طموحات شركة الطيران الإماراتية تثير قلق منافساتها الأوروبية

الشركة تواصل التوسع رغم ما تعرضت له دبي من أزمة مالية

طائرة تابعة لطيران الإمارات من طراز بوينغ 777 («الشرق الأوسط»)
TT

وراء مجموعات الجزر الصناعية التي تتخذ شكل أشجار نخيل وليس بعيدا عن أكثر ناطحة سحاب ارتفاعا في العالم، يقف شاهد آخر على طموح هذه المدينة العنيد. حتى في هذه الواحة من الرخاء، يبعث مبنى ركاب 3 في مطار دبي الدولي على الدهشة، فهو أكبر مبنى. لقد تم تشييد المبنى بكامله الذي تبلغ مساحته 370 فدانا وما فيه من 82 ممرا متحركا و97 سلما متحركا و157 مصعدا و180 نقطة دخول و2600 مكان لانتظار السيارات وفي الحسبان شركة تتمتع بصلات رفيعة من شخصيات رفيعة المستوى هي «الخطوط الجوية الإماراتية»، أسرع شركات الطيران نموا في دبي.

تتجه الإمارات نحو التوسع الطموح رغم ما تعرضت له المدينة من شبه انهيار مالي عام 2009. يريد المسؤولون التنفيذيون بمساعدة حكام دبي وضع هذه المدينة الخليجية في قلب شبكة النقل التي تربط الاقتصاد الحيوي لدول مثل الهند والصين بأوروبا والولايات المتحدة.

ربما يبدو الأمر مثل التظاهر بشجاعة بقية السنوات التي شهدت فقاقيع ومثال آخر على توسع فاشل في هذا العالم الخيالي. فرغم كل شيء هذه دبي التي تخطط شركات التنمية العقارية الضخمة فيها لإنشاء مجموعات من الجزر على شكل أشجار نخيل وأقامت برج خليفة المكسو بالزجاج والذي يبلغ ارتفاعه ضعف مبنى «إمباير ستيت» بجانب منتجع تزلج داخلي. لكن أوضحت الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر مؤخرا أن دبي رغم كل ما تتمتع به من رخاء واستقرار تعيش في منطقة خطرة.

لكن داخل مبنى الركاب 3 تبدو نهضة «الخطوط الجوية الإماراتية» سرابا. فمنذ إنشائها عام 1985، أصبحت الشركة الحكومية أكبر شركة طيران في العالم بحسب ما تقطعه من أميال طويلة. ويعج مبنى الركاب في السادسة والنصف صباحا بالمسافرين، وينتشر الروس المتجهون إلى دوربان والصينيون المتجهون إلى الخرطوم والهنود المتجهون إلى سان فرانسيسكو في المطاعم ومتاجر السوق الحرة. وتغفو أسر على الأرض الرخامية البيضاء. يبدو الأمر مثل سوق ضخمة مخصصة لحقبة جديدة من السفر جوا، حيث يتسم بالازدحام والعالمية والحيوية.

ويقول تيم كلارك، رئيس الشركة إن شركته تمثل مستقبل السفر جوا. وفي حقبة تحاول فيها كثير من خطوط الطيران العالمية جاهدا الصمود، امتلأت طائرات الشركة بالركاب ورفعت أسعار تذاكر الطيران وتحقق أرباح باستمرار، حيث بلغت الأرباح التي تم تحقيقها خلال ستة أشهر تنتهي في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي 925 مليون دولار مقارنة بـ205 ملايين دولار تم تحقيقها العام الذي يسبقه.

ومن أجل اجتذاب العملاء، يريد المسؤولون التنفيذيون استعادة تألق الشركة. وعلى طائرة «إير باص - إيه 380» ذات المستويين تضم خدمات عالية الرفاهية في درجة رجال الأعمال وتضم الدرجة الأولى خدمات تلفزيونية منوعة. ولا أحد يدفع مقابل الطعام أو المشروبات على أي رحلة على متن طائرات «الخطوط الجوية الإماراتية». حتى الآن يعود نجاح الشركة إلى الجغرافيا، حيث يعيش نحو أربعة ملايين شخص على مساحة تعادل رحلة طيران مدتها ثماني ساعات من هنا. لكن ما يثير فزع منافسي الشركة هو تمتع «الخطوط الجوية الإماراتية» بدعم حاكمي دبي خاصة الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيسها التنفيذي. بينما تحولت مدن مثل سنغافورة وهونغ كونغ إلى مراكز عالمية بفضل خطوط الطيران المحلي بها، تختلف الخطوط الجوية الإماراتية من حيث الطموح.

