النفط يحلق فوق 110 دولارات على الرغم من تطمينات السعودية.. ومصارف لا تستبعد 220 دولارا للبرميل

وسط تفاقم الاضطرابات في ليبيا واحتمالات فوضى أخرى

منشآت شركة النفط الالمانية ونترشال في ليبيا التي بدأت في ترحيل عامليها بعد الاضطرابات (أ.ف.ب)
TT

بينما تجاوزت أسعار مزيج خام برنت (خام القياس البريطاني) أمس فوق مستوى 110 دولارات للبرميل لأول مرة، قال بنك «نومورا» الياباني إن أسعار النفط قد تصل إلى ذروتها فوق 220 دولارا للبرميل إذا أوقفت ليبيا والجزائر إنتاجهما من الخام، نتيجة لاتساع العنف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقارن محللون بين الوضع الحالي والوضع أثناء أزمة الخليج 1990 - 1991 عندما قفزت الأسعار بنسبة 130 في المائة في سبعة أشهر، مع انخفاض الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى «أوبك» إلى 1.8 مليون برميل يوميا. وقال البنك الياباني في مذكرة نقلتها وكالات الأنباء: «إذا اضطرت ليبيا والجزائر إلى وقف إنتاجهما النفطي معا، فإن الأسعار قد تصل إلى ذروتها فوق 220 دولارا للبرميل وستنخفض الطاقة الفائضة لدى (أوبك) إلى 2.1 مليون برميل يوميا، وهو ما يماثل المستويات التي كانت عندها أثناء حرب الخليج، عندما بلغت الأسعار 147 دولارا للبرميل». ويذكر أن الطاقة الفائضة لدى «أوبك» تبلغ 7.5 مليون برميل يوميا، من بينها أربعة ملايين برميل توفرها طاقة الإنتاج السعودية الفائضة.

وتسببت الاضطرابات السياسية المنتشرة داخل العالم العربي في ارتفاع أسعار النفط بصورة حادة كما اقتربت أسعار الذهب من 1410 دولارات للأوقية «الأونصة»، وتراجعت الأسهم يوم الثلاثاء الماضي على الرغم من محاولات السعودية تهدئة الأسواق المضطربة. وقد نجم عن الاضطرابات المنتشرة من تونس إلى ليبيا ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها خلال عامين، كما ارتفعت أيضا أسعار البنزين. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس: «يشعر المستثمرون بالقلق بسبب احتمالية زيادة تكاليف الطاقة وارتفاع معدلات التضخم».

وبلغ النفط حاليا معدلات أسعار لم يصل إليها منذ بدء الركود الاقتصادي، وارتفع بمقدار أكثر من 20 دولارا عن مستهدفات، اعتبرها مسؤولون سعوديون قوية بالقدر الذي يرضي المنتجين البارزين، ولكن ليست بالقوة التي قد تؤدي إلى إعاقة الانتعاشة الاقتصادية العالمية. وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك مقدار كبير من إمدادات النفط والبنزين داخل الولايات المتحدة وفي الكثير من العالم، يدفع مستهلكون أميركيون حاليا متوسط 3.17 دولار لغالون البنزين العادي، وتمثل هذه زيادة كبيرة نسبتها 6 سنتات للغالون عن الأسبوع الماضي، وذلك بحسب ما أفاد به تقرير «إيه إيه إيه» اليومي لقياس الوقود. وعلى ضوء دفع المستهلكين قرابة 50 سنتا إضافية للغالون، بالمقارنة مع ما كانوا يدفعونه قبل عام، يحذر محللون من أن الأسعار يمكن ببساطة أن ترتفع عن 3.50 دولار بحلول موسم القيادة في الصيف.

ويقول لورانس كريتورا، مدير المحافظ بـ«فديراتد إنفستورز»: «ارتفاع أسعار الطاقة يمثل ضريبة على المستهلكين، مما يؤدي إلى تقليل القوة الشرائية الإضافية لديهم. كما تمثل ريحا عكسية محتملة تهب على تجار التجزئة».

وقد أدت هذه المخاوف إلى تراجع مؤشر «داو جونز» الصناعي بمقدار 178.46 نقطة، أي بنسبة 1.44 في المائة، ليصل إلى 12.212.79. كما تراجع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بمقدار 27.57 نقطة، أي بنسبة 2.05 في المائة، ليصل إلى 1.315.44. وخسر مؤشر «ناسداك» المركب 77.53 نقطة، أي بنسبة 2.74 في المائة، ليصل إلى 2.756.42 في المائة. كما شهدت الأسواق داخل آسيا وأوروبا تراجعا أيضا. وارتفعت أوراق الخزانة المالية داخل الولايات المتحدة.

وسعى وزير البترول السعودي أمس إلى طمأنة الأسواق أول من أمس الثلاثاء، وقال إن منظمة «أوبك» مستعدة لضخ المزيد من النفط لتعوض عن أي تراجع. وقد توقف إنتاج 100 ألف برميل يوميا على الأقل داخل ليبيا. ويعد ذلك جزءا فقط من إنتاج الدولة، ولكن مع بدء شركات نفط أجنبية وقف العمليات وترحيل العمال ومع إغلاق الموانئ المحلية، يمكن خسارة المزيد من الإنتاج.

