تقرير بنكي يستبعد تأثير تكدس المشاريع الحكومية برفع معدلات التضخم على الاقتصاد السعودي

خبير اقتصادي لـ «الشرق الأوسط»: ثبات معدلات التضخم مرهون بأسعار المواد الغذائية

استبعد تقرير بنكي تأثير البرنامج الرسمي لتحفيز الاقتصاد في السعودية على رفع معدلات التضخم (تصوير: خالد الخميس)
TT

استبعد تقرير بنكي صدر في السعودية، أمس، أن يشكل البرنامج الرسمي لتحفيز الاقتصاد الذي تتبناه الحكومة أي ضغوط تضخمية على الأفراد في السعودية، وقال التقرير إن تكدس المشاريع الحكومية لم يولد أي ضغوط تضخمية تُذكر على أسعار السلع والخدمات والإيجارات.

وخصصت الحكومة السعودية نحو 516 مليار ريال (137.6 مليار دولار) خلال العامين 2010 و2011 فقط، لتنفيذ مشاريع حكومية تتعلق بتوسيع قاعدة الاستثمارات الحكومية وتطوير البنية التحتية، هذا الزخم من المشاريع يمثل نحو 88.9 في المائة من ميزانية عام 2011.

وأرجع التقرير، الذي أصدره البنك السعودي – الفرنسي، والذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، عدم المخاوف من ضغوط تضخمية نتيجة تكدس المشاريع الحكومية، إلى أن الاستثمارات العامة جاءت لتعويض النقص الحاد في الاستثمارات الخاصة، بدلا من التنافس معها.

وفي ذات الوقت، توقع معد التقرير، تركي الحقيل، المدير الأعلى للقسم الاقتصادي في البنك السعودي – الفرنسي، أن تتواصل الضغوط التضخمية الناجمة عن العوامل المحلية، لا سيما تضخم الإيجارات وأسعار السلع والخدمات، بالإضافة إلى تضخم الأسعار العالمية للأغذية.

ولفت التقرير إلى أن أسعار النفط المرتفعة في الفترة الحالية تعطي مؤشرات بسنة إيجابية بالنسبة للاقتصاد السعودي، الذي يمتاز بمعدلات نمو قوية، وبتضخم قابل للإدارة بسهولة وبفائض مزدوج في الميزانية العامة والحساب الجاري.

وفي حين يبدي المراقبون الاقتصاديون تفاؤلا باستقرار معدل التضخم، وتراجع معدلاته في شريحة الإيجارات والخدمات، حيث يتوقع لهذه الشريحة أن ينخفض مستوى التضخم فيها من 9.5 في المائة إلى نحو 7.8 في المائة خلال العام الحالي، وهو مستوى تنازلي للتضخم في هذه الشريحة، بعد أن سجلت منتصف عام 2008، مستوى تضخميا بلغ 20 في المائة.

وأشار الحقيل إلى أن شهر أغسطس (آب) من عام 2010، شهد صعود معدل التضخم العام في السعودية إلى 6.1 في المائة، مسجلا أعلى مستوى له في 18 شهرا، إلا أن مستوى التضخم عاد إلى الاعتدال ليسجل متوسطا سنويا قدره 5.4 في المائة، مشيرا إلى تجاوز المستوى الذي سجله في العام السابق بواقع 0.3 في المائة.

وأكد الحقيل أن التوقعات تشير إلى أن الضغوط التضخمية قد تخف بعض الشيء خلال العام الحالي، نتيجة لانخفاض معدلات تضخم الإيجارات، إلا أنه عاد وأكد أن المخاوف تتجه في الفترة الحالية إلى أن المصدر الرئيسي لمعدلات التضخم قد ينشأ من الأسعار المحلية للأغذية، التي قد تظل مرتفعة نتيجة لارتفاع الأسعار العالمية لهذه السلع.

ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يبلغ المتوسط السنوي لمعدلات التضخم العام في السعودية خلال العام الحالي 5.1 في المائة، ويعد هذا المعدل مرتفعا عند مقارنته بالمستويات التاريخية التي شهدها الاقتصاد السعودي على مدى 16 سنة، بين عامي 1990و2006، والتي لم تتجاوز 0.8 في المائة.

أمام ذلك يقول معد التقرير إن المتوسط السنوي للتضخم خلال العام الحالي لن يولد نفس المخاطر الاجتماعية التي ولدها التضخم في عامي 2007 و2008، عندما تجاوز مستواه العشرة في المائة للمرة الأولى في ثلاثة عقود، وهذا الصعود الحاد للتضخم مع ضعف القوة الشرائية للريال السعودي نتيجة لضعف الدولار مقابل العملات العالمية الرئيسية.

وأشار مدير القسم الاقتصادي في البنك الفرنسي، إلى أن الحكومة السعودية أعلنت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أنها لن تلغي علاوة التضخم التي رفعت رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 15 في المائة خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك بهدف مساعدتهم في تحمل الأسعار المتصاعدة من دون المساهمة في رفع معدلات التضخم.

وتأتي المخاوف من الضغوط التضخمية لدى المستهلكين في السعودية من زيادة تضخم أسعار المواد الغذائية، التي تمثل ثلث سلة تكاليف المعيشة، والتي يرى الحقيل أنها قد تصل إلى 6.9 في المائة.

وطبقا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، كما يقول الحقيل، فإن الأسعار العالمية للقمح والذرة والأرز ارتفعت بنسبة 26 في المائة بين يونيو (حزيران) ونوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2010، مما رفع مؤشر هذه الأسعار في ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته إلى أعلى مستوى لها في التاريخ.