المنافسون يردون الضربة.. حيث قال التحالف العالمي «سكاي تيم»، الذي يضم خطوط طيران «دلتا» و«الخطوط الجوية الفرنسية» و«الخطوط الجوية الألمانية»، إنه سيضم شركة طيران «الشرق الأوسط» اللبنانية و«الخطوط الجوية السعودية» لمواجهة هيمنة «الخطوط الجوية الإماراتية» في المنطقة.

ويقول جون ليهي، مسؤول التشغيل في «إير باص»، الشركة الأوروبية المصنعة للطائرات: «هناك سبب يدعو إلى خوف شركات الطيران حول العالم من نجاح الخطوط الجوية الإماراتية. ينبغي أن يدب الخوف في قلوب شركات الطيران حول العالم» في إشارة إلى تنوع الخدمات التي تقدمها الشركة وكفاءة أدائها وتكاليفها المنخفضة. والجدير بالذكر أن «الخطوط الجوية الإماراتية» من أهم عملاء شركة «إير باص».

طبقا لتوقعات «بوينغ» عام 2010، من المتوقع أن تشهد رحلات الطيران في الشرق الأوسط خلال العقدين القادمين نموا بنسبة تزيد على 7 في المائة وهو ما يفوق أي منطقة أخرى. سيعود فضل هذا النمو إلى «الخطوط الجوية الإماراتية» وشركتي طيران تشهدان توسعات كبيرة في منطقة الخليج هما شركة «الاتحاد» في أبو ظبي و«الخطوط الجوية القطرية».

حتى الآن تعد «الخطوط الجوية الإماراتية» أكثر الشركات الثلاث طموحا، بفضل أهم الخطوات التي اتخذتها وهي إنشاء خطوط طيران إلى الدول النامية التي تجاهلتها شركات الطيران العالمية لمدة طويلة وتقديم بديلا لخطوط الطيران المحلية. فبدلا من أن تكون بلدان أوروبية مثل لندن أو فرانكفورت هي مراكز الترانزيت، أصبحت تمر هذه الخطوط الجديدة بدبي.

يقول كلارك البالغ من العمر 61 عاما: «ما زالت شركات الطيران القديمة تنظر إلينا وكأننا وحش الشرق الأوسط وعدو الطيران المدني الكريه في القرن الواحد والعشرين. لكنهم لن يتقبلوا فكرة أن ما نقوم به لم يكن لهم بالأساس. القرن الواحد والعشرون يختلف كثيرا عن القرن العشرين». والخطوط الجوية الإماراتية تقدم على سبيل المثال 184 رحلة أسبوعيا من دبي إلى الهند وإلى مدن مثل أحمد آباد، التي تعد المركز التجاري لولاية غوجارات. كذلك توفر رحلات إلى 17 مدينة في أفريقيا والصين متجهة إلى بكين وشنغهاي وهونغ كونغ وغوانزغو، إضافة إلى رحلتين يوميا إلى بانكوك وتسع إلى أستراليا.

أثارت هذه الاستراتيجية ردود أفعال حادة من قبل عدة شركات طيران مثل «إير فرانس» و«لفتانزا» الألمانية، حيث تأمل في إقناع حكومتيهما بالحد من استقبال «الخطوط الجوية الإماراتية» في المطارات الفرنسية والألمانية. ويقول بيير هنري غورجون، الرئيس التنفيذي لشركة «إير فرانس»، الذي يشكو من جذب «الخطوط الجوية الإماراتية» لركاب من المراكز التقليدية في أوروبا: «إن الاستراتيجية التي تتبعها الخطوط الجوية الإماراتية عدوانية. إن أوروبا تقع في قلب عالم الملاحة الجوية نظرا لتاريخ الملاحة الجوية».