وقال وزير النفط السعودي علي النعيمي في مؤتمر صحافي بعد اجتماع وزراء الدول المنتجة والمستهلكة للنفط داخل الرياض: «(أوبك) مستعدة لسد أي نقص في الإمدادات عندما يحدث ذلك. توجد مشاعر قلق وخوف، ولكن لا يوجد نقص».

ويبدو أن أوروبا معرضة لمخاطر كبيرة بسبب الأزمة القائمة داخل ليبيا، التي تنتج قرابة 2 في المائة من النفط العالمي. ويذهب أكثر من 85 في المائة من صادرات ليبيا إلى أوروبا، ويذهب أكثر من الثلث إلى إيطاليا وحدها. وترسل ليبيا جزءا صغيرا من نفطها إلى الولايات المتحدة، ولكن لأن النفط سلعة عالمية، فإن الأميركيين ليسوا بمأمن من الموجات الصادمة في الأسعار.

وداخل نيويورك، ارتفع النفط الخام تسليم مارس (آذار) بمقدار 7.37 دولار، أو بنسبة 8.6 في المائة، ليصل إلى 93.57 دولار للبرميل، بينما ارتفع النفط تسليم أبريل (نيسان) بنسبة 6.4 في المائة ليصل إلى 95.42 دولار للبرميل. وارتفع خام برنت، وهو مؤشر أوروبي يتم تداوله داخل لندن، ليصل إلى 110 دولارات. وتعتمد معامل تكرير في السواحل الشرقية والغربية على خام برنت، مما يعني أن الأسعار الأعلى التي يدفعها أوروبيون سترفع أسعار البنزين والمازوت التي يدفعها الكثير من سكان نيويورك ونيو إنغلاند، ويدفعها أميركيون آخرون.

ويقدر توم كلوزا، محلل النفط البارز لصحيفة «نيويورك تايمز» بـ«أويل برايس إنفورميشن سيرفس»، أن السعوديين يمكنهم ضخ ما بين مليون ونصف المليون برميل إضافي خلال أيام. وبحكم أنها أكبر دولة منتجة، فإن السعودية العضو الأكثر تأثيرا في منظمة الدول المصدرة للنفط، ولديها احتياطي لتسليم ما بين 4 ملايين و5 ملايين برميل للأسواق العالمية بعد عدة أسابيع لتجهيزات. ويعد ذلك أكثر من ضعف النفط الذي سيخسره العالم إذا توقف الإنتاج كلية بسبب الاضطرابات داخل ليبيا.

ويقول كلوزا: «ما لم تنتشر هذه الاضطرابات في شوارع جدة والرياض، أعتقد أنه موقف يمكن إدارته والأسعار أقرب من بلوغ الذروة، وليس من الانفجار لتبلغ مستويات أعلى».

وعلى الرغم من أن ليبيا تعد السبب المباشر للزيادة في أسعار النفط مؤخرا، يقول خبراء نفط إن تجارا كانوا يرفعون الأسعار بسبب مخاوف من أن عدم استقرار على المدى الطويل داخل منطقة الشرق الأوسط مجرد بداية. وأشاروا إلى أن الاحتجاجات داخل البحرين، على وجه الخصوص، تعد إشارة مقلقة تظهر أن السعودية قد لا تكون بمنأى عن العدوى السياسية المستشرية. وتنتج البحرين القليل من النفط، ولكنها مرتبطة بالمنطقة الشرقية داخل السعودية الغنية بالبترول بطريق ممهد، طوله 15 ميلا. وتقول حليمة كروفت، المديرة وواضعة الاستراتيجيات الجغرافية السياسية البارزة بـ«باركليز كابيتال»: «لا يعرف أحد أين ستنتهي الأمور؟ قبل أسبوعين كانت تونس ومصر، وكان هناك اعتقاد بأنه من الممكن احتواء الأمر داخل شمال أفريقيا ودول الشرق الأوسط الفقيرة في الموارد. ولكن في الوقت الحالي، وعلى ضوء الاحتجاجات داخل البحرين، وهذه في قلب منطقة الخليج، تزداد المخاوف».

ويشار إلى أن حقول النفط داخل منطقة الشرق الأوسط تحظى عادة بدفاعات جيدة وبعيدة عن المراكز السكانية، ولكن يقول محللو طاقة إن استمرار الاضطرابات يحتمل أن يهدد خطوط الإنتاج والاستثمارات الأجنبية التي تعتمد عليها دول منتجة مثل ليبيا والجزائر من أجل زيادة الإنتاج.

وبدأت أسعار النفط العالمية ترتفع بصورة حادة عندما تجمع متظاهرون في وسط القاهرة في وقت سابق بسبب مخاوف من أن الاضطرابات قد تؤدي إلى إغلاق قناة السويس وخط أنابيب «سوميد» الذي يمر عبره 3 ملايين برميل من الخام يوميا. ولا تزال اضطرابات عمالية مصدر قلق داخل القناة، على الرغم من أن عمليات الشحن مستمرة من دون أي حوادث عرضية.