انخفاض الأسهم العالمية وارتفاع النفط والذهب وسط هلع من الاضطرابات الدامية في ليبيا

«برنت» شارف على الـ120 دولارا قبل أن يتراجع بعد تصريحات سعودية

ارتفاع أسعار المشتقات يهدد الانتعاش الأميركي (رويترز)
TT

واصلت أسعار النفط والذهب تحليقها عاليا أمس، كما انخفضت أسواق الأسهم العالمية وبعض العملات الرئيسية وعلى رأسها الإسترليني، متأثرة بالهلع من التطورات الدامية التي تشهدها ليبيا واحتمالية فقدان الأسواق لنحو 1.56 مليون برميل يوميا من الخامات الخفيفة التي تغذي الأسواق الأوروبية، بعد أن أكدت شركات نفطية تعمل في ليبيا أن السوق فقدت 1.2 مليون برميل. وأمام هذه التداعيات، أعربت عدة مصارف تجارية في لندن عن قلقها على النمو العالمي الهش الذي بدأت تلوح منه انتعاشة إيجابية في العام الحالي، لكنه الآن ربما يواجه بموجة تضخم حادة من جراء ارتفاع أسعار المحروقات خاصة في أوروبا وأميركا. وكانت أسعار خام برنت قد حلقت أمس عاليا، قبل أن تتراجع إثر تصريحات سعودية قالت إن المملكة ودول منظمة أوبك، قادرة على تلبية طلبات الشركات والمصافي التي تواجه نقصا في حال طلب منها ذلك.

ونسبت وكالة بلومبيرغ إلى مسؤول نفطي سعودي أمس قوله «السعودية ودول أوبك الأخرى قادرة على تعويض أي نقص قد يطرأ في الأسواق من النفط الليبي فور طلب الشركات منها ذلك، بما في ذلك الخامات من نفس النوعية». وأضاف المسؤول «لا يوجد سبب مقنع لارتفاع أسعار النفط، لأن السعودية ودول أوبك لن تسمح بوجود نقص في الإمداد». وكان وزير النفط السعودي علي النعيمي قد أكد قبل استفحال الاضطرابات الليبية، على التزام بلاده بتعويض السوق عن أي شح في إنتاج النفط قد تخلفه بعض الاضطرابات في المنطقة. وقال الوزير، خلال منتدى الطاقة العالمي في الرياض قبل يومين «حتى الآن لم ينتج عن الاضطرابات أي شح في الإنتاج، ولسنا مضطرين الآن لرفع كميات الإنتاج، لكننا على أهبة الاستعداد لتلبية أي نقص في الإمداد»، لافتا إلى أن السوق البترولية لم تتأثر حتى الآن، وأنه إذا كان هناك خلل سيتم علاجه.

من جانبه، قال الدكتور فهد بن جمعة، الخبير النفطي، إن حاجة العالم اليومية من النفط تبلغ نحو 88.4 مليون برميل يوميا، وإن الزيادة الحالية في النفط تبلغ نحو 2.8 مليون برميل يوميا، بما فيها النقص المتوقع من انقطاع إمدادات ليبيا من النفط. وأشار الخبير النفطي الذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن ما تنتجه ليبيا يختلف عما تنتجه السعودية، وما تنتجه المملكة يختلف عن غيرها من البلدان، مرجعا الأسباب إلى تكوين النفط في باطن الارض، والذي يتحكم بشكل كبير في نوعية النفط. وعن النقص الذي يتداول خلال الأيام الحالية، قال بن جمعة إن ذلك النقص مبني على مجرد تحليلات، وإن «أوبك» لديها المقدرة على توفير ما ينقص الأسواق النفطية.

وأدت مخاوف ارتفاع النفط إلى مخاوف من ارتفاع التضخم في دول الاستهلاك الرئيسية، حيث تراجع مؤشرا «داو جونز» و«ستاندرد آند بورز» للأسهم الأميركية بشكل طفيف في التعاملات المبكرة أمس الخميس، مع اقتراب أسعار النفط الأميركي من مستوى 100 دولار للبرميل، بينما ارتفع مؤشر «ناسداك» قليلا. وتراجع مؤشر «داو جونز» الصناعي لأسهم الشركات الأميركية الكبرى 8.86 نقطة أو 0.07 في المائة، إلى 12096.92 نقطة. وانخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» الأوسع نطاقا 1.30 نقطة، أو 0.10 في المائة إلى 1306.10 نقطة. وفي سوق المعادن الثمينة، حيث يعد الذهب «ملاذا آمنا» في أوقات الأزمات، ارتفع سعر الأوقية إلى 1417 دولارا مقتربا من أعلى مستوياته في السابع من ديسمبر (كانون الأول) الماضي (1432.50). وقال المحلل جيمس مور في قراءة بموقع «بليون ديسك. كوم» اطلعت عليها «الشرق الأوسط»: «الذهب ربما يختبر حاجز السعر الذي شهده في ديسمبر».

وفي سوق الطاقة، وإثر التصريحات التي نسبتها وكالة بلومبيرغ إلى المسؤول النفطي السعودي، تراجع خام برنت، خام القياس البريطاني، من قرابة 120 دولارا للبرميل في التعاملات الصباحية، إلى نحو 115 دولارا في التداولات التي جرت منتصف نهار أمس.

وكانت تقارير قد نسبت إلى باولو سكاروني، الرئيس التنفيذي لشركة إيني، أكبر منتج للنفط الليبي، تحدثه عن تقديرات أكبر لانخفاض الإنتاج الليبي. وقال للصحافيين في روما «هناك انخفاض قدره 1.2 مليون برميل في إمدادات السوق». وخرجت المناطق الشرقية المنتجة للنفط عن سيطرة الزعيم معمر القذافي الذي شنت قواته حملة لقمع المحتجين للمحافظة على سلطته المستمرة منذ 41 عاما. وقال بنك «غولدمان ساكس» إن امتداد الاحتجاجات قد يحدث نقصا حادا في الإمدادات ويستلزم ترشيدا للاستهلاك. وقال جيفري كوري، المحلل لدى «غولدمان ساكس»، في مذكرة بحثية اطلعت عليها «الشرق الأوسط»: «لا تستطيع السوق من وجهة نظرنا تحمل المزيد من تعثر الإمدادات، خاصة أن الاضطرابات الليبية تستنفد نصف فائض الطاقة الإنتاجية لدى منظمة أوبك». وقال وانغ تاو، محلل «رويترز»، إن التحليلات الفنية تظهر أن برنت قد يكون متجها صوب 158 دولارا للبرميل في 2011، متجاوزا ذروته في 2008 التي كانت 147.50 دولار، بينما توقع أن يلامس الخام الأميركي 159 دولارا للبرميل. وقال «دويتشه بنك» أمس إن تجاوز أسعار النفط لمستوى 120 دولارا للبرميل سيكون نقطة تحول للنمو الاقتصادي العالمي. وقال دويتشه في مذكرته البحثية الصباحية عن سوق السندات إن النفط يقترب بالتأكيد من مستوى يعتبره زملاؤنا خطرا على النمو العالمي. وأضاف «سعر 120 دولارا للبرميل هو المستوى الذي تبدأ عنده مساهمة النفط في الناتج الإجمالي العالمي التي تتحرك متجاوزة 5.5 في المائة من الناتج، وهي أجواء ربما يتعرض النمو العالمي عندها لضغوط».