«أكسفورد بزنس غروب»: الاقتصاد السعودي بين أفضل الاقتصادات استقرارا وأداء

تنبأت في تقريرها بدور كبير للمعادن وأشارت إلى تحدي البطالة

الاقتصاد السعودي يستفيد من رصيد أجنبي يقارب نصف تريليون دولار ومعدل نمو مرتفع
TT

توقع تقرير اقتصادي تعافي ثقة القطاع المصرفي السعودي، خلال العام الحالي 2011، مفيدا بأن السعودية سجلت العام الماضي نموا حقيقيا بلغت نسبته 3.8 في المائة، من المرجح وصوله إلى 4 في المائة خلال العام الحالي، في حين تنبأ التقرير بأن تمثل المعادن الدعامة الثالثة للاقتصاد بعد النفط والغاز، خلال العقد المقبل، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد السعودي على المدى الطويل هو التعامل مع المستويات العالية نسبيا في البطالة وسط الشباب.

وأكد تقرير «السعودية 2010» الذي كشفت «أكسفورد بزنس غروب» النقاب عنه في الرياض، أمس، أن الاقتصاد السعودي يعد من بين أفضل اقتصادات المنطقة من حيث الاستقرار والأداء ويماثل الاقتصاد الألماني في أوروبا، حيث يمثلان نموذج نمو حافظ على استقراره خلال العقد الماضي ونجح في جذب الأنظار خلال الركود الاقتصادي العالمي، على الرغم من أن الاقتصادات الأخرى لا تزال تعاني في سبيل التغلب على تداعيات الأزمة العالمية.

وبمناسبة الإعلان عن التقرير أمس، قال الدكتور فهد السلطان، أمين مجلس الغرف السعودية، إنه على الرغم من الأزمة المالية العالمية، فقد كان أداء الاقتصاد السعودي رائعا، ولم يتأثر بشكل كبير، وبقي قويا وصلبا، وإنه سيواصل عرض تشكيلة واسعة من الفرص والاستثمارات في الكثير من القطاعات في المملكة، مبينا أن التقرير يعطي صورة حقيقية عن اقتصاد المملكة الذي تحول من اقتصاد تقليدي لاقتصاد مبني على المعرفة.

وأبرز التقرير الاقتصادي الذي عملت على إعداده شركة الأبحاث والنشر والاستشارات الاقتصادية المتخصصة «أكسفورد بزنس غروب» بأن التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد السعودي على المدى الطويل هو التعامل مع المستويات العالية نسبيا في البطالة وسط الشباب، وذلك من خلال الربط بين توفير الوظائف والعدد المتنامي من الشباب المتجه إلى سوق العمل. ولفت التقرير إلى تسجيل الحكومة السعودية نموا في الإنفاق على الموارد البشرية زاد على 40 في المائة، خلال السنوات الـ3 الماضية، مؤكدا أهمية استمرار البرامج طويلة المدى، مثل برامج التوازن الاقتصادي لتصبح آليات هامة لنقل المعرفة بين السعودية وشركائها في الغرب.

وأفاد التقرير أن التضخم يعد من القضايا التي تلقى اهتماما واسعا في السعودية، ولا يزال مرتفعا وفق المعايير التاريخية، وفي 2010 انخفض معدل التضخم عن ذروته في عام 2008 عند 5.4 في المائة، مشيرا إلى أن المصارف والمؤسسات المالية تجمع على حدوث انخفاض بسيط في التضخم هذا العام، رغم العوامل الهيكلية الفطرية مثل النقص في المنازل الحضرية، ستحافظ على عامل الإيجار ضمن مؤشر سعر المستهلك حول 10 في المائة.

وجاء في التقرير أن الاقتصاد السعودي، الذي يسوده القطاع النفطي على الرغم من أن النفط والغاز يسهمان الآن بأقل من نصف صافي الناتج المحلي، فإن ما نتج عن السياسة الناجحة لتنويع الاقتصاد في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، جعل السعودية تتمتع الآن بمرتبة عالمية في الكثير من الصناعات الثقيلة، وأبرزها صناعة البتروكيماويات.

وعن مسيرة التنمية ومسيرة الاقتصاد وتنويع مصادره، توقع التقرير أنه خلال العقد المقبل ستمثل المعادن مثل الفوسفات والبوكسيت والنحاس الدعامة الثالثة للاقتصاد بعد النفط والغاز، مشيرا إلى أنه وبجانب الصناعة الثقيلة قامت السعودية أيضا بتطوير أحد أهم قطاعات المال في المنطقة في حين تواصل قطاعات مثل التجزئة وتجارة الجملة والخدمات اللوجيستية من العناصر الهامة في الاقتصاد الوطني السعودي.

وعلى الرغم من تنفيذ السعودية حاليا في سياسة تنويع أفقية كبرى، فإن استراتيجية الرأسية الناجحة للاقتصاد في مجموعة من المدخلات الصناعية التي تتطلبها أكثر اقتصادات العالم حيوية، ضمنت استقرار البلاد خلال الأزمة المالية الأخيرة، كما جعلت السعودية في الوقت الحالي تلعب دورا فاعلا في الاقتصاد العالمي وتبرهن على ذلك عضويتها في مجموعة العشرين.

