«فيس بوك» يمضي بخطى حذرة بعد دوره الرئيسي في المظاهرات التي تشهدها مصر

تمكن من تأمين المستخدمين رغم محاولة حكومة بن علي استخدام فيروسات

«فيس بوك» نجح في توفير وسيلة تواصل للمتظاهرين في مصر (إ.ب.أ)
TT

شكل «فيس بوك» الوسيلة الرئيسة التي اعتمد عليها معارضو الرئيس حسني مبارك خلال السنوات الأخيرة. لكن الموقع، الذي يفتخر بوجود خمسة ملايين مستخدم لموقعه في مصر وهو الرقم الأعلى في أي بلد عربي، تحول في الآونة الأخيرة إلى غضبة شبابية إزاء مقتل ناشط بارز أدت بدورها إلى المظاهرات التي اندلعت في ميدان التحرير مؤخرا.

لكن «فيس بوك» الذي يحتفل بعيد ميلاده السابع اليوم وبلوغ عدد مشتركيه نصف مليار مستخدم لا يميل إلى تبني دور الخيار الأول للمتظاهرين والمحتجين على النقيض من منافسيه «غوغل» و«تويتر» اللذين ساعدا قادة المعارضة في التواصل بعد أن أغلقت الحكومة المصرية مداخل الإنترنت.

وقد تحول عملاق وادي السليكون، سواء أعجبه ذلك أم لا، إلى طرف في زخم سياسي عالمي حساس على نحو غير مسبوق مما أضر بحاجة الشركة إلى سوق إنترنت مفتوحة في وجه المخاوف من لجوء الأنظمة الديكتاتورية إلى الحد من استخدام الموقع أو ربما إغلاقه كلية.

ويقول علاء عبد الفتاح، المدون المصري والناشط في جنوب أفريقيا الذي يحظى بالكثير من المتابعين داخل مصر: «اعتمدت الحركة (في مصر) بشكل كبير على الإنترنت، فبدأت بغضب لتنتهي بانتفاضة شعبية شرعية».

وسوف تجبر الأحداث الأخيرة التي شهدتها كل من تونس ومصر مسؤولي «فيس بوك» على التعامل مع هذه المشكلة في ظل إمكانية تنامي حذر بعض الحكومات الأخرى من السماح للشركة بالعمل في بلادها دون قيود أو مراقبة دقيقة، بحسب ديفيد كيركباتريك، مؤلف كتاب «تأثير فيس بوك: سيرة ذاتية مصرح بها لتاريخ الشركة». ويدرس «فيس بوك» حاليا ما إذا كان سيسمح للناشطين باستخدام إجراءات عدم الكشف عن الهوية على الموقع.

وقال كيرباتريك: «لقد تحدثت مع العديد من الأفراد داخل فيس بوك الأسبوع الماضي وهم يناقشون هذا الأمر داخليا. فالعديد من الدول التي ينتشر فيها فيس بوك بها أنظمة ديكتاتورية أو حكومات مستبدة. وقد تعاملت هذه الدول بصورة سلبية مع شعبيته، لكن ما حدث في مصر وتونس يتوقع أن يغير من مواقف الدول الأخرى وأن تصبح أكثر قلقا من تشغيل فيس بوك هناك».

وقد رفض أندرو نويز السماح للصحيفة بالوصول إلى أي من المسؤولين داخل الشركة للحديث عن دوره في الاحتجاجات في مصر أو استراتيجية الشركة في البيئات المتصارعة سياسيا. وقال نويز: «على الرغم من أن الاضطرابات في مصر أمر يخص المصريين وحدهم وحكومتهم، فإن حجب الدخول على الموقع بالنسبة لملايين الأفراد يعتبر أمرا مقلقا بالنسبة للمجتمع الدولي، فمن الضروري أن نتواصل ونتاجر. لا ينبغي لأحد أن يحرم من الدخول إلى الإنترنت».

وحتى عندما ساعد «فيس بوك» المتظاهرين في العمل في مواجهة التدخلات الحكومية وصفت الشركة ما قامت به بالحلول التقنية. فبعد أن استخدمت الحكومة التونسية الشهر الماضي فيروسا للحصول على هويات مستخدمي «فيس بوك» المحليين تصرفت عملاق الإنترنت. وأعادت تحويل مرور «فيس بوك تونس» إلى موقع لا يتمكن فيه مقدم الخدمة المحلي من الولوج إلى معلومات المستخدمين.

وفي بيانها إلى «البوست» قالت الشركة إنها نظرت إلى هذا المأزق باعتباره «خللا أمنيا بحاجة إلى الإصلاح».

وقال جوي سوليفان المسؤول عن أمن المعلومات الشخصية في «فيس بوك»: «من المؤكد أن هناك سياقا سياسيا لوضع خاص في تونس، لكن من وجهة نظر فيس بوك فإنها ترى ما حدث مشكلة أمنية تتطلب حلا تقنيا، وقد منعنا خرقا كان يجعل حسابات الأفراد على فيس بوك عرضة للخطر واستعدنا سلامة الحسابات التي تم الكشف عنها. وسوف نتخذ نفس الخطوات في أي موقف نرى فيه خرقا منهجيا».

