الشركات الأميركية ترفع الأسعار لتغطية ارتفاع تكاليف السلع الأولية

بعض المنتجات ربما تقفز أسعارها بمعدل يصل إلى 30% في الخريف

TT

بحلول فصل الخريف، من الوارد جدا أن يدفع الناس أموالا أكثر لبعضهم البعض، مع ارتفاع أسعار معظم السلع الاستهلاكية، حسبما ذكر تجار التجزئة وشركات الأغذية ومصنعو المنتجات الاستهلاكية. وقد اقتربت أسعار القطن من أعلى مستوى لها خلال أكثر من عقد، بعد ضبط الأسعار مع التضخم، وقفزت تكاليف الجلود والبوليستر أيضا. وسجل النحاس مؤخرا أعلى مستوياته خلال نحو 40 عاما، ويجلب الحديد الخام، الذي يستخدم في صناعة الصلب، أسعارا مرتفعة جدا. وقد ارتفعت أسعار الذرة والسكر والقمح واللحوم والقهوة. وفي نفس الوقت، أصبحت تكلفة العمالة الخارجية أكثر غلاء، وبالمثل ارتفعت فواتير المرافق اللازمة للحفاظ على عمل المصانع. وقال ويسلي آر كارد، الرئيس التنفيذي لمجموعة «جونز غروب»، التي تضم علاماتها التجارية شركات «ناين ويست» و«آن كلاين»: «هناك ضغوط تتعلق بالتكلفة في كل مكان بالفعل». وبعدما حاول الإبقاء على انخفاض أسعار التجزئة أو حتى تخفيضها خلال فترة الكساد، يقول جونز إن أسعار علاماته التجارية سوف تقفز بمعدل يتراوح ما بين 15 إلى 20 في المائة بحلول فصل الخريف القادم. وعندما بدأت أسعار السلع في الارتفاع خلال فصل الصيف الماضي، امتص العديد من المصنعين وتجار التجزئة التكاليف، وكانوا يشعرون بالقلق من أن المتسوقين لن يدفعوا أسعارا أعلى خلال موسم الإجازات التنافسي أو عندما كان الاقتصاد لا يزال هشا. وتقول العديد من الشركات الكبيرة، ومن بينها «كرافت» و«بولو رالف لورين» و«هانيز» إنها لا يمكنها الحفاظ على نفس الأسعار لأي فترة أطول، وإنها لا بد أن ترفع الأسعار من أجل حماية بعض الأرباح. ولم يتضح بعد ما إذا كان المتسوقون سيدفعون أسعارا أعلى. قال جوشوا شابيرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة «إم في آر إنك»: «المتسوقون ليسوا تماما في نفس إطار التفكير أو الظروف الاقتصادية لكي يقولوا: (حسنا، ادفعوا عندما يطلب منكم ذلك. وسوف تكون هناك انتكاسة في المبيعات)».

ويقول خبراء اقتصاديون إن الزيادات قد تظهر في نهاية الأمر في شكل تضخم، رغم أنهم لا يتوقعون أن الأسعار سوف تطلق أجراس إنذار. وعلى الرغم من بعض المخاوف، كان التضخم منخفضا جدا، حيث وصل إلى نسبة 1.4 في المائة فقط سنويا خلال شهر ديسمبر (كانون الأول). وسوف يتم إصدار بيانات شهر يناير (كانون الثاني) يوم الخميس القادم، ولكن ثمة خبراء اقتصاديين يتوقعون أن التضخم سوف يصل إلى نحو 2.5 في المائة خلال العام الحالي.

ويرى البعض إشارات لتضخم أعلى، ويحذرون من أن «الاحتياط الفيدرالي» سوف يحتاج إلى رفع معدلات الفائدة أو على الأقل وقف ضخ المزيد من الأموال إلى الاقتصاد. ويؤكد آخرون أن مثل هذه التحركات سوف تخنق النمو الاقتصادي المطلوب بشدة من أجل تشجيع الشركات على إعادة توظيف العمال مجددا. وبالنسبة للمستهلكين، تعني الأسعار المرتفعة في المتاجر أنه سوف يكون هناك قدر إضافي أقل قليلا من الأموال التي سيتم إنفاقها. وبالنسبة للشركات، ربما يتم ضغط الأرباح، وهو ما يقلل بشكل محدود من احتمالات الاستثمار في شراء المعدات أو التوظيف بشكل قوي.

وقال جون ريدينغ، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة «آر دي كيو إيكونوميكس»: «يتعين على المرء أن يفكر في هذه الأسعار المرتفعة على أنها لا تمثل سببا لتعطيل النشاط الاقتصادي، ولكنها تمثل سببا للتساؤل عن أسباب تباطؤ الانتعاش الاقتصادي بشكل أقل مما كان ينبغي أن تكون عليه الحالة». ونظرا لأن سعر غالون الغاز في الوقت الحالي يزيد على 3 دولارات في المتوسط، قد يشعر الأميركيون أنهم يتعاملون حاليا بالفعل مع أسعار مرتفعة.

أضف إلى ذلك أن تكلفة الغذاء لن تحرف إلى حد كبير معظم الميزانيات المنزلية. ويمثل الغذاء والغاز والملابس ومنتجات العناية الشخصية والتنظيف وإمدادات الغسيل أكثر من ربع الإنفاق المنزلي في الولايات المتحدة، وفقا لبيانات الحكومة. ويكافح الناس الموجودون في قاع سلم الدخل بشكل إضافي مع ارتفاع هذه الأسعار، بالطبع، لأن الحصة الأكبر من نفقاتهم تصرف على هذه الأشياء الضرورية.