وحمل تقرير «السعودية 2010» معلومات تبين أن اقتصاد السعودية استطاع الحفاظ على نموه خلال الأزمة بفضل الزخم والدعم الحكومي الهائل الذي تمثل في برنامج إنفاق بقيمة 400 مليار دولار، ومن المقرر اكتماله في 2013.

وأبان التقرير الاقتصادي، أن الاستثمارات الحكومية ستبقى المحرك الرئيسي للاقتصاد السعودي الذي يمثل 15 في المائة من صافي الناتج المحلي ويوفر قاعدة قوية للثقة في الآمال بالسعودية، مما يعني أن قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة في السعودية أصبح حاليا من بين الأكثر تفاؤلا في العالم، متوقعا وصول استثمار رأس المال في 2011 إلى 68 مليار دولار، بانخفاض طفيف عن 2010 الذي بلغ فيه 69 مليار دولار، معلقا في الوقت ذاته أنه ربما يعد ذلك مؤشرا على قلق الحكومة بشأن زيادة ضغوط التضخم في مواصلة أجواء انخفاض سعر الفائدة.

وإلى جانب الأنشطة الحكومية تناول التقرير حال القطاع الخاص، إذ قال إنه اتسم أيضا بالمرونة على الرغم من القلق الذي يحيط بالقروض المصرفية للقطاع الخاص، حيث سجلت القروض التي حصل عليها القطاع الخاص من مصارف السعودية نموا بلغت نسبته 27 في المائة سنويا من 2004 إلى 2008، وقد سجل معدل الإقراض مؤخرا نموا بطيئا للغاية، حيث تعرض لتراجع حاد وصل إلى 0.2 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك عقب انهيار الثقة الذي تسبب فيه التعرض لمجموعتي سعد والقصيبي، ومن المتوقع تعافي ثقة القطاع المصرفي في 2011 بعد التحسينات التي تجرى على احتياطيات القروض السيئة.

وأشار التقرير إلى بداية الشعور بفوائد النمو العائدة من برامج الحكومة الاستثمارية الموجهة، حيث ينعم قطاع التصنيع، على وجه الخصوص، بدفعة قوية من استثمار رأس المال مباشرة من مدينة الجبيل الصناعية، وكذلك مرافق «معادن» الجديدة، وسجل قطاع الصناعة في عام 2010 نموا بلغت نسبته 5 في المائة، في حين بلغت نسبة النمو في قطاع المرافق مؤشرا جيدا على الطلب الإجمالي، إذ بلعت 6 في المائة، ومن بين القطاعات الرئيسية قطاع النقل وقطاع الاتصالات، حيث سجلا نموا بلغ 5.6 في المائة، في عام 2010، وذلك بفضل الاستثمارات الحكومية الكبيرة الرامية إلى إنشاء خطوط سكك حديدية وطرق جديدة للوصول إلى الموارد المعدنية الهائلة في الشمال الغربي إلى جانب تحسين مستوى الربط بين المراكز التجارية الرئيسية.

وفي ما يتعلق بالمتطلبات للمستجدات الهيكلية أوصى التقرير بوجود قطاع خاص يمتاز بالحيوية والنشاط ليس قادرا على تسجيل نمو أفقي فحسب، ولكن أن يكون قادرا أيضا على تحقيق نمو وظيفي، وهما أمران بذات الأهمية ويعد تزويد بؤر نمو في مدن أخرى غير الرياض وجدة أمرا ذا أهمية عالية، ومن هنا تأتي استثمارات السعودية البالغة 60 مليار دولار في المدن الاقتصادية الـ4 الجديدة. وأضاف التقرير أن هذه المشاريع طويلة المدى تعتبر ذات مجال واسع، وقد صممت للانتقال المؤقت لخطى الاقتصاد السعودي، ومن الممكن مقارنتها مع الموجة الأولى من التنويع الاقتصادي التي قادتها الحكومة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، مع إنشاء مدينتي جبيل وينبع الصناعيتين.

وعلى النقيض من ذلك أشار التقرير إلى أن المدن الاقتصادية ستركز على خلق اقتصاد معرفي فعال في المملكة، مع إمكانات توفير نمو وظيفي مرتفع في مجتمع السعودية الفتي، وذلك في القطاعات التي تتطلب استثمارات ذات رؤوس أموال أقل، ومن المتوقع أن يقطن المدن الاقتصادية الربعة تعدد سكاني يتراوح بين 4 و5 ملايين نسمة وخلق نحو مليون فرصة عمل. وزاد التقرير، أن الاستثمارات الحكومية التي تبلغ نحو 60 ألف دولار للوظيفة الواحدة، ستؤدي إلى إعادة توزيع مميز للعوائد النفطية، ويعتبر ذلك مؤشرا واضحا على التوجه الحالي للسياسة الحكومية في السعودية، فبالإضافة إلى إعادة توزيع الثروة النفطية مباشرة من خلال قطاع التوظيف في الدولة والمنافع العامة، تتزايد جهود الحكومة لتوجيه الاستثمارات نحو البنية التحتية الاقتصادية التي من شأنها خلق فرص العمل والنمو المستقبلي.