ويشير ولفغانغ مايرهابر، الرئيس التنفيذي بشركة «لفتانزا»، إلى أن الشركة استغرقت 40 عاما لتكوين أسطولها المكون من 30 طائرة «بوينغ - 747» في ألمانيا، إحدى أكبر الدول اقتصاديا في العالم. وتمتلك «الخطوط الجوية الإماراتية» 15 طائرة من طراز «إيه 380»، التي تعد من أكبر طائرات الركاب في العالم فضلا عن طلبها توريد 75 طائرة بحلول عام 2018، في حين أن شركة «إير فرانس» وشركة «لفتانزا» والخطوط الجوية البريطانية مجتمعة طلبت توريد 39 طائرة من طراز «إيه 380».

وفي كندا، اتخذت مناقشات بشأن توسيع نطاق حقوق هبوط «الخطوط الجوية الإماراتية» منحى لاذعا. فبعد رفض الحكومة الكندية الطلب المقدم من «الخطوط الجوية الإماراتية» لتوفير خطوط طيران إلى كالغاري وفانكوفر وزيادة عدد رحلات الطيران إلى تورنتو، وقعت الإمارات المتحدة اتفاقية عسكرية تسمح للقوات الكندية باستخدام قاعدة لوجيستية بالقرب من دبي.

يقول كريغ جينكز، مستشار خطوط جوية في نيويورك، إن «الخطوط الجوية الإماراتية» تهدد شركات الطيران في سوق الرحلات الدولية الطويلة التي تحقق فيها أرباحا. ويوضح قائلا: «لا يوجد ما هو أفضل من شركة طيران يحركها دافع ذاتي في دولة صغيرة».

مثلما هو الحال في دبي، بدأت «الخطوط الجوية الإماراتية» صغيرة لكن أحلامها كانت كبيرة. وقد تأسست الشركة بعد أن حدّت شركة طيران الخليج التي تملكها البحرين وقطر وعمان والإمارات المتحدة خدمتها إلى دبي في الثمانينات. وبعد شعور حكام دبي بالتهميش، قاموا بصنع الطائرات الخاصة بهم.

وقد بلغت حصة الحكومة من رأس المال 10 ملايين دولار وبدأت الشركة عملها بطائرتين هما «بوينغ 737» و«إير باص إيه 300» مستأجرتين من «الخطوط الجوية الباكستانية». وتولت مجموعة من المسؤولين التنفيذيين البريطانيين، منهم كلارك الذي كان يعمل في شركة «طيران الخليج» وموريس فلانغان، مسؤول تنفيذي سابق في «الخطوط الجوية البريطانية»، إدارة الشركة الجديدة.

كانت تربط رحلات «الخطوط الجوية الإماراتية» في البداية بين دبي ومدن في شبه القارة الهندية وبعض المدن الأوروبية مثل لندن. لكن خلال فترة التسعينات، مكّن ظهور طائرات جديدة قادرة على قطع مسافات أطول مثل «بوينغ 777» الخطوط الجوية الإماراتية من جعل دبي مركزا عالميا. وأعلن الشيخ أحمد، الرئيس التنفيذي للشركة، صراحة أن دبي سوف تكون «في قلب الطريق الحريري الذي يربط بين الشرق والغرب». ويعبر منافسو الشركة عن إعجاب مشوب بازدراء، حيث يقول ويلي والش، رئيس الخطوط الجوية البريطانية: «لقد أدركت الإمارات قيمة المركز التجاري». ويقول كلارك: «إذا أردت السفر من أفريقيا إلى آسيا أو من أميركا الجنوبية إلى الصين، فالطريق المباشر يمر عبر الشرق الأوسط».

لكن الجغرافيا هي عامل واحد فقط في تكوين «الخطوط الجوية الإماراتية». كذلك الدعم الحكومي أساسي. كان ينظر إلى الشركة منذ البداية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من تطلع الحكومة إلى جعل دبي مركز تجاري ومالي وسياحي في منطقة الخليج. ويلعب الشيخ أحمد دورا في كل الجوانب المتعلقة برحلات الطيران من وإلى دبي حتى إنه يعرف باسم «سيد الطيران». فهو رئيس «فلاي دبي»، أكبر شركات طيران الدولة و«دناتا»، الشركة التي تتولى إدارة المطار، وكذلك رئيس هيئة دبي للطيران المدني التي تشرف على هذا المجال. وصادف أن يكون عم الشيخ محمد بن راشد آل متكوم، حاكم دبي الحالي.

* خدمة «نيويورك تايمز»