندما تصل منشأة ثاني أمونيوم الفوسفات إلى طاقتها الانتاجية القصوى، ستنتج نحو 18 في المائة من الانتاج العالمي لهذه المادّة. وتابع قائلا أن توسَّعة شبكة السكك الحديدية السعودية إلى الأردن، سيفتح أسواقا جديدة للسلع التي ستنتَج داخل السعودية وخارجها وستصدَّر بسرعة إلى السوق الأردنية، وعدد من الأسواق الأخرى الأبعد منها.

ولمح التقرير إلى أن السعودية زادت من إنتاجها من الأسمدة لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الأغذية، وفي قراءة مستقبلية للسوق الأسمدة قال معد التقرير إن عدد سكان الأرض سيرتفع إلى عشرة مليارات نسمة بحلول عام 2050، طبقا للبيانات التي قدمها نائب الرئيس لوحدة الأسمدة في شركة سابك، حيث ستبني الشركة منشأة لتحويل حامض الكبريتيك بتكلفة كليّة تتراوح ما بين ملياريّ دولار وثلاثة مليارات دولار، وذلك بهدف إنتاج 1.5 مليون طن سنويا من خامس أكسيد الكبريتيك؛ وهو عامل كيميائي مجفِّف.

وأكد التقرير على أن الطلب على الأسمدة سيزداد خلال السنوات الأربعين القادمة لأنّ حجم الطبقة المتوسطة العالمية سينمو، الأمر الذي سيرفع معدّلات نمو استهلاك اللحوم والبيض، وستربط أسعار الأغذية والطاقة الكهربائية على نحو متزايد بأسعار المحروقات التي تميل إلى الارتفاع، الأمر الذي سيعزز استخدام الأسمدة من جانب المزارعين بهدف رفع كفاءة أنشطتهم.