وجاء ارتفاع أسعار الحبوب، خصوصا القمح، في النصف الثاني من عام 2010، جراء الجفاف الشديد والحرائق التي شهدها منتجان كبيران للقمح، هما روسيا وأوكرانيا، بينما ضربت أحوال الطقس الرديئة محصول القمح الكندي. وفي ذات الوقت، واجه إنتاج الأرز، المهم بالنسبة للمستهلك السعودي، مشكلات كبيرة أيضا، حيث أكد الحقيل أن التوقعات التي نشرتها «الفاو» في نوفمبر حول الإنتاج العالمي للأرز أقل تفاؤلا من تلك التي نشرتها في يونيو (حزيران)، حيث توقعت أن تتراجع التجارة العالمية للأرز بنسبة 2 في المائة في عام 2011، بسبب انخفاض الإمدادات التي سيوفرها مصدرو الأرز الرئيسيون، مثل باكستان وكمبوديا ومصر وفيتنام، معتبرا أن هذا الانخفاض قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار المحلية للأرز، مضيفا أن هناك عاملا آخر لتضخم أسعار المواد الغذائية، حيث أسهمت دينامية إنتاج الأغذية وبيعها بالجملة في التقلبات التي شهدتها السوق المحلية السعودية.

وتوقع التقرير أن تنحسر الضغوط التضخمية التي تولدها فئات التكاليف والخدمات الأخرى التي تمثل 14 في المائة من سلة مؤشر التضخم، والتي يمثل الذهب والمعادن النفيسة الأخرى نسبة كبيرة من هذه الشريحة، وربط عودة أسعار هذه المعادن إلى الانخفاض بتبدد القلق العالمي من التضخم.

وتوقع معد التقرير أن ينخفض معدل تضخم الإيجارات وخدمات المرافق، الذي يمثل خمس مؤشر التضخم، من 9.5 في المائة في العام الماضي إلى 7.8 في المائة هذا العام، ليواصل بذلك اتجاهه التنازلي الذي بدأ في منتصف عام 2008، بعدما بلغ الذروة وقدرها 20 في المائة تقريبا، إلا أن النقص الكبير في معروض العقارات، يشكل عائقا أمام تراجع مستوى التضخم، وفي سياق إعداد مؤشر الثقة بالاقتصاد السعودي بحسب الحقيل، فإن مديري الشركات أعربوا عن اعتقادهم بأن معدل التضخم العام سينخفض خلال الشهور الستة المقبلة.

وتوقع التقرير أن يتحسن أداء الاقتصاد السعودي في عام 2012، الذي قد يرتفع فيه معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 4.4 في المائة، بما في ذلك نمو القطاع الخاص بمعدل 4.5 في المائة نتيجة لاستمرار الحكومة السعودية في تقليص دورها التمويلي.

وبين معد التقرير أن معدلات نمو الإقراض المصرفي للقطاع الخاص قد تعود إلى مستويات تفوق العشرة في المائة بشكل طفيف، إلا أن أسعار النفط المرتفعة وتنامي الطلب العالمي على الطاقة سيدفعان بالسعودية إلى مزيد من تعزيز قدراتها على إنتاج النفط الخام، الأمر الذي قد يؤدي إلى فائضين صغيرين نسبيا في الميزانية العامة والحساب الجاري، وقدرهما 4.1 في المائة و11.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، على التوالي.

وتوقع الحقيل أن تواصل الضغوط التضخمية انحسارها في عام 2012، استنادا إلى المؤشرات الأولية.

ومع انتعاش النشاط الائتماني وارتفاع معدلات نمو المعروض النقدي، سيكون من السهل على مؤسسة النقد العربي السعودي أن ترفع أسعار فائدة عقود إعادة الشراء، بنحو خمسين نقطة أساس للمرة الأولى في ثلاث سنوات.

وأكد التقرير أنه في الوقت الراهن يستمر إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار بسخاء، يسهم في ذلك تردد البنوك في تقديم قروض جديدة، الأمر الذي يفرض ضغوطا مالية شديدة على المؤسسات الرسمية التي تواصل تحملها لأعباء سد الفجوة التمويلية.

ومع أن برنامج الإنفاق الحكومي السخي يوفر الظروف المناسبة لعودة الزخم إلى القطاع الخاص، فإن الشركات السعودية الخاصة لم تستأنف بعد دورها الطبيعي في الاقتصاد المحلي كما يرى معد التقرير.

ونصح التقرير متخذي القرار الاقتصادي في السعودية ببذل المزيد من الجهود لإنعاش الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، لأنها قادرة على المساهمة بفاعلية كبيرة في عملية التعافي الاقتصادي. ولمح التقرير إلى أنه لا بد من ابتكار استراتيجيات جديدة لتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وتمكينها من الاستفادة من التمويل العام، الذي مال حتى الآن إلى دعم عدد صغير فقط من أكبر شركات القطاع الخاص السعودي. وقال معد التقرير إن السعودية، وفي سياق خطتها الخمسية الأخيرة، تبنت الهدف المتمثل برعاية وتنظيم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، من خلال مجموعة من المبادرات الرسمية والخاصة، التي ترمي إلى زيادة مساهمة هذه الشركات في إجمالي الناتج المحلي للقطاع غير النفطي.

وأضاف: «من دون تشجيع هذه الشركات بسرعة وبما يكفي لتعزيز مساهمتها الاقتصادية بشكل كبير، فإن القطاع الخاص قد يفشل في النمو بمعدلات تفوق الخمسة في المائة خلال السنوات المقبلة، علما بأن هذه المعدلات ضرورية لتوفير الكميات اللازمة من فرص العمل الجديدة، وهذا هو أكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد السعودي في المرحلة الراهنة».