ويرى البعض أن احتمال ارتفاع الأسعار بشكل محدود لا يمثل سببا يدعو للقلق. وفي الحقيقة، يمكن أن تشير الأسعار المرتفعة إلى تحسن الظروف الاقتصادية. وقد ساعد الطلب الأكبر من دول تنمو بشكل سريع مثل الصين في رفع تكاليف العديد من المواد الخام - رغم أن المسؤولين هناك يشعرون بالقلق إزاء الضغوط الناتجة عن التضخم، مثلما هو الحال بالنسبة لبعض المسؤولين في أوروبا. وفي الولايات المتحدة، يظهر استعداد الشركات لرفع الأسعار أنهم يمتلكون شعورا أفضل عن الانتعاشة المحلية.

ولم يترجم الارتفاع الحاد في أسعار السلع منذ العام الماضي في كل السجلات الجديدة. وقد انخفضت أسعار السلع الغذائية بنحو 8 في المائة عن أعلى معدل لها كان قد سجل في صيف عام 2008، بينما سجلت أسعار الطاقة أقل من نصف أعلى معدل لها. وتنخفض أسعار سلة من السلع الأخرى بنحو 4 في المائة عن أعلى مستوياتها المسجلة في منتصف عام 2008.

وتمثل تكلفة المواد الخام جزءا كبيرا من تكلفة معظم السلع الاستهلاكية، بينما تميل تكلفة الأيدي العاملة والمعالجة والتعليب إلى تشكيل الحصة الأكبر من السعر في السجل النقدي. وسوف تظهر أغذية مثل القهوة واللحوم والحليب، التي ترتبط بشكل أكثر قربا بالمواد الخام، بعضا من أكبر القفزات في الأسعار. ويمكن أن تواجه الشركات التي تحاول نقل كل تكاليفها مقاومة من المستهلكين. ورغم ارتفاع نفقات المستهلكين، فقد ثبت معدل البطالة عند نسبة 9 في المائة، وارتفع متوسط الأرباح في الساعة بنسبة أقل من 2 في المائة على مدار العام الماضي.

وقال جاك روسو، محلل السلع الاستهلاكية في شركة «إدوارد جونز»: «تتعامل هذه الشركات دائما بحذر كبير جدا إزاء النسبة المقترحة لرفع الأسعار. وتسأل أنفسها: هل يجب أن أوازن السعر أو أقوم بتخفيضات أخرى في التكلفة؟ أم هل يجب أن أفرض زيادة في الأسعار وأضم هذه الزيادات إلى هوامش أرباحي؟».

وقد أدى ارتفاع تكلفة المواد الخام، بالفعل إلى انخفاض أرباح الشركات التجارية. وقالت شركة «كيمبرلي كلارك»، التي تنتج المحارم الورقية وحفاضات «هوغيز» إن المنتجات التي تعتمد على الألياف والنفط قد ساهمت في انخفاض بسيط خلال الربع الأخير من العام الماضي. وقالت شركة «بروكتور & غامبيل» إن أرباحها انخفضت بشكل محدود في القسم الذي ينتج معجون أسنان «كريست»، بالإضافة إلى وحدة علاماتها المنزلية، التي تنتج مسحوق «تايد» ومنظفات «كاسكيد». وأصيبت المطاعم، التي قاومت الأسعار المرتفعة من أجل الحفاظ على روادها خلال العام الماضي، بارتباك أيضا. وقد تأخذ هذه المطاعم خطوات أخرى أيضا مثل تقليل تشغيل أجهزة تنظيم الحرارة وتقليص أعمال التعبئة أو تقليل الأحجام من أجل تقليل الصدمة المرتبطة بهذه التطورات.

وقد ارتفعت أسعار اللحوم بسبب ارتفاع تكلفة أعلاف الماشية، وهو ما أدى إلى اتخاذ المزارعين لقرار تربية أعداد أقل من الماشية رغم وجود طلب قوي على شراء اللحوم في معظم الأنحاء بسبب ارتفاع مستويات المعيشة. وقد أدى انتشار مرض الحمى القلاعية، الذي دمر مزارع تربية الخنازير في كوريا الجنوبية إلى حدوث زيادة حديثة في الطلبات على لحوم الخنازير الأميركية. وقال لين إم شتاينر، مالك مجموعة «شتاينر» الاستشارية، التي تعمل مع شركات المطاعم في مجال شراء مستلزمات المطاعم: «خلال العام الحالي، سوف يتعين علينا رفع الأسعار للبقاء في العمل». وتقول شركة «ويرلبول» إنها تتوقع دفع مبالغ إضافية بنسبة تتراوح ما بين 8 إلى 10 في المائة لمنتجاتها بداية من شهر أبريل (نيسان) القادم. وقالت شركات الملابس مثل «بولو رالف لورين» و«بروكس برازرز» إنها سوف ترفع الأسعار خلال العام الحالي. وأعلنت شركة «هانيس براندز» التي رفعت أسعار منتجاتها بالفعل أن أسعار المنتجات القطنية الثقيلة سوف ترتفع مجددا في نهاية فصل الصيف القادم. وإذا ظلت تكاليف القطن مرتفعة، يمكن أن تسجل منتجات الشركة زيادة تراكمية بنسبة 30 في المائة. ولا تعتقد بعض الشركات أنها يمكن أن تواصل طرح منتجاتها دون زيادة الأسعار. وقالت شركة «بيبسيكو» التي تنتج المشروبات الغازية والوجبات الخفيفة مثل رقائق «فريتوس» إنها ستكون حذرة.

* خدمة «نيويورك تايمز»