بيد أن «فيس بوك» ينتهج اتجاها مغايرا للمنحى الذي اتخذه «غوغل» الذي دخل في نزاع قضائي مع الصين بشأن الرقابة أو «تويتر» موقع التدوين المصغر للغاية الذي ذاع صيته إبان المظاهرات التي اجتاحت إيران في عام 2009 على تأجيل موعد إغلاقه وتيسير المظاهرة المدنية. وقد شهد الأسبوع الحالي إطلاق كل من «غوغل» و«تويتر» و«ساي ناو»، موقع تواصل اجتماعي صوتي، خدمة جديدة تقدم للمصريين بأرقام هواتف للاتصال بها وترك رسالتهم التي تسجل وتنشر على الإنترنت - تسمى تويت تو سبيك.

يذكر أنه في بداية عام 2010 في أعقاب النزاع مع «غوغل» حول الرقابة مع الصين، كانت «فيس بوك» واحدة من بين الشركات التي اصطدمت مع الكونغرس لرفض المشاركة في جلسة استماع لجنة الكونغرس التي درست كيفية عمل شركات وادي السليكون مع الحكومات الأجنبية. وقد ردت «فيس بوك» على اللجنة في ذلك الوقت بأنه لا يوجد لديه موظفون في الصين وأن عمله يختلف كلية عن عمل «غوغل».

وكتب مدير السياسة العام في «فيس بوك»، تيم ساراباني، في رسالة إلى عضو مجلس الشيوخ ريتشارد دوربين، العضو الديمقراطي عن ولاية إلينوي: «هذه الوسائل المتعارضة تمثل تحديا للشركات خاصة الشركات من أمثال فيس بوك الصغيرة والنامية الراغبة في ارتياد أسواق جديدة حول العالم دون دعم قوي من الحكومات الوطنية والمؤسسات متعددة الجنسيات».

من ناحية أخرى لم ينضم «فيس بوك» إلى مبادرة شبكة العمل العالمية، وهو اتحاد غير ربحي لشركات الاتصالات والذي يضم شركات مثل «مايكروسوفت» و«غوغل» و«ياهو» - والذي تأسس لإنشاء معايير لمكافحة الرقابة حول العالم (ولم ينضم «تويتر» أيضا إلى ذلك الاتحاد).

ويرى المدافعون عن حرية التعبير على الإنترنت أنه لم يعد بمقدور «فيس بوك» التلكؤ في الانضمام إلى الاتحاد.

ويقول جون بالفري المدير المشارك لمركز يركمان للإنترنت والمجتمع بجامعة هارفارد: «الجيد في الأمر هو تحول تويتر وفيس بوك إلى أدوات هامة للغاية، ولذا لا يملك المرء إلا الإشادة بدورهما كأدوات بالغة الأهمية، لكن ذلك يفرض عليهما في الوقت ذاته التزاما محددا».

وعلى الرغم من رفض «فيس بوك» اتخاذ موقف صريح بشأن مصر فلا تزال الشبكة الاجتماعية أداة بالغة الأهمية نقل الرسائل المناوئة للحكومة في مصر.

ويقول رياض منتي، مدير الإعلام الاجتماعي بـ«الجزيرة» إن الوكالة الإخبارية كانت تنقل تغطية حية للمظاهرات على صفحتها على «فيس بوك» لمتابعيها في الولايات المتحدة والعالم العربي وهو ما زاد عدد متابعيها بنسبة 30 إلى 40 في المائة وأن تحديثاتها بشأن الأزمة رفعت عدد متابعيها من مليونين إلى 10 ملايين شخص يوميا.

وقال منتي: «لا أعتقد أن الحكومات ترى فيس بوك أداة جوهرية وربما كان ذلك سببا في وقف الحكومة المصرية خدمة الإنترنت بصورة كلية»، وأشار إلى أنه يفضل توجه فيس بوك الأكثر موضوعية حتى لا يسبب قلق القادة الأجانب. إضافة إلى ذلك ساعد فريق تسويق الإعلانات في «فيس بوك» «الجزيرة» في التركيز على الأزمة المصرية لجذب المزيد من المتابعين في الولايات المتحدة.

وقال: «كانوا يقدمون لنا المشورة الاستراتيجية، فكنا نستهدف الأفراد الأكثر من 18 عاما وكان سعينا الأكبر هو الجمهور الأميركي».

يقول خبراء الإنترنت إن «فيس بوك» بحاجة إلى معرفة كيفية حماية مستخدميه في الدول ذات الأنظمة القمعية، لكن شروط الاستخدام لدى الشركة التي تتطلب من الأعضاء استخدام هويات حقيقية تجعل المتظاهرين عرضة لخطر التجسس الحكومي، لكن المدير التنفيذي لـ«فيس بوك» مارك زوكربيرغ دافع عن هذه السياسة مشيرا إلى أن الموقع سيفقد مصداقيته في حال الاختباء وراء شخصيات زائفة. وقال كبيركباتريك، مؤرخ الشركة: «سأل العاملون في فيس بوك أنفسهم في أعقاب الأزمة في مصر وتونس عما إذا كان بمقدورهم السماح للناشطين السياسيين في هذه الثورات العفوية امتلاك القليل من الحرية في إخفاء هوياتهم الأصلية. لكن المشكلة هي أنهم إذا ما سمحوا للناشطين السياسيين من مستخدمي فيس بوك في دول مثل مصر وتونس باستخدام هذه الأدوات فإنهم يتوقعون أن تستخدم من قبل بعض الأشخاص الموالين للحكومة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»